المنظومة البنكية والإجراءات الجمركية أبرز «العوائق» تفاؤل بمناخ أعمال أفضل يغري رجال الأعمال الأجانب تشارك 20 دولة في معرض الجزائر الدولي، الذي يستمر من 13 الى 17 جوان الجاري، بعد سنتين من الغياب بسبب جائحة كورونا، بأجنحة ضمت مختلف الشركات والمؤسسات الاقتصادية الراغبة في الظفر بوصف شريك اقتصادي، بعد الذي قدمه مشروع قانون الاستثمار الجديد من امتيازات ستكون سببا في رفع عراقيل شكلت لسنوات طويلة حجر عثرة أمام الاستثمار الأجنبي، وعاملا مشوشا لمناخ الأعمال في الجزائر. اختزلت الطبعة 53 لمعرض الجزائر أربع قارات في مساحة واحدة تحت شعار «من أجل شراكة استراتيجية» وبمبدإ رابح رابح لتصنع حدثا اقتصاديا مهما وطنيا ودوليا، في سياق إصلاحات عميقة يعد قانون الاستثمار أهمها، وفق استراتيجية واضحة المعالم بالترويج للمنتوج الجزائري وترقية الصادرات خارج المحروقات وكذا تعزيز التجارة الخارجية. «الشريك المفضل»... هدف الأمريكيين بمراقبة مشددة وفرض رخصة خاصة لدخول الجناح، أحدثت فوضى وتذمرا وسط الصحفيين والزوار، دخلت «الشعب» الجناح المخصص لضيف الشرف في الطبعة 53 لمعرض الجزائر الدولي الولاياتالمتحدةالأمريكية، أين لمست تفاؤلا كبيرا ورغبة ملحة في التأسيس لشراكة أكبر وأوسع تجعل من الأمريكيين الشريك التجاري المفضل للجزائر. في هذا الصدد، أوضح الناطق الرسمي باسم السفارة الأمريكية في الجزائر خالد وولفسبرغ ل «الشعب»، أن المستثمر الأمريكي ينظر الى مشروع قانون الاستثمار الجديد باهتمام بالغ. وكأي مستثمر حول العالم يبحث عن الوضوح والشفافية في الإجراءات ومزيد من التفاصيل في الفترة المقبلة حتى يحقق استثمارا مربحا للطرفين. أما عن المشاريع المجسدة في إطار الشراكة الجزائرية - الأمريكية، أوضح وولسبرغ، أنه حسب آخر إحصائيات صندوق النقد الدولي، فإن الولاياتالمتحدة تحتل أكبر حصة من رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في الجزائر بحوالي 28٪ مقارنة بأي بلد آخر، كاشفا أن قطاع الطاقة كان يأخذ حصة الأسد في الاستثمارات الأمريكية في الماضي. لكن في السنوات الأخيرة يوجد اهتمام كبير بقطاعات أخرى، مثل الفلاحة التي تشارك بقوة في هذا المعرض، حيث تمثل ثلث الشركات الأمريكية الموجودة، الى جانب شركات في إدارة المياه والطاقات المتجددة والصحة والتكنولوجيا، حيث ينشط الجناح الأمريكي حوالي أربعين شركة تمثل قطاعات استراتيجية، منها التكنولوجيا البيئية، البناء، المنتجات الاستهلاكية، الصحة، تكنولوجيا الإعلام، الاتصالات، الطاقة، الطيران، الدفاع والتعليم. ويرى المتحدث، أن من بين أولويات الولاياتالمتحدة التأسيس لخط جوي بين الجزائروأمريكا وهو ما أعلن عنه الرئيس تبون لدى افتتاحه المعرض، مؤكدا أن فتح الخط الجوي يتطلب دراسات وتنسيقا أمنيا بين البلدين ويرتقب فتح خط جوي مباشر نهاية السنة الجارية. كما تحرص الولاياتالمتحدة على توسيع اتفاقية التعاون المبرمة بين البلدين، خاصة اتفاقية التبادل الضريبي الموقعة في 2015. ويعد المعرض فرصة جيدة للشركات الأمريكية للقاء شركاء جزائريين محتملين، مؤكدا أن بلده فخور بكونه ضيف شرف. كما نظم الجناح الأمريكي مجموعة من النشاطات مستوحاة من المعارض الترفيهية التقليدية في أمريكا، بما في ذلك مجموعة من المحاضرات حول الثقافة الأمريكية وحفلات موسيقية يقدمها صاحب جائزة الغرامي شانس ما كوي وعروض بهلوانية من طرف سيرك «تاكيلار» ولعبة الثور الميكانيكي ولعبة «الدنك التانك» وألعاب أخرى وعروض للطبخ مع الشيف الأمريكي الشهير روك هاربر. «أطلس الفلاحة»... أنموذج نجاح على صعيد آخر، قال مسؤول العلاقات العامة ومساعد مسير المشروع لشركة «أطلس الفلاحة» عبد الحكيم جنحاني، شركة «أطلس الفلاحة هي شركة ثانوية لشركة «أطلس جي.سي.بي» التي هي شركة جزائرية متواجدة بالجزائر منذ 2003 تقوم بالاستثمار في مجال البناء والعمران. أما الشركة فهي شركة «تيكساس بيوتكنولوجي» الأمريكية. في سنة 2017 اقتنعت الشركة بوجود إمكانيات كبيرة في الجنوب الجزائري للاستثمار في القطاع الفلاحي، بالرغم من صعوبة المناخ، لذلك اختارت دخول هذا القطاع لما له من أثر اجتماعي واقتصادي في نفس الوقت. في هذا الصدد، قدمت طلبا للحكومة الجزائرية من أجل الحصول على أرض فلاحية، وعن طريق عقد امتياز تحصلت الشركة على 11 ألف هكتار بمنطقة قاسي الطويل في ولاية ورقلة، مباشرة بعد ذلك باشرت الشركة في بناء البنية التحتية للمزرعة، فقامت بحفر 22 بئرا وتثبيت أجهزة السقي المتمثلة في 21 مرشا محوريا، لينطلق التحدي في قلب الصحراء. إلى جانب هذا التحدي الذي خاضته الشركة في قلب الصحراء الجزائر، رفعت تحديا آخر هو زراعة الشمندر السكري، حيث كانت الشركة أول المستثمرين في زراعة الشمندر السكري على مساحات كبيرة، فقد سبقتها تجارب فردية لبعض الفلاحين على مساحات أقل. في ذات السياق، كشف جنحاني أن الهدف المسطر للمشروع في الخمس سنوات الأولى هو إنشاء مزرعة نموذجية رقمية متخصصة في إنتاج الحبوب والأعلاف والأعلاف الخضراء وتربية الأنعام وتسمين العجول بتقنية حديثة ومعدات متطورة، لكن ما لفت الانتباه أن زراعة الشمندر السكري بالصحراء الجزائرية ممكنة على خلاف ما يروج له، فخلال سنتين وبعد تجريب زراعة 17 صنفا من الشمندر السكري، تم انتقاء 3 أصناف منها، وبعد موسم التجريب قامت الشركة بزراعة 440 هكتار في موسم واحد. وأكد المتحدث تحقيق نتائج جد مشجعة لولوج الصناعة التحويلية بعد تحقيق معدل 9 محتوى السكر ب19.2 كمعدل، أما أقصى نسبة وصلت الشركة إليها فهي تلك التي حطمت الرقم القياسي الإفريقي بنسبة 22.4. من جهة أخرى «بمقارنة هذه النتيجة مع النظير الأميركي، نجده أكبر، حيث تتراوح في الولاياتالمتحدةالأمريكية بين 17 و17.5، وهو ما جعل الوفد الأمريكي الذي زار المزرعة، شهر جانفي الفارط، منبهرا بكل النتائج المسجلة فيها». بعد نجاح زراعة الشمندر السكري، فكرت الشركة في ولوج الصناعة التحويلية حيث قدمت أواخر 2019 عرضا لإنشاء مصنع لتكرير السكر، لكن وإلى اليوم لم يتم الفصل نهائيا في طلبها، ما اضطر الشركة الى توجيه إنتاج الشمندر السكري إلى الأعلاف الخضراء، حيث سجلت نتيجة إيجابية برفع إنتاج البقرة الحلوب من لتري حليب إلى 3 لترات باتباع المسار التقني. كما تخصص الشركة مساحة لتطبيق المشاريع الكبرى للحكومة الجزائرية، ففي الثلاث سنوات الأخيرة كان هناك مشروع لزراعة الذرة والحبوب، وكذلك دوار الشمس والسلجم الزيتي. 750 مليون دولار في الثلاث سنوات المقبلة بالرغم من أن الشركة الأم أمريكية، إلا أن «أطلس الفلاحة» شركة جزائرية تخضع للقانون الجزائري توظف 9 آلاف عامل في جميع فروعها، حيث تعطي الشركة الأولوية لتوظيف الشباب، مع أعطاء الأفضلية لأبناء المنطقة، مع ضرورة التعاون مع الفلاحين. فإنشاء مصنع لإنتاج السكر هو بمثابة مشروع وطني، لذلك ترجو «أطلس الفلاحة» أن توليه الحكومة نظرة خاصة بالمقارنة مع مشاريع أخرى، لأنه في نهاية المطاف النجاح لن يكون للمصنع وحده، فحتى الفلاحون المجاورون سينخرطون وجوبا في هذه الصناعة، لأن 11 ألف هكتار لا تكفي لتشغيل مصنع لتكرير السكر، ما يعني فتح مناصب شغل جديدة مباشرة وغير مباشرة. الشركة وضعت إلزامية مساعدة الحكومة لها من خلال المصالح الفلاحية والغرف الفلاحية للانخراط في هذه العملية أو المشروع، فهي مستعدة لإمضاء عقود مع الفلاحين لأخذ كل منتوجهم، مع مشاركتهم كل التقنيات المستخدمة والمسار التقني في زراعة الشمندر السكري، ما يعني توفير المرافقة التقنية للفلاحين الراغبين في الاستثمار في هذا المجال من طرف الشركة، فمن بين المشاريع داخل المزرعة النموذجية إنشاء مركز للتكوين الفلاحي لضمان تحكم الفلاحين في مختلف التقنيات الحديثة. في نفس الوقت، أشار جنحاني أن استثمار الشركة بتمويل ذاتي ولم تستفد من أي قروض بنكية، سواء كانت جزائرية أو أجنبية، حيث حددت كلفة المشروع حتى الآن ب112 مليون دولار وهي مستعدة لرفع هذا الرقم في الثلاث سنوات المقبلة إلى 750 مليون دولار ب250 مليون دولار لكل سنة. مصر... شراكة عربية استراتيجية على صعيد آخر، شاركت مصر، ضيف شرف الطبعة المقبلة، بمختلف القطاعات الإستراتيجية من أجل الترسيخ لشراكة عربية عربية تعزز الاقتصاد العربي حتى يشكل إحدى القوى الاقتصادات العالمية. وقال مدير الجناح المصري بالهيئة المصرية العامة أيمن وفيق، إن العلاقات المصرية الجزائرية تحظى بتاريخ عريق وحافل بالدعم والمساندة المتبادلة بين البلدين، حيث تربطهما مصالح مشتركة على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وتشهد العلاقات تطورا مستمرا، ففي عام 2014 تم توقيع 17 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين، شملت العديد من القطاعات، والتي كان من بينها مجال تنمية الصادرات وحماية المستهلك. وقد زاد حجم التبادل التجاري بين مصر والجزائر في الآونة الأخيرة، لتصل مصر إلى المرتبة 15 لأهم الدول المصدرة للجزائر، والمرتبة 24 لأهم الدول المستوردة منها. لذلك حرصت مصر على المشاركة في الدورة 53 لمعرض الجزائر الدولي، حيث يشارك الجناح المصري ب11 شركة، تمثل 4 قطاعات إنتاجية مختلفة هي قطاع الصناعات الهندسية، الصناعات الكيماوية، الصناعات الغذائية والصناعات الحرفية. وينظم المشاركة المصرية بالدورة 53 للمعرض، الهيئة المصرية العامة للمعارض والمؤتمرات، التي تعرب عن بالغ سعادتها لعودة المعرض بعد توقف دام سنتين بسبب تداعيات جائحة كورونا المستجدة، كاشفا ان مصر ستكون ضيف شرف الطبعة 54 للمعرض بمشاركة أكبر ومساحة عرض أوسع. شراكة عربية متنوعة خلال تجولها في الجناح المصري، إلتقت «الشعب» المهندس أحمد شعيب، رئيس قسم التسجيلات الزراعية بشركة الزيات للمبيدات والكيماويات، الذي أشار في تصريح «أن الشركة هي أول شركة للمبيدات والكيماويات في الشرق الأوسط بدأت نشاطها سنة 1957، لذلك تعتبر الأعرق والأقدم في مصر، تنتج حوالي 150 مركب، يتنوع بين المبيدات الزراعية، الأسمدة الزراعية، المخصبات ومبيدات الصحة العامة والمنزلية، الى جانب بعض المبيدات البيطرية، تورد للجزائر منذ أكثر من عشر سنوات بعض المبيدات الزراعية عن طريق وكيل هو شركة «غولدن فيلد»، هي في صدد التعاون والمشاركة في بند المبيدات الصحة العامة والمنزلية. وفي إجابته عن سؤال حول بحث الجزائر عن إقامة شراكات متينة بالاستثمار فيها، قال إن الشركة تملك فروعا في أكثر من بلد، وتفكر جديا في فتح فرع لها في الجزائر، خاصة إذا علمنا أن الجزائر تفكر في الاعتماد على المنتوج المحلي في الفترة المقبلة. وأضاف في حديثه إلى «الشعب»، أن للشركة قدرة على توفير بعض المركبات والمواد الأولية بالتعاون مع شريك جزائري، في إطار شراكة جزائرية مصرية. فهناك توجه لإنشاء مصانع محلية نورد لها مواد أولية، كالزيت المعدني والكبريت، لأن توفير المادة الأولية مساعدة للاستثمار والتصنيع، بالنظر الى أن صناعة المبيدات في الجزائر ما تزال في بداياتها، وهي صناعة ضرورية على ضوء التوجه للفلاحة كبعد استراتيجي في الاقتصاد الجزائري، نظرا لتوفرها على إمكانات استثمارية كبيرة في هذا القطاع كالأراضي الخصبة والمساحات الواسعة الصالحة للزراعة، بالإضافة الى توجهها الى الزراعة الصحراوية. وفي الوقت نفسه كشف المتحدث، أن السوق الجزائرية كبيرة لذلك «نأمل في أن يكون هناك تعاون أكبر مستقبلا في إطار تعزيز التعاون والشراكة العربية العربية بمبدإ رابح رابح»، مؤكدا ضرورة تشجيع الشراكة العربية البينية، خاصة مع المستجدات التي تعرفها الجزائر على مستوى قانون الاستثمار، لذلك يأمل أن تفتح الأبواب أمام شراكة عربية، وفق مبدإ رابح رابح. وعن أهم المعوقات أمام الاستثمار الأجنبي في الجزائر والصعوبات التي يواجهها في الميدان، قال أحمد شعيب إن الظروف في اغلب الدول العربية متشابهة، بوجود قيود في الاستثمار في إطار بداية إطلاق صناعات محلية فأغلبها تعتمد على الاستيراد من الغرب في التعاون الاقتصادي، ولا تتعاون مع الدول العربية المجاورة، بالرغم من انها أيسر في التعامل وأقرب ما يجعل التكلفة أقل، «فنحن كدول عربية نبحث عن الغرب في كل شيء»، كما قال. الجزائر- تركيا... شراكة في تصاعد من جهة أخرى عرف جناح الشركة التركية» «تراغن TRAGEN» توافد متعاملين اقتصاديين جزائريين للتعرف على فرص الاستثمار المتاحة ونوعية المنتوج المسوق، وهو ما يعكس الاهتمام بربط علاقات تعاون مع الجانب التركي، والبحث عن شركاء جدد، خاصة وأن القطاع الاقتصادي تكبد خسائر كبيرة في السنتين الماضيتين، بسبب الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا. في هذا الصدد، قال مدير التصدير لشركة «تراغن TRAGEN» أحمد حوسرف، ان «الشراكة الجزائرية التركية تعرف ازدهارا ملحوظا، حيث نتوسم انفراج الأمور، خاصة بعد زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الى تركيا، أين تم التطرق الى توسيع الشراكة بين البلدين بعدة قطاعات، فالسوق الجزائري كبير ومهم وفيه فرص كثيرة للتعاون والاستثمار». لكن هناك بعض العراقيل تقف حجر عثرة أمام المتعاملين الاقتصاديين والمصدرين بشكل خاص، نظرا لثقل الإجراءات الجمركية، والمدة الطويلة لتحويل الأموال بين البنوك وثقل الإجراءات البنكية في الجزائر، حيث يضطر المصدر الى انتظار أكثر من شهرين لتحويل أمواله. وعن هدف المشاركة في المعرض، قال ممثل الشركة إنه جاء يبحث عن زبائن جدد لتوريد سلع تركية الصنع، تخص أجهزة كهرومنزلية، من علامة «تراغن TRAGEN» في انتظار رفع العراقيل ومنح تسهيلات أكبر المستثمرين الاجانب، لفتح فروع لشركاتهم، أو الاستثمار في إطار شراكة رابح- رابح.