المدينة الجديدة بالمنيعة.. مشروع عمراني ذكي برؤية تنموية متكاملة وآفاق استثمارية واعدة    بومرداس: مخطط تنموي متكامل لعصرنة المدينة وتحسين الإطار المعيشي    احتفالية توزيع جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة العربية : المجلس الأعلى للغة العربية يكرم رئيس الجمهورية نظير جهوده في ترقية لغة الضاد    نحو تعزيز إنتاج الأفلام وترقية الابتكار الشبابي.. وزيرة الثقافة والفنون تعقد لقاءات تشاركية مع صنّاع السينما    الأسرة السينمائية أمام إطار قانوني متكامل واضح المعالم : صدور النصوص التطبيقية المتعلقة بدعم الصناعة السينمائية    إلى غاية ديسمبر الجاري..أزيد من 2.4 مليون متعامل مقيد بالسجل التجاري    أشرف على تدشين طبعته ال33..رئيس الجمهورية يزور عدة أجنحة بمعرض الإنتاج الجزائري    تعزيز التعاون الأمني والهجرة غير الشرعية محور لقاء جزائري–إثيوبي    الاكتفاء الذاتي الاستراتيجي ضرورة للأمن القومي العربي    كيف تعمل مراكز النصب السيبراني الآسيوية؟    عطاف يجتمع بنظيره المصري بالقاهرة ويبحثان القضايا الإقليمية والدولية    عطاف يصل القاهرة للمشاركة في الاجتماع الوزاري الثاني لمنتدى الشراكة الإفريقية-الروسية    صراع مبابي وهالاند يتجدّد في المونديال    برلمان للطفل الجزائري    التحوّل الرقمي على طاولة الحكومة    لا تراجع عن صرف منحة السفر    مرسوم إنشاء فريق عمل جزائري إيطالي    معالجة أكثر من 2000 ملف منذ جانفي 2025    تلاعب بأوامر الروبوتات يحوّلها لسلاح قاتل!    الجزائر تترقب مواجهة الثأر أمام النمسا    ندوة علمية حول موقع اللغة العربية    تيسير عملية اقتناء حافلات جديدة للنقل    قسنطينة : وفاة مسن وإصابة امرأة في حريق سكني    ندوة دولية حول "إرساء مراكز الامتياز في التكوين المهني"    نفط: خام برنت عند 92ر58 دولار للبرميل    فاعل محوري في صياغة الرؤية الإفريقية للأمن الجماعي    أمطار مرتقبة في عدة ولايات من البلاد    إلى مدى ديمقراطية التعليم حق متأصل!.. ؟    ضرورة إيداع طلبات منح التقاعد عن بُعد مطلع 2026    الوزير الأول يستلم رسالة الرئيس التشادي للرئيس تبون    كرة القدم / الرابطة الثانية /الجولة ال13 : مواجهات حاسمة على مستوى الصدارة وتنافس كبير في ذيل الترتيب    شبيبة القبائل توقع عقد شراكة مع مستثمر جديد    الكيان الصهيوني يستفيد من نظام عالمي لا يعترف إلا بالقوة    تحقيقات واسعة حول عمليات استيراد وتوزيع العجلات    دعوة ملحة لإعادة إعمار غزّة    الجزائر تؤكد دعمها للصومال وجهود إحلال السلام    توقيع اتفاقية شراكة مع اتحاد إذاعات الدول العربية    محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الإسلام    فتاوى : الواجب في تعلم القرآن وتعليم تجويده    إنه العلي ..عالم الغيب والشهادة    الاحتلال ارتكب 813 خرقا لسريان اتفاق وقف النار : قصف إسرائيلي متفرق وتوغل محدود شرق دير البلح    اليوم العالمي لمناهضة الاحتلال:دعوة بباريس لتمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير    واقعية ترامب    الخضر يشرعون في التحضيرات    قرار أممي لفائدة فلسطين    منصة لاكتشاف تجارب سينمائية شابة    "رُقْية" يدخل قاعات السينما ابتداء من 22 ديسمبر    بودربلة في مهمة تعبيد الطريق نحو أولمبياد ميلانو    العناصر الوطنية في تربص إعدادي ببجاية    كأس إفريقيا فرصة إيلان قبال للانتقال إلى نادٍ كبير    هل هناك جريدة كبيرة عندنا..؟!    تمكين الطلبة للاستفادة من العلوم والتكنولوجيات الحديثة    دعم السيادة الصحية بتبادل المعطيات الوبائية والاقتصادية    أبو يوسف القاضي.. العالم الفقيه    الجزائر تُنسّق مع السلطات السعودية    40 فائزًا في قرعة الحج بغليزان    الاستغفار.. كنز من السماء    الاستماع لمدير وكالة المواد الصيدلانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقد الثقافي هدفه البحث في الأنساق المُضمرة
نشر في الشعب يوم 22 - 06 - 2022


حقل الدراسات الثقافية قدّم أفكاراً كثيرة وجديدة
في هذا الحوار، تتحدث الناقدة والباحثة الأكاديمية، الدكتورة منى صريفق، عن حقل الدراسات الثّقافيّة والنقد الثقافي، وبعض التقاطعات والقواسم المُشتركة بينهما. وعن الرهان داخل الدراسات الثقافية الّذي يفتح الكثير من الأسئلة الهامة والمُربكة.
والدكتورة منى صريفق، ناقدة وباحثة أكاديمية، وأستاذة الأدب واللّغة في جامعة «لمين دباغين» بسطيف. من بين الأعمال التي قدمتها في مجالها البحثي والنقدي «الرواية الجزائرية المكتوبة باللّغة الفرنسية بين التغير الاِجتماعي وبناء الوعي».
يُذكر، أنّ الدكتورة صريفق، فازت بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الخامسة عن فئة الدراسات النقدية، عن دراستها «راهنية المعنى بين مشروعية الفهم ومأزق كتابة تاريخ التبرير: مقاربة تأويلية ثقافية في نصوص عربية».
من المعروف أنّ الدراسات الثقافية تختلف عن التخصصات الأخرى كالأنثروبولوجيا الثقافية مثلاً، لكنها تُحيط بهذا المجال وتُساهم فيه بشكلٍ لافت. ما رأيك؟
منى صريفق: إنّ مجال الدراسات الثقافية والّذي يُطْلَق عليه باللّغة الإنجليزية Cultural Studies بالفعل يختلف عن تخصصات عديدة ومن بينها الأنثروبولوجيا الثقافية Cultural Anthropology؛ ولو أردنا فعليًا معرفة مدارات اِشتغال كلّ من الحقلين وجب التفريق بينهما ومعرفة مفهوم كلّ منهما على حِدة.
إنْ نحن تقصينا للقارئ الجذور التاريخية للدراسات الثقافية نجدها ترجع إلى أعمال كلّ من ريموند ويليامز R. Williams، وريتشارد هوجارت R. Hoggart تحديداً في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينات من القرن العشرين إلى أن يصل المُتتبع إلى مركز «برمنجهام للدراسات الثقافية المعاصرة» الإنجليزي الّذي تأسس سنة 1964. فقد أصبحت الدراسات الثقافية تخصصاً أكاديمياً يُعنى بالتحليل الثقافي لكلّ أنواع الخطابات.
بشرط أنْ تكون هذه الخطابات عبارة عن ظاهرة وجب ربطها تحليلياً بكلّ ما له علاقة بأنظمة السلطة والسيطرة، وما تُنتجه هذه الأخيرة ضمن تشكيل اِجتماعي مُحدّد أو فترة زمنية بعينها. ولقد أفرزت هذه الدراسات العديد من الأفكار والتوجهات النقدية، بالإضافة إلى تطورها السريع وتقدمها المُلاحظ عالمياً على مستوى تخصصات عِلم الاِجتماع والنظرية الأدبية المُعاصرة والنظرية النقدية. في حين الأنثروبولوجيا الثقافية فنجد الباحث فيها يُركز على الثقافة ومفهومها وأدائها ووظائفها، إنّها بكلّ دقة تدرس ما يُعرف بالتباين الثقافي بين البشر.
من هنا نستنج أنّ مباحثَ مهمة في الأنثروبولوجيا الثقافية تستند في أبحاثها على أهم التحليلات التي تُقدمها لها الدراسات الثقافية. وذلك أنّ الدراسات الثقافية تشكلت في أساسها على العديد من المباحث والتخصصات التي قد يستبعدها القارئ غير المتخصص. فنجدها قد تأسست على أفكار كل من المنهج السيميائي والنقد الماركسي، وقضايا مهمة للغاية كالجندرية والعرق في النظرية النسوية، وما بعد الكولونيالية والتاريخ والفلسفة، ودراسات علوم الإعلام والاِتصال وتاريخ الفن والكثير من المناهج. وإن أراد القارئ أن يتوسع فله العديد من العناوين أهمها:
The SAGE Dictionary of Cultural Studies by Chris Barker.
- هل يمكن الحديث عن دراسات ثقافية يتكئ عليها النقد الأدبي/النقد الثقافي؟
قدّم حقل الدراسات الثقافية أفكاراً كثيرة وجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية. فكما ذكرنا سابقاً، هو يقوم على تقديم جميع الخطابات نحو بؤرة التحليل؛ وهذا ما جعل الكثير من رواد النقد الأدبي يتلقفون هذه الفكرة وينقلونها في طريقة تعاملهم أو بالأحرى تحليلهم للنصوص الأدبية والفنية، ونذكر منهم -على سبيل المثال لا الحصر- هارولد بلوم Bluom Harold، بول ديمان Diman Paul وهيليس ميلر Miller Hilis ودلثاي.Dilthey وقد كان منهجهم من خلال تفكيك الخطابات الثقافية، واكتشاف ما تخفيه من أشكال الهيمنة والسيطرة والإيديولوجيات. بالإضافة إلى ذلك، نجد تزامن رفض البنيوية وكلّ أفكارها في فرنسا؛ والتي تبعها ما يُعرف بالمرحلة ما بعد البنيوية لتظهر مناهج واستراتيجيات جديدة لمقاربة النص وتحليله، من بينها استراتيجية التفكيك التي تزعمها جاك دريدا. ونظرية التلقي وغيرها... مِمَّا جعل حقل الدراسات الثقافية بخاصة مركز «برمنجهام للدراسات الثقافية المعاصرة» يتقدم في تطوير أفكاره أكثر فأكثر وتوليد نقد يتعدى حدود الأدب، إنّه نقد يُكسر فكرة التعالي والحدود ليكون نقداً لكلّ ما هو ثقافي مُتعلق بالإنسان.
نستنتجُ من كلّ ما تمّ ذكره: إنّ حقل الدراسات الثقافية والنقد الأدبي والنقد الثقافي قد نهل كل واحد منهم من الآخر بشكلٍ أو بآخر. فكلّ هذه المعطيات التي تمّ إدراجها في حديثنا هي عبارة عن فرش تاريخي ومفاهيمي لفروع معرفية لم تظهر من العدم، بل ظهرت من خلال أفكار وإيديولوجيات ساهمت في تكوين صيرورةٍ لها جينيالوجيتها الخاصة.
- ما هي القواسم المشتركة بين النقد الثقافي والدراسات الثقافية؟ وهل النقد الّذي تُمارسه الدراسات الثقافية هو نوع من النقد الثقافي؟
تحدثنا عن الدراسات الثقافية في السؤال الأوّل وحددنا مفهوماً مُقارباً لها، وعن كونها تهتم أيما اِهتمام بعملية توليد المعنى ومدى علاقته بأنظمة السلطة والسيطرة ضمن تشكيل اِجتماعي معين، إذ يمكن للباحث أنْ يقوم بدراسة العلاقة الكائنة بين رواية وبرنامج تلفزيوني، أو فيلم وما توصلت إليه البيولوجيا الجينية، أو أن يدخل أهم مطارات العالم ويُلاحظ بالدراسة العلمية أهم الأزياء المهيمنة، أو أن يجد نصاً لاتينياً عن الحملات العسكرية ولوحة فنية من القرن التاسع عشر. لقد اِنفتح التحليل الثقافي على الكثير من المظاهر واستلهم الكثير من الأفكار والإجراءات المنهجية في عملية التحليل من عديد المناهج النقدية. وهذا ما ساعده على أن يكون بطريقة ما شاملاً ومُرضياً للباحثين فيه، بخاصة أنهم رفضوا بشكلٍ قاطع فكرة المحايثة البنيوية أي عدم اِتصال الخطابات بِما هو سياقي موجود في المجتمع والثقافة الإنسانية بشكلٍ عام.
إنّ الدراسات الثقافية بالمُطلق تهتم بكلّ ما تعلق بالنشاط الثقافي للإنسان. ليظهر النقد الثقافي Cultural Criticism الّذي يعدُّ من أبرز الاِتجاهات النقدية المُؤثرة في قراءة الخطابات الأدبية والثقافية في مرحلة ما بعد البنيوية. والّذي إنْ بحثنا عنه لوجدناه من إفرازات الدراسات الثقافية، ولم يُعرف إلاّ في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين. وذلك بعد أن ساهم في اِنتشاره الناقد الأمريكي «فنسنت ليتش» سنة 1988 في كِتابٍ له بعنوان «النقد الأدبي الأمريكي».
وفي تعريف النقد الثقافي، أجدني أُوافق يوسف عليمات حين قال عنه، إنَّ كون هذا النقد يسعى إلى مساءلة البُنى النصية بوصفها حوادث ثقافية، ومن ثمّ اِكتناه أبعاد مضمراتها النسقية، التي تبدو هي الأخرى على وشيجة تامة بالسياقات الثقافية والظروف التاريخية التي أنتجها. فقد جاء النقد الثقافي ليبحث في الأنساق المضمرة التي كان النقد الأدبي الجمالي لا يراها أو بالأحرى لا يذكرها، إذ وراء كلّ قصيدة جميلة مثلاً: أنساق مضمرة ومُخاتلة للقارئ هي مُتعلقة بالأساس بالمجتمع والثقافة والإيديولوجيا.
ومن هنا نجد أنّ هناك نقاط مشتركة بين الدراسات الثقافية والنقد الثقافي في مفهومهما للثقافة وللخطابات، في كون هذه الأخيرة ظاهرة ثقافية وجب البحث فيها وفي مآلاتها وحقيقتها الخفية. ولكي نكون أكثر تحديداً، فإنّ أغلب الدراسات والكُتُب التي نُشِرت في العالم الغربي عن الدراسات الثقافية تُثبت أنّ حقلها أوسع من النقد الثقافي.
- هل يمكن القول إنّ الدراسات الثقافية تُمارس حقاً التحليل النقدي الكافي للمشهد الثقافي كما يجب؟
حسب وجهة نظري، نجد أنّه على قدر أهمية هذا الفرع العلمي على قدر خصوصيته، على قدر صعوبة الاِشتغال فيه وعليه بجهود فردية. إنّ حقل الدراسات الثقافية يجب أنْ يعتمد فكرة المراكز، تماماً كما يفعل الغربيون بهذا الخصوص. فالجهود الفردية تُساعد على إضاءة نوعية على المدى البعيد، ولكنها لن تكون أبداً كنتاج مركز كبير يشتغل على مشاريع محددة الأهداف والرُؤى. لنقل إنَّ الدراسات الثقافية قد قدمت للناقد الأدبي والباحث الاِجتماعي في العلوم الإنسانية والاِجتماعية مجموعة من الكيفيات والأدوات الإجرائية والمنهجية وحتّى النقدية التي تسعى لتتصف بالشمولية والدقة في مقاربة جل الخطابات تقريبا. إلاّ أنّ رهان المسح الشامل للمشهد الثقافي بشكلٍ عام مرتبط بجهود بحثية جماعية.
عن مجلة «فواصل» بتصرف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.