جاحد من يظن أن للجزائر نفس العينين ونفس الروح التي تشبه عيون العالم وروحه. هذه الجزائر تشبهنا نحن، تشبه نفوسنا الثائرة، تشبه غضبنا، تشبه دمنا، تشبه تاريخنا العزيز، تشبه سمو جبالنا، تشبه بحرنا، وأقمارنا، وحزننا، وصبحنا، وصلاتنا، وحلمنا. كفلسطيني ليس مجبراً على الكتابة عن عمق حبي للجزائر ولا الادّعاء، أجد نفسي عاشقاً لهذا البلد الأبي البهي الشامخ الحنون الرّؤوم، الذي لم يقبل لنا ظلماً ولا قسوة، وحين تدخل عيون فلسطين غبار الظلم تتبلّل جفون الجزائر دموعاً من ياسمين ونار. هي التي تزندت بوصية الرّاحلين الثوار بومدين ورفاقه أنها مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، وتربّت كل أجيال الجزائر على وصية الآباء المؤسّسين لجزائر الحرية. كيف لا نحب الجزائر ونحن نسمع خفقات قلبها تتسارع مع سقوط كل شهيد فوق أرض فلسطين، مع نحيب كل مكلومة على أرض الإسراء والمعراج، مع طقطقة السلاسل في معصم كل أسير، كيف لا نجعلها نجمات ليلنا التي نستهدي بها في زمن الهزيمة العربية، زمن الوجع العرب، زمن الخنوع في عدد من العواصم. هي الجزائر التي ربطت وريدها بوريد فلسطين، بالرغم من كل حواف السكاكين التي انبرت لتجز هذا الوريد المقدس. هي الصوت الحر في زمن الصمت، هي الشعلة في زمن العتمة، هي التي تساند فلسطين بلا حساب ولا عتاب ولا غياب. وهي التي ترص نفسها شعبا وحكومة وشيبة وشبابا ونساء ورجالا خلف موقف لم تغيره رياح الغرب وتهديدات الصهيونية ومن لف لفيفها، الجزائر أكبر من أن نقدّم لها شكراً، ولا تنتظر منّا شكراً لأنّها تعلم واجبها، وتسجّل بحروف من ذهب أنها الباقية والحارسة لفكرة الكرامة، والحق، والبطولة. نحبها ونقدّرها لأنّها ما انفكت تساند فلسطين بالكلمة والمال والسلاح والدعاء، والاخلاص في الفعل، لأنّنا لم نطرق يوما دار الجزائر إلا واحتضنت فلسطين كما تحتضن الأم ابنها الغائب وقت الرجوع. الجزائر التي حضرت في كل مرحلة من مراحل الثورة الفلسطينية، في البدايات والنهايات، في جبهات القتال، في ساحات الدبلوماسية، في المعارك وفي استراحات المحاربين، مع كل رئيس جزائري وفي كل جيل. حضرت فلسطين غالية في سهول الجزائر وهضابها وجبالها وصحاريها، حضرت غالية عند الفلاحين والعمال والطلاب والمثقفين والأكاديميين والمناضلين الحاضرين والراحلين. نحن لا نشكر الجزائر، نحن نحب الجزائر، فلا أحد يشكر نفسه، لكننا نحبها، بصدق، نقدرها لأنها البطلة الوحيدة التي يشعر بها كل فلسطيني في زمن الانبطاح والتراجع والانكسار. نحبها ونفديها بدمنا الفلسطيني المقدس، لا أحد يعرف البطل إلا البطل، ولا أحد يعرف من خارج القطر الجزائري قيمتها ورفعتها إلا فلسطين. سلام إليك يا جزائر من كل روح فلسطينية، سلام إليك من مسك دماء الشّهداء، سلام إليك يا آخر قلاع المجد والعزّة والكرامة.