الحمد لله ، له أسلمت ، وبه آمنت ، وعليه توكلت ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ؟ صلى الله عليه وسلم ؟ وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد تمر بنا في هذه الأيام الذكرى الأولي للحرب الإجرامية التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة الصابر الصامد، هذه الحرب المدمرة التي استمرت لأكثر من ثلاثة أسابيع، واستخدمت فيها القوات الغاشمة جميع وسائل الدمار براً وبحراً وجواً،وما القنابل الفسفورية الحارقة عنا ببعيد. حيث ارتكبت مجزرة كبيرة في القطاع، أهلكت الحرث والنسل، وأصابت البشر والشجر والحجر ، وقد اندحرت القوات الغاشمة إلى حدود قطاع غزة مخلفة الخراب والدمار والقتل والتشريد ، حيث ارتقى أكثر من ألف وخمسمائة شهيد نصفهم من الأطفال والنساء ، وبلغ عدد الجرحى والمصابين أكثر من ستة آلاف جريح نصفهم من الأطفال والنساء ، كما ودمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي خمسة آلاف منزل تدميراً كاملاً ، إلى جانب خمسين ألف منزل دمرت بشكل جزئي جراء القصف الإسرائيلي براً وبحراً وجواً ، وشُرّد أكثر من خمسين ألف فلسطيني من بيوتهم إلى مدارس وكالة الغوث ، حيث لا تجد هذه الأسر المشردة مأوى لها في ظل هذا الجو البارد القارس، فهناك أطفال رضع ، ونساء ، وشيوخ، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، كما تم تدمير عدد من المساجد والمدارس والمصانع والجامعات والمستشفيات والمؤسسات والوزارات ، وكذلك تدمير سيارات الإسعاف والإطفاء والدفاع المدني ، حيث استشهد عدد من الطواقم الطبية ورجال الإسعاف والدفاع المدني، كما تم اغتيال عدد من الصحفيين والإعلاميين من أجل قتل الحقيقة ، وإخفاء الجرائم البشعة، حتى المقابر لم تسلم من الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة ، كما تم تجريف الأراضي الزراعية ، واقتلاع أشجار الحمضيات والزيتون المنغرسة في هذه الأرض منذ عشرات السنين ، ونحن في هذه الأيام التي يضمد فيها شعبنا الفلسطيني جراحه، نرى من الواجب علينا توجيه عدد من الرسائل إلى : رسالة إلى الفصائل الفلسطينية إن الشعب الفلسطيني الذي قدم آلاف الشهداء والجرحى ينتظر منكم اليوم موقفاً واحداً موحداً بأن تلتقوا على كلمة سواء ، وأن تتحدوا لمواجهة الأخطار المحدقة بالشعب الفلسطيني والقضية والهوية ، فالقدس تُهود ، والحفريات مستمرة تحت المسجد الأقصى المبارك، لتقويض بنيانه، وزعزعة أركانه، تمهيداً لهدمه ؟ لا سمح الله ؟ وإقامة ما يسمي بالهيكل المزعوم بدلاً منه، والجدار يلتهم الأرض ، وغزة مكلومة بجراحها ، ونقول لكم : إن لم توحدنا دماء وأشلاء أطفال ونساء وشيوخ غزة، فمتى سنتوحد؟! ، إن صوتنا لم ولن يسمع، إذا بقينا متفرقين مختلفين ،ونحن هنا نتساءل: لماذا هذا الاختلاف بين أبناء الشعب الواحد ؟ !! أنسينا ما يفعله بنا المحتلون صباح مساء من قتل ، واعتقال ، وتدمير وغير ذلك ؟! ماذا حدث في نابلس وغزة قبل أيام؟! ستة من الشهداء ارتقوا إلي العلا جراء العدوان الإسرائيلي، فطائرات وصواريخ الاحتلال لا تفرق بيننا ، فهل نحن مصرون على الفرقة بين بعضنا البعض؟! لذلك فإنني أستحلفكم بالله أولاً، ثم لأجل دماء الشهداء وآهات الجرحى والمصابين والأطفال والثكالى ثانياً ، بأن تلتقوا على طاولة الحوار لنبذ الفرقة ، ولنتعاون فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، ولنجعل المصلحة الوطنية العليا فوق كل شئ . رسالة إلى الأمتين العربية والإسلامية : أقول لأشقائنا في الأمتين العربية والإسلامية : جزاكم الله خيراً على وقفتكم المشرفة ، فمواقفكم أكدت لنا أن أمتنا العربية والإسلامية لا تزال بخير والحمد لله ، فالمسيرات التي قمتم بها في كل مكان في العالم العربي والإسلامي، من المحيط إلى الخليج ومن طنجة إلى جاكرتا قد أكدت ذلك ،حيث انطلقت المظاهرات الغاضبة والمسيرات الشعبية من المساجد والجامعات والنقابات فجزاكم الله خير الجزاء ، ونحن نحييكم على هذه الوقفة المشرفة. كما ونتوجه بالشكر و التحية والتقدير إلى ملائكة الرحمة من الأطباء العرب والمسلمين والأجانب الذين حضروا إلى قطاع غزة حاملين أرواحهم على أكفهم ، ليضمدوا جراحات أشقائهم في العروبة والإسلام والإنسانية في قطاع غزة الصابر، ولإنقاذ حياة المئات من الجرحى الذين أصيبوا بآلة الحرب الإسرائيلية المدمرة ، كما ونشكر الدول الشقيقة التي قامت بفتح المستشفيات لاستقبال مئات المصابين ، وإرسال طائرات الإخلاء لنقلهم إلى المراكز الطبية المتقدمة ، وإرسال المساعدات الطبية للمستشفيات الفلسطينية ، وكذلك سيارات الإسعاف والأدوية والأجهزة اللازمة ،كما نشكركم أيها الأشقاء على تبرعكم بالدم لأشقائكم الجرحى والمصابين في قطاع غزة ، حيث اختلط الدم العربي والإسلامي بالدم الفلسطيني من جديد على أرض فلسطين الطاهرة، فشعبنا الفلسطيني سيبقى يذكر بكل آيات الشكر والتقدير والعرفان هذه المواقف المشرفة لكم أيها الأشقاء الكرام ، فجزاكم الله خير الجزاء ، وحفظكم الله من كل سوء . إن الشعب الفلسطيني لا يدافع عن نفسه فحسب ، إنما يدافع عن كرامة الأمتين العربية والإسلامية، وعن مسرى نبينا محمد ؟ صلى الله عليه وسلم ؟ وإن الواجب الشرعي يحتم عليكم مساعدة أهل فلسطين كما جاء في الحديث الشريف عن ميمونة مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت '' : يَا رَسُوَلَ اللهِ ، أَفْتِناَ فِي بَيْتِ الْمَقِدْسِ، قَال'': أَرْضُ الْمَحْشَر و الْمَنْشَر ، إئْتُوهُ فَصَلُّوا فيِه، فَإِنَّ صَلاَةً فِيِه كَأَلْف صَلاَة فِي غَيْرِهِ.'' قَلتُ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إليه؟ قال'': فَتُهْدِي لَهُ زَيْتاً يُسْرَجُ فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذِلكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ . ( 1) '' لذلك فإننا نناشدكم العمل الجاد على إعادة إعمار ما تم تدميره في قطاع غزة ، من منازل ومساجد ومستشفيات وجامعات ومدارس ومصانع ومؤسسات ووزارات، ونحن هنا نشيد بجميع الدول العربية والإسلامية التي أعلنت عن استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار ما دمره الاحتلال في قطاع غزة، فقد عودتمونا دائماً أيها الأشقاء على نجدة أشقائكم في فلسطين ، ووقوفكم معنا في السراء والضراء، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ونسأل الله العلي القدير أن يتم نعمته عليكم ، وأن يحفظكم من كل سوء . رسالة إلى المجتمع الدولي إن جرائم الاحتلال موثقة، وانتهاكاته الصارخة لحقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة واضحة ، واستخدامه للأسلحة المحرمة دولياً ظاهرة للعيان ، وقصفه للمستشفيات والمساجد والجامعات، ومراكز ومدارس وكالة الغوث للاجئين جلية واضحة وبدون لبس، فقد شاهدها ملايين البشر، فماذا تنتظرون لمحاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم؟! أين حقوق الإنسان يا دعاة الحضارة والتقدم ؟! وأين حقوق الإنسان أيتها المنظمات الإنسانية الدولية ؟! فها هو الشعب الفلسطيني ينتظر اليوم الذي يرى فيه قادة الاحتلال يُحاكمون على جرائمهم التي ارتكبت بحق أطفالنا ونسائنا وشيوخنا ، مع العلم أن شعبنا الفلسطيني يقدر كل موقف دولي يدين جرائم المحتلين ويقف مع المظلوم ضد الظالم . رسالة إلى أبناء شعبنا الفلسطيني كم كنت عظيماً أيها الشعب الفلسطيني المرابط !! وهذا هو عهدنا بك دائماً ، يا من جدتم بأرواحكم وأبنائكم من أجل الحرية والدفاع عن الوطن الحبيب و المقدسات ، فالجود بالنفس أسمى غاية الجود .. أما أنتم يا أهلنا في قطاع غزة الحبيب ، غزة هاشم ، غزة الإمام الشافعي ، غزة الصبر والرباط، غزة الشموخ والكبرياء ، فمزيداً من التحابب والتآلف ، والتعاضد والتكافل ، ورص الصفوف ، وجمع الشمل ، والترفع على الجراح ، والصبر على البلاء ، والتضرع إلى الله بالدعاء بأن يكشف الغمة عن هذا الشعب المرابط ، وأن يرد كيد الكائدين في نحرهم، فما بعد الضيق إلا الفرج ، وما بعد العسر إلا اليسر ، ويسألونك متى هو ؟ قل عسى أن يكون قريباً، كما نتوجه بالشكر والتقدير للأشقاء في القدس و المحافظات الشمالية وفلسطينيي الداخل على وقفتهم المشرفة مع أشقائهم في قطاع غزة فنحن شعب واحد ، ودم واحد ، ولنا آمال وآلام واحدة ، ونرجو مستقبلاً واحداً مشرقاً بإذن الله سبحانه وتعالى . ولنتضرع جميعاً إلى الله بالدعاء، بأن يحمي شعبنا ومقدساتنا من كل سوء ، وأن يسود الحب والوئام والأخوة بين أبناء شعبنا الفلسطيني المرابط ، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يرحم شهداءنا ، ويشفي جرحانا، ويعجل بالحرية لأسرانا، ويكشف الغمة عن وطننا الغالي فلسطين ... اللهم آمين ... يا رب العالمين . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين www.yousefsalama.com