بالرغم من نجاح الفلسطينيين في رفع البوابات الإلكترونية، عبر مظاهرات سلمية حشرت سلطات الاحتلال في الزاوية ودفعتها إلى التراجع عن إجراءاتها، إلا أن مخططات تهويد مدينة القدس لم ولن تنتهي، المزيد في حوار "الشروق اليومي" مع وزير شؤون القدس ومحافظها عدنان الحسيني. بعد معركة القدس الأخيرة، كيف تقيّمون الأوضاع حاليا في القدسالمحتلة؟ الاقتحامات ما زالت مستمرة للمسجد الأقصى المبارك يوميا كل صباح وبعد الظهر، ولم تتوقف للأسف الشديد، ويسهم في ذلك مسؤولون إسرائيليون من الحكومة والكنيست بين الفينة والأخرى، في استفزازات مستمرة تؤدي إلى مواجهات بين قوات الاحتلال وشباب بيت المقدس، وتعمل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على إبعاد حراس المسجد الأقصى المبارك والاعتداء عليهم واعتقالهم أحيانا، لذلك الأوضاع في باحات الأقصى ملتهبة وفي غاية الصعوبة، والهدف الاحتلالي هو تغيير الوضع القائم وتحقيق الأطماع الإسرائيلية التي لا تخفى على أحد رغم أن الاحتلال يحاول تنفيذها بالتدريج دون ردود فعل كبيرة، لكن المقدسيين يتصدون لهم من خلال الوجود الدائم والصلاة للتصدي للاحتلال ومنعه، هي معركة مستمرة ويبدو أنها ستستمرُّ لفترة طويلة طالما بقي الاحتلال جاثما على صدر هذه المدينة.
المواجهة الأخيرة أفرزت موقفا موحدا للمرجعيات الدينية ووحدة بين المسلمين والمسيحيين، هل يمكن البناء على ذلك؟ في المجتمع المقدسي المسلمون والمسيحيون دائما في خندق واحد، لأنهم طرف معتدى عليه وعلى مقدساته وعقيدته، ومن ناحية أخرى النسيج الاجتماعي في القدس منذ ما قبل الاحتلال عام 1967 قائم على التواصل الإسلامي– المسيحي في مثال يحتذى به في المواطنة، والمواطن الفلسطيني يحب أرضه ويضحي من أجلها وهم يعيشون ويعملون مع بعض في مشاريع مختلفة في نموذج عالمي ضمن فهم واسع وحضاري للمواطنة الفلسطينية، بما يحقق مصالح مشتركة في مواجهة الاحتلال.
لماذا يغيب الدعم المسيحي العالمي لمسيحيي القدس؟ المسيحي في فلسطين هو المسيحي الوطني، كالمسلم بالضبط وليس أقل من ذلك، وهم موجودون منذ القِدم وليسوا أقلية، كان عددهم عام 1967 نحو 40 % من سكان القدس، والآن تراجع عددهم جراء إجراءات الاحتلال الذي يُضيق على الفلسطينيين في العيش والسكن وكل شيء، أما المؤسسات المسيحية في الخارج فهي تخضع لحسابات سياسية بعيدا عن الإنسانية والدين، ومصالح الغرب أن تسود إسرائيل في المنطقة وتحكمها كمستعمرة وولاية متقدمة لهم من أجل تنفيذ مشاريعهم في منطقة النفط والغاز، ضمن قضية استعمار قديم مستمر، وإسرائيل واجهة له، تريد تطهير فلسطين من سكانها وتهويد القدس، وأن تكون عاصمة لهم وحدهم، وللأسف العالم العربي والإسلامي حتى الآن لم يستوعب العبرة ويكتفي بالتغني بالقدس من بعيد دون أن يقدم أي شيء ودون استعمال القدرات العربية والإسلامية من أجل الضغط على مصالح العالم في أرضنا العربية.
القدس كانت حاضرة بقوة في خطاب الرئيس عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما دلالة ذلك؟ القدس عاصمة فلسطين، ولا دولة دون القدس عاصمة لها، وهذا موقف كل فلسطيني، ولا يمكن أن تكون فلسطين جميلة أو عظيمة إلا بالقدس لأنها روح فلسطين. نحن نعيش في القدس وعددنا ليس بسيطا ونقاسي الأمرّين ونتحمل الكثير، وتهدم بيوتنا ونُهجَّر قسرا، ولا تتوفر فرص عمل في بطالة حادة، ونتعرض لضرائب كبيرة، لكننا في نهاية النهار عندما نجلس في حدائق بيوتنا نشكر الله أننا نعيش في القدس ونتنفس هواءها العليل، وكلنا ثقة أن هذا الوضع لن يستمر لأن الظلم فاق كل الحدود.
هل المشكلة السكانية قائمة في ظل إجراءات الاحتلال؟ السياسات الإسرائيلية منذ 1967 حتى الآن فشلت، بعدما كانت تضع خططا بألا يتجاوز عدد الفلسطينيين 10 % من سكان المدينة، ونحن عددنا أكثر من40 % لذلك فشلت سياستهم، طبعا معركة الديمغرافيا مستمرة والفلسطيني متمسِّكٌ بأرضه وبيته، وليس لدينا مكان آخر نذهب إليه وعليهم أن يعلموا ذلك جيدا.
ما أهم الإجراءات التهويدية الإسرائيلية ضد المقدسيين؟ الاحتلال يعتبر أن السيطرة على المسجد الأقصى هي سيطرة على معنويات المقدسيين وإحباطهم لأن المسجد الأقصى هو عنوانهم وكرامتهم وكل شيء لهم، وهو أمر لم يحصل بفضل المواجهة المستمرة رفضا لسياسات الاحتلال. وهناك معارك أخرى ضد التعليم والثقافة والمصطلحات العربية الفلسطينية من خلال تزويرها، فضلا عن هدم البيوت وعدم إعطاء تراخيص بناء، وفرض الضرائب التي تثقل كاهل المقدسي في كل مناحي الحياة دون الحصول على أي خدمة في المقابل، كلها إجراءات تهدف إلى جعل الإنسان مطاردا مغلوبا على أمره ومثقلا، حتى يفكر في أن يترك طواعية ما دام لم يترك بالقوة، وهو أمر لن يحصل بإذن الله.
الاحتلال زاد من عمليات اعتقال الشبان المقدسيين لماذا؟ الاحتلال يهدف إلى منع الاحتكاك بين اقتحامات المستوطنين وتصدي الشبان لهم، ما يثير ردود فعل واسعة، لذلك يعمل الاحتلال على إبعاد الشبان لأشهر عن محيط المسجد الأقصى أو اعتقالهم أو اتهامهم بقضايا لا أصل لها.
بدا مؤخرا أن التنسيق الفلسطيني–الأردني في أوجّه ضد الإجراءات الإسرائيلية؟ الأردن لها الرعاية للمقدسات والأوقاف وتقوم بواجبها على خير وجه، وهناك مؤسسة ترعى ذلك يعمل فيها نحو ألف موظف وتوضع لها الموازنات المطلوبة، والتواصل مع القيادة الفلسطينية مستمر لمنع الاحتلال من تحقيق أهدافه الظالمة.
لماذا تتم كل اقتحامات الاحتلال والمستوطنين من باب المغاربة؟ باب المغاربة هو المكان الذي استقر فيه المرابطون المغاربة المجاهدون مع صلاح الدين الأيوبي أثناء صد الحروب الصليبية، وسُمِّي الباب باسمهم، وبقوا هناك لإدراكهم أن المخاطر باقية، وفعلا هذا ما حدث لاحقا، وأقدم الاحتلال على هدم حارة المغاربة فور احتلال القدس عام 1967 وإبعاد 600 مقدسي من أبناء المرابطين وهدم 130 بيت وهدم متاجر ومقامات، وأقام في نفس الموقع ما يسمى "حائط المبكى" مقابل حائط البراق، وفي حي المغاربة كان هناك بابٌ يدخل منه المغاربة إلى المسجد الأقصى ولكن الاحتلال صادر مفاتيحه دون باقي الأبواب التي بقيت في يد الأوقاف الإسلامية.
رسالتكم إلى أحفاد المرابطين المغاربة من الجزائريين.. نحن نتعلم من أهل الجزائر كيف تكون الثورة والتضحية كمدرسة نضال كبيرة في التاريخ القديم والمعاصر، ودماء الشباب الجزائري حصلت على الحرية وأنهت مواسم من الاستعمار الذي كان يهدف إلى محو الوجود الجزائري، نحن نتعلم الدروس من هؤلاء الثوار، وباقون على العهد، ونحن نحب الجزائر ونعلم جيدا أن الجزائريين يحبون فلسطينوالقدس وإن شاء نلتقي بهم قريبا في بلدهم القدس بلد كل العرب والمسلمين بعد رفع أعلام فلسطين على أسوارها ليدخلوها بكل حرية.