يعتقد الخبير الاقتصادي نورالدين جوادي، بأن تعميق الأثر التنموي للمجتمع المدني اليوم مرهون بتطوير أدائه ليبلغ مستوى المكانة التي يحظى بها من قبل الحكومة والآمال التي تُنتظر منه، بالتزامن مع مساعي تمكينه كفاعل وشريك تنموي في بناء اقتصاد الجزائر الجديدة. أبرز البروفيسور جوادي في لقاء مع «الشعب»، وجود علاقة ترابطية بين مستوى التكوين العلمي والمهني لمنتسبي المجتمع المدني وأدائه في شتى المجالات، إذ تؤدي وزارتا التعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني في هذا الجانب التكويني دوراً هاماً. ليسانس وماستر ودكتوراه في إدارة الجمعيات يرى الخبير نورالدين جوادي، أن تطوير أداء فعاليات المجتمع المدني يَتأتّى باعتماد فرق ومراكز بحث جامعية، وفتح تخصصات تكوين مهني وحتى ليسانس وماستر ودكتوراه في مجال إدارة الجمعيات والمنظمات الوطنية، على غرار الكثير من التجارب العالمية التي تجاوزت كل ذلك بفتح كليات لهذه التخصصات. وبخصوص طرق وكيفيات تطوير مستوى تلك الفعاليات، يبرز جوادي، وجود عدد من الآليات الظرفية البنّاءة لخّصها في عاملين؛ الأول متعلق بالالتفاف حول المرصد الوطني للمجتمع المدني ودعم مساعيه، كون أنّ «التّهَيْكُلْ» يُعطي قوة أكبر، يُوحّد الرؤى، يُعظّم الإنجازات ويُعمّق الأثر. أما ثاني الآليات، فتتم بواسطة الانتقال من الممارسة التقليدية إلى الاحترافية في العمل الجمعوي، بالانتقال إلى اقتراح مشاريع عمل وليس تقديم مقترحات، وبرمجة مخططات متوسطة وبعيدة المدى من دون الاقتصار على الحملات الظرفية أو المناسباتية، وهو ما يمكن الوصول إليه، بحسبه، عبر توسعة دائرة الاستشارة العلمية والمهنية عالية المستوى، وتجسيد تحول رقمي شامل لمنظومة المجتمع المدني عموديا وأفقيا؛ عموديا داخل هيكل إدارة المرصد والجمعيات وفيما بينهم، وأفقيا مع كل الجهات ذات الصلة بالنشاطات التي يتم تنظيمها أو المشاركة فيها. وبناءً على ذلك، فالتحول الرقمي، إضافة إلى كونه الآلية الوحيدة للقضاء على كل أشكال الفساد التي قد تشوه المجتمع المدني، أيضا يُمكن من خلاله بناء منظومة إحصائية علمية، محينة، دقيقة، شاملة وشفافة حوله، وجعلها بنية تحتية لصناعة القرار التنموي الفعّال، وكمادة أولية أساسية للدراسات البحثية القيمة التي تشكل مرافقة علمية حقيقية لسياسات الحوكمة، مثلما يضيف البروفيسور. المساهمة في الناتج المحلي يكشف الخبير نورالدين جوادي، بأن المسوحات الميدانية في كثير من الدول النامية والمتقدمة، تشير إلى ما بين 5 و6% من الناتج المحلي الإجمالي هو متوسط إسهام المجتمع المدني وضخه للأموال داخل الاقتصاد، كما أنه يعتبر من بين أكبر 10 قطاعات مدرة للعملة الصعبة وخلاق لمناصب الشغل بنسب مقبولة من إجمالي الفئة النشطة. وأردف، «الأرقام والحقائق تؤكد أن المجتمع المدني فاعل مهم في تطوير السياحة وترقية صناعة المؤتمرات والمهرجانات وإنجاحها، تنشيط وترشيد الاستهلاك، تشجيع المقاولاتية وحضانتها وغيرها من القطاعات الفاعلة المتصلة بالوسط المجتمعي». من هذا المنظور، اعتبر محدثنا، المجتمع المدني قوة ناعمة لمشروع الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، وأمامه فرصة تاريخية لتعزيز مكانته على ضوء توفر إرادة سياسية حقيقية لتأطيره وتنظيمه وتفعيل نشاطه، منوها بأن دستور الدولة عزز من صلاحياته وتطرق إليه في خمسة مواضع، بدءًا بالديباجة ثم المواد 16 المتعلقة ببناء الدولة، المادة 205 الخاصة بالسلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، المادة 210 المنظمة لعمل المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وصولاً للمادة 213 المتعلقة بإنشاء المرصد الوطني للمجتمع المدني باعتباره أقوى مؤشرات تلك الإرادة. تجدر الإشارة إلى أن المرصد الوطني للمجتمع المدني، ينظم هذه الأيام فعاليات الندوات الولائية، بمشاركة مختلف الفعاليات المحلية من جمعيات، منظمات ونقابات ولائية، نخب جامعية أكاديمية، وذلك في إطار التحضير للجلسات الوطنية المزمع انعقادها شهر أكتوبر 2022 بالجزائر العاصمة.