تصر المجاهدة والكاتبة الجزائرية زهور ونيسي مواصلة عطائها، لأنها في خمسينية الاستقلال أهدت قرائها والجزائريين مذكراتها الثورية،وهي القاصة والمبدعة التي ضمنت قبل ذلك كتبها ما علق بذاكرتها من لهيب الثورة التحريرية المجيدة وتضحيات أبناء وطنها من أجل تحرير الأرض والذهن من براثين قبضة الاستعمار. وتعود بنا زهور ونيسي بالكثير من الوفاء الملثم بمشاعر تأدية الواجب الوطني ،إلى تلك الحقبة النضالية،التي حملت فيها مسؤولية واجبين يحملان الكثير من الخصوصية والتحدي، مدرسة وفدائية مجندة في صفوف الثورة تحارب برسالة التربية والتعليم وبالحديد والنار تقف في وجه فرنسا،فتنقلت بين المدنية بالعاصمة والولاية الأولى ساعدها في كل ذلك أسرتها الثورية ،أخت وزوجها.. رحلنا مع المجاهدة المثقفة زهور ونيسي عبر مسارها الثوري الذي اتسم بالكثير من الصمود والشجاعة،والتشبث بكل ما هو وطني،وتعد من القليلات اللائي كن يحسن تطويع حرف الضاد فتميزت،وقفزت بعد ذلك إلى محطة لا تقل أهمية وتكمن في ولوج عالم الكتابة والإبداع، فكانت رائدة الأدب النسوي الجزائري عن جدارة واستحقاق. وأكدت المجاهدة الكاتبة والوزيرة السابقة أنها بدأت مهنة التدريس في سن مبكرة سنة 1954في احدى المدارس الحرة بالمدنية وساعدها على ذلك شقيقتها المعلمة وزوجها المدير .. وذكرت المجاهدة ونيسي أن تلك المدرسة صارت عقب اندلاع ثورة التحرير المجيدة تابعة للفدائيين،وعندما القي القبض على زوج أختها في سنة 1956 التحقت باحدى خلايا جبهة التحرير الوطني بالمدنية،واعترفت في ذات السياق ان العمل الفدائي الثوري بالمدنية انذاك كان سهلا مقارنة بالكثير من الأحياء العاصمية على اعتبار أنه كان خال من الفرنسيين ماعدا عائلة المجاهد مايو. ووقفت بتمعن واهتمام على مسارها في المدرسة الصادقية لتعليم القرآن قبل التحاقها بالولاية الأولى في صفوف جبهة التحرير الوطني،فقالت أنه مع مرور الوقت تحولت هذه المدرسة الحاضنة للمبادئ والقيم إلى مدرسة لإخفاء الفدائيين منفذي العمليات،ولم تخف أن العديد ممن تمدرسوا بها التحقوا بالثورة على غرار الشهيد مصطفى الصغير الذي ذكرت أنه أعدم على يد المستعمر بالمقصلة نظير نشاطه الثوري وكان لايزال متمدرسا بها إلى جانب مصطفى ياجور الذي استشهد بدوره تاركا مقعده في تلك المدرسة. وأشارت المجاهدة زهور ونيسي أن العمل الثوري الفدائي تواصل من خلال محطة هذه المدرسة ،الحصن المنيع والصامد كما وصفته بسرية إلى غاية الاستقلال، وعادت بذاكرتها بعيدا نحو الصفحات التاريخية الحية والناصعة كما وجدناها لتقدم شهادتها حول الاجواء التي عاشتها في رحلة الكفاح رفقة العديد من زميلاتها المجاهدات والشهيدات على غرار عواوش صغير شقيقة الشهيد المعدوم مصطفى صغير وصفية بن مهدي وباية سليماني التي كانت معلمة إلى جانب شقيقتها الكبرى، افادت ان الاجواء والمحيط كانا ساخنيين مؤهلين في أي لحظة للعمل المسلح،وكانت عضوا في خلية بديار العافية التابعة للولاية الأولى، المنطقة الثالثة منذ سنة 1956، وناضلت تحت مسؤولها في الثورة محمد الصديق منصورية وزوجته الزهرة حفيظ،حيث حولا الزوجين أضافت تقول في شهادتها شقتهما مقرا لجمع الألبسة والاشتراكات المالية على أن يوجه كل ما جمع نحو الثورة كل أسبوعين. وخلال احتفاء الجزائر بخمسينية الاستقلال وعشية احتضان ذكرى ثورة الفاتح نوفمبر العظيمة بحجم صدقها وتضحياتها ونبل قضية من فجروها أصرت المجاهدة على تدوين ذاكرتها الثورية ونشرها لحفظ أحداث مهمة من تاريخنا الثوري،وقامت بتوقيعها في المعرض الدولي للكتاب الذي احتضنته الجزائر مؤخرا ووشحت بوسام الذكرى الخمسين للاستقلال من طرف وزير المجاهدين محمد الشريف عباس. وفي رسالتها للأجيال قالت المجاهدة زهور ونيسي انهم كانوا محظوضين لأنهم تذوقوا حلاوة الاستقلال وتمتعوا باجواء النصر الدافئة،عندما كتب الله لهم حياة أخرى،وخاطبت الشباب تقول-.. إن مرجعيتكم عظيمة لم يتسن لأحد افتكاكها في العالم،ومهما تغيرت الاحداث وطرأ من تحولات في العالم وانقلبت المفاهيم في مجال الحرية لا يجب أن ينسى أبناء الجزائر تاريخهم النابض بالأمجاد وماضيهم المشرف الذي يجب أن يستقوا منه ما يلزمهم ليتجندوا بثقة نحو مستقبلهم،لأن لهم اسلاف دافعوا من أجل عزتهم وقاموا من أجل الكرامة والأرض وكلفهم ذلك دماءا وأرواحا وكل غالي ونفيس..- وأوصت ونيسي الاجيال بعدم التوقف عند الثورة وحدها والالمام بكل ما ضحى به الجزائريون الذين لم يتوقفوا عن مطاردة الاستعمار من ديارهم على غرار المقاومات التي لم يتوقف صوتها وأكمل المسيرة بعدها صوت الثورة التحريرية المجيدة التي اقتلع الاستعمار وألقت به خارج الديار ليعود منكسرا مهزوما رغم قوته العسكرية. وما تجدر إليه الاشارة فإن الكاتبة والمجاهدة زهور ونيس ضمنت مجموعتها القصصية الأولى الموسومة ب الرصيف الناعم أحداثا واقعية من الثورة التحريرية إلى جانب مجموعتها الشاطئ الآخر والذي أرخ بقصص من الواقع لأحداث وقعت في الثورة.