تحريك عجلة التنمية.. البعد الاقتصادي للزيادات في الأجور الاستهلاك.. المتغير الأهم في معادلة الإقلاع الاقتصادي بطاقات بنكية وبريدية للقروض.. حل آخر لرفع الاستهلاك عصرنة النظام المالي والمصرفي لتشجيع الاستهلاك العلاقة الطردية بين الاستهلاك والاقتصاد يجعل من السلوك الاستهلاكي محركا دافعا لتحقيق الإقلاع الاقتصادي الحقيقي، ما يجعل إقرار الزيادة في الأجور التي يحرص عليها رئيس الجمهورية ذات نجاعة اقتصادية ودورها في تحريك عجلة التنمية. «الاستهلاك ظاهرة اقتصادية هامة في تفعيل النشاط الاقتصادي»، هكذا وصف المختصون أثر الزيادات في الأجور، مؤكدين أن تحسن المستوى المعيشي للمواطن سيسمح بدوران حقيقي وفعلي لعجلة التنمية، لذلك يمكن القول إنها جاءت لتحقيق نجاعة اقتصادية في سياق خطوات أخرى في مختلف القطاعات تهدف كلها الى دفع بنيانه نحو الإقلاع، الى جانب مواجهة التضخم. وحتى يكون للزيادات الأثر المرجو منها، يقترح خبراء تنظيم ندوة وطنية حول العمل والرواتب من أجل تشخيص حقيقي للوضعية بوضع دراسة معمقة تسمح بالوصول الى الأهداف الاقتصادية المنشودة، وحتى يكون الاستهلاك محركا ناجعا للإنتاج وسببا في استحداث مناصب شغل جديدة وانتعاش الاستثمار في مختلف القطاعات الإنتاجية سواء كانت سلعا أو خدمات. تزامن الزيادات مع تقليص فاتورة الواردات، يعطي أولوية للإنتاج المحلي، لأن تحسين المستوى المعيشي للمواطن سيرفع الطلب، الذي سيكون سببا في زيادة إنتاج المؤسسات الوطنية، ما يعني استحداث مناصب شغل جديدة لتسريع وزيادة إنتاج المؤسسات، ما سينعكس إيجابا عليها بتحقيق أرباح تنعكس إيجابا هي الأخرى على التحصيل الجبائي للدولة. رفع العراقيل عن 870 مشروع صناعي في نفس الوقت، لم تأت هذه الخطوة اعتباطا أو بعيدة عن سياق 2022 السنة الاقتصادية بامتياز، حيث تم رفع العراقيل عن 870 مشروع صناعي كانت متوقفة لسنوات طويلة، دخل 500 منها حيز الاستغلال، كل ذلك في إطار تحريك عجلة النمو والفعالية الاقتصادية. فإذا كان الاقتصاد «سيارة»، كما شبهه الخبير العالمي في الاقتصاد «كريستوفر سيمز»، ستكون طلبات المستهلك بمثابة عجلة القيادة، فيما تعتبر المدخرات والاستثمارات الحقيقية المحرك الذي يدفعها الى الأمام، لأن إنفاق فرد أو مستهلك هو في الوقت نفسه دخل فرد آخر. خرشي: الاستهلاك محرك أساسي بمعادلة اقتصادية واضحة، أكد الخبير الاقتصادي إسحاق خرشي، في حديثه الى «الشعب»، أن الاستهلاك يبقى محركا أساسيا لعجلة الاقتصاد، فكلما كان الاستهلاك كبيرا ارتفع الطلب، وكلما ارتفع الطلب ارتفع الإنتاج على مستوى المؤسسات الاقتصادية المنتجة لمختلف السلع بغية الاستجابة أو تلبية الطلب بضخ مزيد من السلع والخدمات في السوق. وتفرض عملية الاستجابة للطلب، توظيف المزيد من اليد العاملة واستحداث مناصب شغل جديدة من أجل إنتاج أكبر، وهو ما ينعكس إيجابا على المبيعات ويحقق أرباحا أكبر، وعند تحقيق المؤسسات أرباح أكثر ستدفع ضريبة أكبر ما يرفع الجباية الضريبية للدولة. لكن كيف نزيد الاستهلاك.. الركيزة الأساسية ونقطة البداية؟، سؤال أجاب عنه الخبير بأن المدخل الأساسي لذلك هو زيادة أو رفع الأجور لتحسين الاستهلاك. وهنا نعود الى الزيادات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية في حديثه الأخير مع الصحافة الوطنية، أو الزيادة المطبقة في السنة الجارية، حيث شهدنا عدة زيادات كان هدفها الأول تحسين المستوى المعيشي للمواطن، ما سيعود في الوقت نفسه بالفائدة على الدولة. تتمثل تلك الزيادات التي تم تطبيقها، ابتداء من شهر مارس الماضي، في رفع الرقم الاستدلالي للصنف والرقم الاستدلالي للدرجة بالنسبة للموظفين في القطاع العمومي، رفع منحة أصحاب عقود ما قبل التشغيل غير الجامعيين من 9 آلاف دينار إلى 15 ألف دينار، بداية إدماج أصحاب عقود ما قبل التشغيل بالنسبة للجامعيين في مناصب عملهم لترتفع أجورهم بصفة آلية. بالإضافة الى زيادات في أجور المتقاعدين، واستحداث منحة البطالة، الى جانب تحويل أصحاب الشبكة الاجتماعية من وزارة التضامن الى الوظيف العمومي، حيث ترتفع المنحة بعد هذا الإجراء مباشرة من 5500 الى 13 آلاف دينار. في المقابل، كشف خرشي أن الهدف من إنفاق الدولة أموالا كثيرة بشكل جعلنا نتوجه الى قانون مالية تكميلي 2022 دون زيادات في الضرائب ليس اعتباطيا، فهو من جهة جاء لتحسين القدرة الشرائية للمواطن في بعدها الاجتماعي، ومن جهة أخرى تحمل الجهود المبذولة من طرف الدولة بعدا اقتصاديا يتمحور حول تشجيع الاستهلاك، لأن غياب هذا العامل يعتبر مشكلا كبيرا. ففي اليابان، مثلا، عند تسجيل ارتفاع بسيط في الأسعار ينخفض الطلب، ما يضطر الحكومة اليابانية الى تقديم منح إضافية للمواطنين حتى يعود الطلب الى الارتفاع. لكنه بالرغم من ذلك لا يرتفع لأن المواطنين يريدون عودة الأسعار إلى ما كانت عليه. القوة التي يستعملها المواطن للضغط على الحكومة هنا يستمدها من حقيقة أن تراجع الطلب خطير جدا على أي اقتصاد في العالم، مهما كانت قوته، على اعتبار أن الاستهلاك محرك أساسي لعجلة التنمية والاقتصاد. الملاحظ في هذه الزيادات، أنها تزامنت مع تقليص الجزائر فاتورة الواردات، ما يعني، بحسب المختص، أنها جاءت لرفع استهلاك المنتجات المحلية، ولو كانت في فترة يكون فيها الاستيراد مفتوحا سيزيد الطلب على المنتجات الأجنبية، وبالتالي استنزاف المزيد من العملة الصعبة، لذلك تم وضع خطة عمل محكمة تعتمد على تقليص الاستيراد باتباع سياسة خفض الواردات في القطاعات التي حققت نسبة تغطية مقبولة تتراوح بين 70 و80٪. في الوقت نفسه وبالموازاة مع تطبيق الزيادات، عملت الدولة على رفع العراقيل عن المشاريع الصناعية الجزائرية، حيث تم -من خلال الجهود التي بذلها وسيط الجمهورية ووزير الصناعة، وتحت إشراف رئيس الجمهورية- رفعها عن أكثر من 870 مشروع صناعي، من بينها 500 مشروع دخل حيز الاستغلال بضخ منتوجاته في السوق الوطني. باختصار إذا، ووفقا للإستراتيجية المتبعة قامت الدولة بخفض فاتورة الاستيراد، في المقابل رفعت الإنتاج الوطني، بالتوازي مع ذلك أقرت زيادات في الأجور بغية رفع الاستهلاك بالإقبال على المنتجات الوطنية، ما يعني زيادة الإنتاج على مستوى المؤسسات الاقتصادية، بالإضافة الى خلق فرص عمل أكثر، كل ذلك مجتمعا هو بداية عملية تحريك العجلة الاقتصادية. مواجهة التضخم نقطة مهمة أخرى تطرق إليها خرشي، حيث أكد أن الزيادات المنتظرة في الأجور لن تؤدي الى التضخم، لأن القاعدة الاقتصادية تربط ارتفاع الأسعار بزيادة الكتلة النقدية في السوق، فيما الأسعار مرتفعة أصلا، لذلك تأتي هذه الزيادات لمواجهة التضخم الموجود، فلو كانت الأسعار ثابتة ومستقرة والدولة أقرت زيادات في الأجور، هنا سيحدث تضخم لارتفاع الطلب بشكل كبير. الى جانب رفع الأجور، هناك مداخيل أخرى لتشجيع الاستهلاك، نقطة مهمة أثارها الخبير الاقتصادي حيث أشار الى ضرورة عصرنة النظام المالي والمصرفي في الجزائر، من خلال قروض الاستهلاك وأنواع أخرى من القروض، وقال إنه لو كانت عمليات منحها سهلة وسريعة مع وجود الرقمنة سيساهم في رفع الاستهلاك بشكل أكبر مما هو موجود حاليا. الحديث عن الرقمنة يحيلنا الى الحديث عن البطاقات البنكية والبريدية التي هي في حقيقتها بطاقات للدفع وليست بطاقات قروض، لأن صاحبها لا يستطيع الحصول على قرض بصب مبلغه في البطاقة، وإنما هي بطاقات لتسديد المشتريات، لذلك يمكن القول إن السهولة في منح القروض الاستهلاكية للمواطن، بالإضافة الى السهولة في منح القروض للمؤسسات الإنتاجية، ما سيجعلها تستجيب بشكل سريع للطلب، وبالتالي لن تكون فرضية الذهاب الى الاستيراد الاستعجالي مطروحة أبدا. بن يحيى: نجاعة اقتصادية في اتصال مع «الشعب»، أصر المحلل الاقتصادي فريد بن يحيى، على ضرورة التشخيص الحقيقي للوضع قبل تطبيق الزيادات في الأجور التي تحدث عنها رئيس الجمهورية في لقائه الأخير مع الصحافة الوطنية لتحسين القدرة الشرائية التي عرفت تراجعا في السنتين الأخيرتين. فتحسن الأوضاع المالية بانتعاش أسعار البترول والغاز، جعلت رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، يعلن عن زيادة في الأجور سيتضمنها قانون المالية 2023. ولأن أسعار البترول غير مستقرة، لابد من انطلاقة اقتصادية حقيقية، لأننا عاجزون عن ضمان بقاء هذه الأسعار مرتفعة أو مستقرة لفترة طويلة، فيمكن انخفاضها على مدى سنتين، لذلك من الضروري استيعاب الدروس مما عاشته الجزائر بسبب تقلبات السوق البترولية، فكما عاشت رخاء بتروليا، عاشت أيضا تداعيات انهيار أسعاره في السوق. في سياق ذي صلة، أصر المتحدث على وجوب التحلي بالحذر، مقترحا عقد ندوة وطنية حول العمل والرواتب من أجل وضع تشخيص حقيقي ودراسة معمقة للوضع في الجزائر. ففي الستينيات الى الثمانينيات من القرن الماضي كانت الجزائر تتلقى مساعدة من مختصين ألمان لتحديد طريقة وضع الرواتب، حيث كانت مرتبطة ب «قفة» أو احتياجات المواطن، وهو ما ابتعدنا عنه كل البعد، لذلك كان لابد من دارسة حقيقية لما يحتاجه المواطن، لوضع الأجر الحقيقي المقابل لها. واستدلّ الخبير في حديثه بهرم «ماسلو» للاحتياجات الإنسانية، نجد منها الحاجيات الأساسية كالأكل والشرب، ثم اللباس وغيرها، الصحة وهكذا حتى نصل الى مرحلة حاجيات الرفاهية، مؤكدا في الوقت نفسه على ضرورة ان يعكس الراتب قيمة العمل الذي يقدمه صاحبه، بأن يكون له أثر في العملية الاقتصادية، حيث نجد بعض المفارقات يتقاضى فيها من يؤدي عملا كبيرا راتبا أقل ممن يؤدي عملا أقل، وهو، بحسبه، ما يستوجب ندوة وطنية حول العمل والرواتب. واقترح المتحدث في المقابل، معالجة المشكل جذريا بوضع القطار في السكة الصحيحة وتعبيد الطريق للمستقبل، لأنها قرارات سياسية تستدعي تشخيصا حقيقيا للوضعية، من بينها تحديد أعلى راتب وأقل راتب، سواء في المؤسسات العمومية أو الخاصة أو الدولية، وأعلى وأقل منحة تقاعد. في الإطار نفسه، ألح بن يحيى على وجوب اتخاذ هذه الإجراءات لتحريك العجلة الاقتصادية، على اعتبار أن الاستهلاك محركها الأساسي، لأن الديناميكية الاقتصادية يحدثها المال المحرك الأول لعدة قطاعات تعمل على تلبية الطلب أو احتياجات المواطن. أما فيما يتعلق بأثر الزيادات في الأجور، قال المتحدث إن الأمر يحيلنا الى النقطة الأهم، وهي عقد ندوة وطنية حول العمل والرواتب، تعقد بحضور خبراء حقيقيين من مختلف القطاعات الحكومية، بالإضافة الى بعض الخبراء من الخارج مع الاستعانة بخبراء نزهاء غير منحازين الى اللوبيات الخارجية، هذه الخطوة إن تحققت شروطها ستحقق لا محالة نتيجة إيجابية تسمح بتحقيق نجاعة اقتصادية من وراء الزيادات.