حماية القدرة الشرائية لتعزيز الاستهلاك محرك الاقتصاد 40٪ من التحويلات الاجتماعية فقط تصل المواطن حفاظا على القدرة الشرائية والمكاسب الاجتماعية التي اتخذتها الدولة طوال السنوات الثلاث الفارطة، جدد رئيس الجمهورية حرص الدولة على البعد الاجتماعي، لكن مع إعطائه أثرا اقتصاديا في إطار توجهها نحو إقلاع متنوع يعزز الإنتاج الوطني بروح استثمارية بعيدا عن الاتكالية. الديناميكية الاقتصادية سيكون الاستهلاك فيها أحد محركاتها الدافعة، لأنه بداية سلسلة لإنتاجية أكبر وخلق مناصب الشغل. جاء في بيان مجلس الوزراء الأخير، أن الرئيس تبون أسدى توجيهات فيما يتعلق بمشروع قانون المالية التكميلي 2022 بضرورة «إعادة النظر في فحوى القانون وفق نظرة واقعية وعقلانية تحافظ على التوازنات المالية الكبرى وتأخذ بعين الاعتبار سد فراغ قلة الموارد بناء على آثار قانون المالية 2022 وتخفف الأعباء ذات الصلة بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة». سألت «الشعب» مختصين للاطلاع عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذه التعليمات، فكانت الآراء كما يلي: خرشي: تفعيل صندوق ضبط الإيرادات في اتصال مع «الشعب»، أوضح الخبير إسحاق خرشي، أن لجوء الدولة إلى قانون مالية تكميلي مرتبط بوجود فرق معتبر بين الإيرادات المتوقعة وتلك المحققة، أو بين النفقات المحددة في قانون المالية والنفقات غير المتوقعة أو الموجودة في الواقع العملي، والتي ليس لها شق تشريعي في قانون المالية ولم تكن ضمن تدابير خاصة بهذا القانون. في ذات السياق، أشار الخبير إلى أن رئيس الجمهورية أوصى بالمحافظة على التوازنات المالية الكبرى للدولة، والمقصود بها النفقات والإيرادات. ففي قانون المالية 2022، النفقات محددة ب73 مليار دولار. أما الإيرادات فب42 مليار دولار، ما يعني وجود عجز في حدود 30 مليار دولار، لذلك نص البيان على سد فراغ قلة الموارد. أمر اعتبره إشارة غير مباشرة الى تفعيل صندوق ضبط الإيرادات، لأن السعر المرجعي لبرميل النفط هو 45 دولارا والسعر التسويقي الحالي يصل في بعض الأحيان إلى 140 دولار، ما يعني وجود فارق كبير بينهما يتراوح بين 60 و70 دولارا، لذلك يوجه هذا الفائض الى صندوق ضبط الإيرادات من أجل سد فراغ قلة الموارد وتخفيف الأعباء ذات الصلة بالإجراءات المتخذة من طرف الدولة. وتأخذ شكل نفقات لم تكن ضمن تدابير قانون المالية 2022، كتكفل الدولة بتغطية فارق أسعار السلع الموجهة للمواطنين من قبل الديوان الوطني للحبوب، فعندما تقتني الدولة الحبوب من السوق الدولية بأسعار مرتفعة لا تبيعها لمنتجي العجائن والمواد الغذائية المصنوعة من الحبوب بنفس السعر، بل بسعر أقل وتتكفل هي بالفارق؛ أمر ليس له شق تشريعي في قانون المالية، لذلك يتدخل صندوق ضبط الإيرادات لسد العجز وتبرير الأعباء. إلى جانب مراجعة النقطة الاستدلالية للوظيف العمومي والتي كلفت الدولة 220 مليار دينار، وكذا رفع منحة عمال الشبكة الاجتماعية من 5500 دينار إلى 13 ألف دينار، بالإضافة الى رفع منحة عقود ما قبل التشغيل لغير الجامعيين من 9 آلاف دينار إلى 13 ألف دينار، إضافة الى زيادة أجور المتقاعدين، وكل هذه الإجراءات لم ترد في قانون المالية 2022، ما يجعلها عبئا على الخزينة. لذلك وفي سياق تخفيف العبء يؤخذ جزء من الصندوق لسد العجز الخاص بهذه الإجراءات المتراكمة لسنوات سابقة. أما فيما يتعلق بعدم تضمن «قانون المالية التكميلي 2022 أي ضريبة جديدة وألا يمس بأي شكل من الأشكال بتركيبة الأسعار المعتمدة حاليا، حفاظا على القدرة الشرائية والمكاسب الاجتماعية التي أقرتها الدولة لفائدة المواطنين»، أوضح المختص بأن قانون المالية 2022 تضمن ضرائب جديدة على المواد الغذائية، ليقرر رئيس الجمهورية بعد إصداره تجميد تلك الضرائب على المواد الغذائية، خاصة ذات الاستهلاك الواسع وبالتحديد العجائن، لذلك يمكن القول إن تعليمات رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء الأخير هي مواصلة لقرار التجميد المتخذ سابقا، وكذا عدم العودة الى فرض ضرائب جديدة على التجارة الإلكترونية التي ألغاها قرار رئيس الجمهورية من قانون المالية 2022. القدرة الشرائية... الجوهر في نفس الوقت، أكد المتحدث أن كل هذه القرارات تصب في هدف واحد هو المحافظة على القدرة الشرائية، حتى لا تفقد الإجراءات المتخذة أثرها عليها كرفع الضريبة على الأجور ومراجعة الشبكة الاستدلالية للأجور، فمن جهة رفع الأجور ومن جهة أخرى الإبقاء على التجميد ما يساهم في رفع القدرة الشرائية للمواطن، ما اعتبره جانبا اجتماعيا بأثر اقتصادي. وأشار إلى أن المشكل الذي تواجهه اقتصاديات كل الدول، هو ضعف الاستهلاك. لذلك تعطي بعضها منحا لمواطنيها لشراء السلع. وعليه اهتمام الدولة بالجانب الاجتماعي وتدعيم القدرة الشرائية حقيقة لديه قيمة اجتماعية ظاهرة، لكن في المقابل لديه أيضا قيمة اقتصادية مخفية، أي تشجيع الاستهلاك لرفع الطلب، ما يرفع الإنتاجية للمؤسسات، ما يعني توظيف أكبر للعمال واستحداث مناصب شغل جديدة ودفع أرباح وضرائب أكبر. وألح الاقتصادي على ضرورة تحديد مفهوم الدخل الضعيف والمتوسط. ف»بالنظر الى مراجعة الضريبة على الدخل يطرح سؤال مهم هو، ما المقصود بها؟، ويطرح فرضية إعادة مراجعتها أو إعادة تصنيفها، لتحديد مفهوم الدخل الضعيف والمتوسط». وأكد أن الأمر ممكن بالذهاب الى إحصائيات تعطي قاعدة بيانات دقيقة لرفع الدعم، من أجل تحديد مستحقيه ومن هي الفئة المستهدفة. فتكون الفئة الهشة محصورة في الأشخاص من ذوي الدخل الأقل من 30 ألف دينار والطبقة المتوسطة محددة بين الدخل أكثر من 30 ألف دينار و100 ألف دينار، ملحا على ضرورة وجود حوار ونقاش لتحديد الدخل الضعيف والدخل المتوسط، ليكون أصحاب الدخل المرتفع أكثر دافعي الضرائب. حريز: الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية من جانبه ثمن رئيس الفدرالية الجزائرية للمستهلكين حريز زكي، في اتصال مع «الشعب»، تأكيد رئيس الجمهورية على التزام الدولة بالمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن، خاصة ذوي الدخل الضعيف، من خلال مخرجات مجلس الوزراء الأخير في شقه المتعلق بقانون المالية التكميلي، ملحا على إيجاد الكيفية أو الطريقة المثالية لتحقيق الهدف المنشود. عندما حدد قانون المالية 2022 مفهوم الدعم الاجتماعي المباشر أو الموجه بالتخلص من الدعم العام أو العشوائي استطرد موضحا كان من المفروض وضع بطاقية وطنية للفئات المستهدفة أو المعنية بالدعم الموجه، كاشفا عن صعوبة مهمة إعداد بطاقية تمثل حقيقة تلك الفئة. وفي سياق حديثه، قال حريز «كنا ننتظر انطلاق الإحصاء العام للسكان في موعده، حيث كان محددا شهر فبراير الماضي لوضع قاعدة بيانات حقيقية، خاصة أن الإحصاء لم يتجدد منذ 2008، وهو مهم جدا لتأسيس قاعدة بيانات تسهل من وضع البطاقية»، وفي غيابها نتخوف من عدم بلوغ الهدف المنشود المسطر من طرف الرئيس في توجيه الدعم لمستحقيه. وأكد المتحدث ضرورة دعم الطبقة الهشة والمحافظة في نفس الوقت على الطبقة المتوسط ومنع انكماشها وتراجعها، لأنها مهمة لتشكيلها توازن المجتمع تمثلها طبقة الوظيف العمومي وموظفي الدولة، لذلك وجب تعزيزها. الاستهلاك محرك اقتصادي فيما أصر على وجوب تحديد الحياة الكريمة وما يقابلها من تكلفة لمعرفة من هو بحاجة حقيقة لدعم الدولة، خاصة وأنها تخصص مبلغا مهما للتحويلات المالية قدرت هذه السنة ب17 مليار دولار، وهي أموال تدفعها الخزينة العمومية لتحافظ على الطبقة الهشة والمتوسطة لتعزيز الاستهلاك، ويفترض أنها كافية لبلوغ الهدف المنشود، لأن الاستهلاك محرك مهم لعجلة الاقتصاد، والطلب الداخلي عامل مهم جدا لتحريكها. وإذا أخذ بالحسبان أن الدولة أعطت الأولوية لإيجاد الصيغة المثالية لتعافي الاقتصاد الوطني، خاصة بعد إعلانها 2022 سنة اقتصادية بامتياز، من خلال تعزيز الاستثمار في الجزائر، ستكون القدرة الشرائية الضعيفة عائقا أمامه، على اعتبار أن المستثمر سيصطدم باستهلاك ضعيف، ما سيؤثر على إنتاجيته لعدم وجود إقبال على سلعه. ويضيف، «فنحن كفدرالية للمستهلكين هدفنا الأساسي حماية المستهلك من كل ما يضره. أصبحنا اليوم نهتم بكل ما من شأنه رفع قدرته الشرائية حتى يستطيع الشراء وبالتالي رفع نسبة الاستهلاك، لتحريك دواليب عجلة الاقتصاد». وهو ما يضفي على ما جاء من مخرجات مجلس الوزراء الأخير، في الشق المتعلق بقانون المالية التكميلي، أهمية كبيرة في إطار المكتسبات الاجتماعية التي أقرتها الدولة على مدار ما يقارب ثلاث سنوات، إن كانت اجتماعية مائة بالمائة فإنها تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني، حيث تساهم في رفع الإنتاج المحلي من خلال تعزيز الاستثمار الداخلي، بإقبال المستهلك على السلع المحلية والتقليل من نسبة البطالة باستحداث مناصب شغل جديدة. واختتم تصريحه ل «الشعب» قائلا: «نأمل تطبيق الجهاز التنفيذي لتعليمات رئيس الجمهورية في الميدان وعلى أرض الواقع بطريقة ذكية للمحافظة على مواردنا حتى لا تذهب هباء منثورا، فعندما نعلم أن 40٪ فقط من التحويلات الاجتماعية تصل الى المواطن، بينما 20٪ تبذر و40٪ مغلفات، سيكون الأمر كارثيا».