عويصة مستقبل النشاط الفلاحي بمختلف بلديات ولاية سكيكدة خصوصا تلك الواقعة بالجهة الشرقية، رغم كونه من القطاعات الواعدة والتي تراهن عليها السلطات المحلية، إلا أن العراقيل المواجهة في الميدان تهدد مستقبل القطاع خاصة مع عزوف الشباب عن خدمته.وحسب بعض الفلاحين، فإن أول مشكل يواجهونه هو نقص اليد العاملة وعزوف الشباب عن العمل في القطاع الفلاحي، فرغم أن الفلاحين يدفعون الأجر للعمال كل أسبوع وآخرون في كل آخر النهار، إلا أن الوضع آرقهم خصوصا في فترات الجني والزرع، وهذا ليس بسبب الأجر بحيث أن الأجرة في اليوم تتجاوز ألف دينار وتتجاوز 30 ألف دينار في الشهر إنما هروب من العمل الذي يصفه الكثير من الشباب بالمتعب والشاق. هذا زيادة على مشكل التسويق والتخزين والذي أرجعه البعض الآخر من الفلاحين إلى عدم الاهتمام بالصناعات التحويلية الغذائية على مستوى الولاية سواء ما تعلق الأمر بتحويل الفواكه مثل المربى وغيرها أو الخضر مثل الطماطم المعلبة، إضافة إلى نقص التسويق الذي يختصر على مجهودات الفلاحين فقط والذين يتنقلون لبيع سلعهم وفي حالة كثرة المنتوج ينخفض ثمنه، بالجهة الغربية من الولاية، وامتهان سماسرة بعيدين كل البعد عن ميدان الفلاحة ومهتمين بالربح فقط، مما جعل المنتوج يعرف التهابا في الأسعار ليس في متناول عامة الناس. وهذا ما يعرض الفلاحين لتكبد خسائر جمة، وعليه طالب الفلاحون بضرورة حل جل هذه المشاكل التي أثقلت كاهلهم مما يهدد مزاولتهم لنشاطهم على مستوى الولاية المعروفة بطابعها الفلاحي خصوصا على مستوى المناطق الجنوبية والشرقية مثل الحروش، بن عزوز، بكوش لخضر، ومجاز الدشيش، وغيرها من المناطق الفلاحية المعروفة بالولاية. وحسب احصائيات رسمية، فإنه ضاع ما يعادل 15 بالمائة من إجمالي محاصيل الطماطم الصناعية للولايات الأربع الشرقية الرائدة في هذه الشعبة بالبلاد وهي عنابةوسكيكدة وقالمة والطارف والمقدرة ب 2 مليون قنطار خلال الموسم الفلاحي 2012 بسبب نقص فادح في اليد العاملة الضرورية للجني مثل هذا المحصول، وينتظر أن تبرز أزمة في المستقبل القريب في تموين السوق المحلية بالمواد الاستهلاكية بسبب نقص اليد العاملة، ويظهر من جملة الأسباب، امتصاص مشاريع “الأنساج" و«الكناك" لنسبة واسعة من الشباب ممن أصبح يطمح ليكون مسير عمل خاص، عوض العمل عند الآخرين، في وقت تقبل نسبة أخرى منهم البطالة عن العمل في الميدان الفلاحي، مما ترك أصحاب المستثمرات الفلاحية توظيف متقاعدين ومسنين في الفلاحة وخدمة الأرض، لأن شباب اليوم يترفع عن الفلاحة لأسباب تبقى مجهولة. وقد واجه منتجو الطماطم الصناعية بولاية سكيكدة مؤخرا مشكلة انعدام اليد العاملة خاصة بجني المحصول جراء عزوف هذه الفئة عن العمل لأسباب مختلفة رغم ارتفاع أجرة عملهم مقارنة بالسنوات الماضية، حيث يتقاضون مبلغ يصل الى 1500 دج مقابل عمل يومي، والعملية تتعلق بجمع المحصول وفرزه في صناديق، ورغم هذه الحوافز المادية، إلا أن المنتجين وجدوا صعوبات كبيرة في جني المحصول المهدد من يوم لآخر بالتلف ما دفع ببعضهم إلى الاستنجاد بأفراد من عائلاتهم بما في ذلك النساء والأطفال عند نهاية الأسبوع تزامنا والعطلة الأسبوعية، وقد أرجع معظم المنتجين هذه الظاهرة إلى برامج التشغيل التي وضعتها الدولة بين أيدي الشباب الباحث عن العمل في أنشطة أقل جهدا، لتضاف معاناة أخرى لمئات المنتجين الذين اشتكوا من تضرر المنتوج بسبب الحرارة التي شهدتها المنطقة، إضافة إلى تدني أسعار البيع بأسواق الجملة. من جهة أخرى، يجد أصحاب المزارع والمستثمرات الفلاحية عبر معظم المناطق الفلاحية بالولاية صعوبات كبيرة في جني مختلف المحاصيل الزراعية التي تنتجها آلاف الهكتارات التي تمتاز بجودة إنتاجها على المستويين المحلي والوطني على غرار الحروش، بن عزوز، تمالوس، مجاز الدشيش وغيرهم وتأتي في مقدمتها النقص الحاد إلى درجة الانعدام أحيانا في اليد العاملة، الأمر الذي من شأنه حسبهم أن يسبب كسادا للمنتوج عند مرحلة الجني خصوصا الزراعات الصناعية التي تستدعي طبيعتها الحساسة وسرعة تلفها إلى ضرورة جنيها في الوقت المحدد على غرار الطماطم، ذات المشكلة أدت بأصحاب المساحات الزراعية الشاسعة إلى تقليص زراعتها والاكتفاء بالحد الأدنى رغم توفر بقية الإمكانيات المادية الأمر الذي تم تسجيله في السنوات الأخيرة خاصة بمنطقة بكوش لخضر وبن عزوز والتي تم التخلي بشكل كبير على الزراعة الصيفية التي كانت تشتهر بها المنطقة على غرار الدلاع وأنواع البطيخ، كما سجل أيضا انعدام في العمال المؤهلين في حفر المناقب والآبار المخصصة للسقي وتركيب البيوت البلاستيكية، في الجهة الغربية من الولاية، والسبب حسب العديد من أصحاب المستثمرات والفلاحين، يعود إلى عزوف العمال في ذات المجال رغم الحوافز الموضوعة لصالحهم، من جهة أخرى يطرح الكثير من الفلاحين مشكلة ندرة مياه السقي، انعدام الكهرباء الفلاحية في هذه المنطقة الواقعة بين الوديان، وكذا المسالك ما ضاعف من حجم معاناتهم اليومية في ظل الكثير من المشاكل المطروحة التي دفعت ببعضهم الى هجرة أراضيهم والتوجه إلى ممارسة أنشطة أخرى. أبدى بعض أصحاب المستثمرات الفلاحية الذين تحدثوا مع “الشعب" ، عن استيائهم من عزوف الشباب عن العمل في المجال الفلاحي، ليضطر الكثير من أصحاب الأراضي إلى توظيف متقاعدين ومسنين في أعمال تتعلق بالأرض، واعتبر أحد الفلاحين أن عزوف الشباب عن خدمة الأرض يرهن مستقبل الفلاحة، لأن نسبة كبيرة من الشباب يترفعون عن الفلاحة كعمل يسترزقون منه، وهذا بالرغم من شبح البطالة التي تنخر فئة الشباب، وفرص العمل القليلة في جميع القطاعات، فالعمل موجود بقطاع الفلاحة واليد العاملة غائبة، وأغلب أصحاب الأراضي الفلاحية والمستثمرات يعانون من هذا الإشكال، فاليد العاملة عرفت تناقصا خلال السنوات الأخيرة بشكل رهيب، حتى العمل الموسمي في عمليات الحرث والغرس والجني لم يعد يستقطب الشباب بالرغم من أن الأجرة وصلت الى 1000 دينار في اليوم". وأضاف نفس المتحدث في الموضوع بقوله: “إذا استمر الحال على هذا المنوال، قد نضطر يوما للاستنجاد باليد العاملة من خارج البلاد التي لا ترفض العمل بكل أشكاله"، أما أحد الشباب من بين الذين إلتقينا بهم، فيرى “أن أجرة العامل في المستثمرات الفلاحية قليلة جدا بالنظر إلى المجهود المبذول، وهو ما ينفر الشباب من العمل في هذا الميدان، فحسب العديد من الفلاحين بالمنطقة، “شباب اليوم لا يشقى من السادسة صباحا إلى وقت الغروب من أجل 800 أو1000 دينار في اليوم، ولتغطية العجز يستعان بنساء العائلة للعمل خاصة في موسم الجني". وكانت الفلاحة ببلدية الحروش في الفترة القليلة الماضية تستقطب عددا معتبرا من الأيدي العاملة حتى من خارج ولاية سكيكدة، ووجود سوقا لليد العاملة تقام في الصباح الباكر من كل يوم بالمدينة والتي تجمع الشباب الباحث عن العمل، فيأتي الفلاحون الى هذه السوق لانتداب ما يحتاجون من العمال، والأجرة اليومية تصل الى 800 دينار، ويكاد النشاط ينحصر غالبا في الفلاحة كزرع أو محصول البطاطا، والبصل والثوم وبلدية الحروش تتوفر على مؤسسة متخصصة في إنتاج بذور البطاطا، وهو تخصص نادر كما هو معروف على مستوى السوق الوطني، مما يحتم من أجل سد العجز الوطني الذي تصل نسبته إلى 50 بالمائة اللجوء إلى الإستيراد، واستطاعت مؤسسة قدماني لإنتاج بذور البطاطا والقمح أن تحصل على عدة جوائز دولية ووطنية لما تتميز به من نوعية منتوجها.