رحلات تخييم وتصوير فوتوغرافي لترسيخ الذكرى تُعد ولاية باتنة واحدة من أهم مُدن السياحة في الجزائر، تستقطب مئات الزُوار لرؤية آثارها وتاريخها العريق وطبيعتها الجبلية الخلّابة، خاصة في السنوات الأخيرة، لأهميتها التاريخية كمعقل لثورة التحرير، والسياحية لجمالها الخلّاب الذي يتلوّن باختلاف فصول السنة، كونها نشاط حساس بيئي يُؤدي اهماله إلى ضُعف الأنشطة السياحية وعدم تطورها وتراجعها. تأتي السياحة البيئية في مقدمة أنواع السياحة الأكثر جذبا للسياح بالولاية، يُعول عليها لتصدر المشهد السياحي محليا ووطنيا، حسب الخبيرة البيئية الدكتورة فاتن الليثي، في تصريح ل»الشعب»، مُشيرة أنّ السياحة البيئية «نوع من السفر المسؤول» إلى المناطق الطبيعية تُحافظ على البيئة وتكفل استمرار رفاهية سكانها المحليين، تكمن أهميتها –حسبها- من الناحية الإقتصادية في ندرة أماكن ممارستها لذا يمكن الإستفادة منها -نظرا لثرائها بباتنة-، في تحقيق عائدات مالية هامة من أصحاب المشاريع، توفير فرص العمل وتنويع مصادر الدخل المحلي والوطني في المناطق الريفية. كما تساهم بالتعريف بعادات وتقاليد السكان المحليين وبالتالي المحافظة على الموروث الثقافي والتراث المادي واللامادي، من أهم أنواعها بولايتنا السياحة الجبلية، السياحة الثقافية، السياحة الرياضية والحموية التي تُقام بالمناطق الطبيعة وغيرها، تعد باتنة مؤهلة لها وطنيا واقليميا بفضل تنوع مُقوماتها السياحية المُتعددة ومواردها المتنوعة ما يُعزز مكانتها في التنافس في هذا المجال. سمير وياسين حماة السياحة الجبلية تعتبر غابات وقلاع الأشجار الكثيفة بمناطق غسيرة وغوفي، شيليا، تافرنت، آريس، تيغانمين والشلعلع أكثر المناطق جذبا للسياح محليا ووطنيا، تشهد إقبالا للسياح للاستمتاع بسحرها وقضاء أوقات مُمتعة، خاصة فئة الشباب، يقضون أياما وليالي في مُخيمات بين أحضان هذه الحضائر الطبيعية وأشجارها الشامخة. للحديث أكثر في الموضوع اتصلنا بالناشط الجمعوي ياسين دحماني والمصور الفوتوغرافي سمير سليماني، كونُهما عشاق السياحة البيئية والجبلية خاصة، أفادا في تصريح ل «الشعب»، أنّ الولاية ثرية بكنوز طبيعية وأثرية يعجز اللسان عن وصفها، لا يدرك قيمتها إلا من يزورها ويكتشف مكنوناتها، كمناطق غوفي، محمية بلزمة، أم الرخاء، كوندورسي وشلالات برباقة وغيرها، مُؤكدان أنّ فضاءات السياحة البيئية مُتنوّعة تتميز بالتجدد ففي كل مرة يزُوران منطقة يتفاجآن بثرائها الطبيعي وتنوع الحيوانات التي تعيش فيها خاصة النادرة منها. وتحدث سمير عن تجربته وعمره لا يتجاوز ال 16سنة، بدأت بالتخييم في الجبال ثم تنظيم رحلات للأصدقاء وُصولا لبرمجة زيارات مُنظمة لأفواج الشباب لاكتشاف سحر غابات وجبال وكنوز باتنة، مُستحضرا سحر تلك الفترة كانت فيها وسائل التواصل الإجتماعي غير متاحة كما الأن. ونفس الشيء لياسين الذي يُعتبر من مُحبي السياحة نظّم عشرات الرحلات للتعريف بثراء باتنة سياحيا، موثقا مع سمير رحلاتهم المليئة بالمغامرة عبر فايسبوك يشاركهم الألاف من المتتبعين الشغوفين بسحر الطبيعة، داعين مديرية السياحة إلى الإهتمام بوسائل التكنولوجيا الحديثة واستعمالها في الترويج والتسويق السياحي لإظهار هذه الكنوز. رافد مُهم لتنشيط السياحة الوطنية تحُوز المباني الأثرية والتاريخية كمدينة تيمقاد العتيقة وضريح إمدغاسن المميز وشرفات غوفي الساحرة والمدينة القديمة امدوكال، وطبنة، على اهتمام السياح لمشاهدتها والاستمتاع بمناظرها والاطلاع على تاريخها، في المقابل تُواجه هذه السياحة الثقافية بحسب عمار محمدي رئيس جمعية بانوراما للسينما والثقافة غيابا لفضاءات الترفيه والخدمات، ونقص اهتمام السلطات والمستثمرين في إنجاز مركبات حموية وفندقية تُوفر خدمات محترمة للسياح والزوار الرياضيين والمرضى، لإنعاش الحركة التجارية والاقتصادية والإجتماعية وتنمية هذه المناطق، ليستطيع ساكنتها بيع وسائل التخييم والأواني التقليدية وبيع الخضر والفواكه وباقي المستلزمات والخدمات للسياح وانشاء حضائر لحراسة السيارات وغيرها من فرص النجاح اقتصاديا لهذه المناطق المهمشة تنمويا وسياحيا. فالموارد الثقافية بباتنة تتشكل من المواقع الثقافية والتراثية المُصنفة عالميا، أشارت بصددها الفنانة التشكيلية رئيسة جمعية «زهرة الأمل الثقافية» أمال بكاي، أنّ الزائر لها خاصة الذي لا يقطن بها، يجد عدة خيارات لتلبية رغباته السياحية، الاستكشافية ونوعا ما الخدماتية، تبقى هاجسا يُؤرق السياح لنقصها، ورغم ذلك فهذه المناطق تُغريه للعودة في كل مرة نظرا لتوفر فرص اقتناء التذكارات الحرفية التقليدية تُباع على جنبات الطرق أو في وسط هذه الحضائر الثقافية، مصنُوعة بأنامل فنية زادها جمالا أنّ أغلبها من المواد الأولية الموجودة بالمنطقة كالصوف، الوبر، الطين، الخشب، الفضة والحلفاء، تسحرُ عُيون السائح قبل جيبه لأنّها فعلا تُحف فنية خالدة، بلمسات تُحاكي عراقة الثقافة الأوراسية السامقة الضاربة في عُمق التاريخ، عندما تتزين بالأشكال والرموز والألغاز البربرية، ووهج الطُبوع الفُلُكلُورية التي تُسجل حضورها بقوة في المخيال الشعبي للسياح، مُؤكدة دورها في الدفع بالقطاع إلى الأمام. مناطق ظل سياحية .. تنتظر بزوغ شمس التنمية يُطالب عشاق السياحة تطبيق فكرة الاستدامة السياحية، من خلال استغلال العائدات المالية لأصحاب المشاريع السياحية، بتكثيف إنجاز المرافق السياحية والخدماتية، وجلب مُستثمرين جُدُد للقطاع بتشجيعهم ضمن صيغ مختلفة، مع التركيز على البعد الاجتماعي، لإنجاح هذه المعادلة بمرافقة المجتمع المحلي والاستفادة من تجاربه في هذا المجال، كونه أدرى بتاريخ وثقافة وكنوز المنطقة، إذ تتوفر الولاية على 19 جمعية نشطة في السياحة والصناعات التقليدية، تُساعد في تطوير القطاع والترويج له والحفاظ عل المعالم الطبيعية والثقافية، رفقة المُرشدين السياحيين الذين تشهد الولاية ندرة كبيرة لهم، حيث يُجمع الكثير من المواطنين المهتمين بهذه الفضاءات أو الزائرين لها بالصدفة على ضرورة تصنيفها كمناطق ظل «سياحيا «، كونها لم تستفد من أي مشاريع نوعية لتشجيع السياحة وتطويرها ببرمجة مشاريع تُساهم في امتصاص البطالة وتوفير مناصب شغل في قطاع الخدمات والصناعات التقليدية والحرف. نفس الرأي أفاد به الدكتور ميلود مراد، أستاذ علوم الإعلام والإتصال بجامعة باتنة01، مؤكدا أنّ هذه المناطق رغم عراقتها التاريخية والطبيعة لم تأخذ حقها من التنمية، وهي فعلا «مناطق ظل سياحيا» رغم أنّ امكانياتها الطبيعية تُؤهلها لتُصبح خلاقة للثروة لو جُسدت عليها مشاريع سياحية ومرافق خدماتية تُحافظ على خصوصيتها وتُوفر أجواء سياحة مريحة وجاذبة أُسوة بالدول الجارة تونس والمغرب، إضافة لامتصاص البطالة والتقليل من النزوح الريفي. وأشار أحد النشطاء إلى بذل بعض الخواص مجهودات في سبيل «إعمار» هذه الحضائر الثقافية والطبيعية بتوفير مُستلزمات السياح كخدمات الإطعام والنقل والإيواء، مستدلا بأُكلة «المردوم»، وهي ردم اللحم بعد تطعيمه ببعض التوابل داخل حفر مُخصصة لهذا الغرض في الهواء الطلق، تضفي نكهة خاصة على تلك الرحلات، ووجود طاولات مُتفرقة لبيع الإكسسوارات التقليدية والأواني الفخارية، حيث أكد ميلود أنّ هذه المجهودات تبقى دُون طُموح مُحبي السياحة الثقافية. 12 مشروعا استثماريا لتثمين السياحة الغابية من جهتها مُحافظة الغابات أكدت لنا سعيها لتهيئة 12 غابة بالولاية 2 منها دخلت حيز الخدمة، وهي غابة بويلف وغابة حرقالة فيما تجري أشغال الدراسة لغابة تيزورين ستكون المتنفس المُريح للعائلات الاوراسية مُستقبلا بتوفير وسائل الراحة والاستجمام. وتجري حاليا دراسة 12 مشرُوعا لغابات الاستجمام والترفيه عبر الولاية تقدر مساحتها ب 2900 هكتار، حسب محافظ الغابات، في انتظار صدور قرارات التحديد الخاصة بها، ونفس الإهتمام توليه المحافظة للثروة الحيوانية البرية النادرة بمحاربة الصيد العشوائي بالتعاون مع الأجهزة الامنية خاصة الحفاظ على الغزال الجبلي النادر والذي يعيش بغابات تكوت وحيوان الثعلب الذهبي الذي يُساعد على تثبيت شجرة العرعار في الجبال فضلا عن توفر الولاية على حيوان الضبع المخطط الذي يُساهم في تطهير الغابة من مخلفات الحيوانات الميتة. فالموارد الطبيعية وما تكتنزه من تنوع إحيائي كأنواع الطيور النادرة والثديات والأشجار المهددة بالانقراض كالأرز الحلبي والأطلسي وغيرها، جعلت من باتنة أكبر وأهم 10 الحدائق وطنيا على امتداد 8 ولايات، تُشكّل تنوعا جيولوجيا ونباتيا وحيوانيا كبيرا، تضُمُ سلاسل جبلية ومساحات شاسعة من النباتات والأعشاب والورود كالشيح والبلوط والأرز والصنوبر والورد البري والأقحوان وغيرها. الاستدامة السياحية حتمية لا خيار وتُختتم رحلات عشاق السياحة البيئية بتنظيم حملات تشجير ونظافة لتلك المناطق وحرق مُخلفاتهم كأكياس البلاستيك، أما الباقي فيتم اعادته ورميه في حاويات القمامة، حيث لا يتوقف عشاق الجبال والمعالم الأثرية على الدعوة إلى ضرورة الحفاظ على نظافة البيئة، وترسيخ قيم النظافة بهذه الفضاءات بدعوة السياح لترك الأمكنة نظيفة كما يُحبُون أن يجدُوها، وتفادي الرمي العشوائي للفضلات بهدف الحفاظ على جمال المناطق الغابية والمعالم الأثرية وتجنب كل ما من شأنه الإضرار بها كالحرائق التي كثيرا ما كلفت الثروة الغابية وحتى الحيوانية خسائر فادحة خلال السنوات الأخيرة، غالبا ما يكون العامل البشري السبب الرئيس فيها.وتؤكد في هذا الصدد الخبيرة البيئية فاتن الليثي، على أنّ العلاقة بين البيئة والسياحة متكاملة ومترابطة ايجابية تُساهم في تحقيق التنمية المستدامة فالبيئة النظيفة والصحية مُناخ ملائم وجاذب للسياح لتحقيق التنمية السياحية المستدامة، في حين أنّ السياحة المُستدامة تركز على التخطيط البيئي السليم للحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئية وبالتالي تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية للمجمتع. وتحرص مديرية السياحة والصناعات التقليدية على زيادة الوعي بأهمية الدور الذي تقوم به السياحة البيئية في خلق بدائل ثروة جديدة وتعزيز التنمية المحلية من خلال الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعة التي تزخر بها باتنة والإستفادة منها اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا سيما الموروث الحضاري والثقافي المُميز يعود بعضه إلى ما قبل التاريخ نجده في حضارات الفينيقيين، الرومان والنوميديين المتعاقبة على باتنة، ما جعلها متحفا مفتوحا على الهواء.