عاد سكان ولاية قالمة من جديد إلى استكشاف الطبيعة و الاستئناس بها والتمتع بجمالها البعيد عن زخم المدن و متاعب الحياة العصرية التي قلبت العادات و التقاليد العريقة رأسا على عقب، وأبعدت الناس عن أمهم الأرض عندما أصابهم الجفاء و امتدت أياديهم إليها بالخراب و الفساد، وازداد هذا الجفاء والسوء زمن الأزمة الأمنية عندما أصبحت الغابة مكانا محرما على الناس عشرية كاملة. و منذ سنوات قليلة قررت مجموعة من الشباب المغامر بقالمة إحياء رياضة التجوال في الطبيعة، و حث الناس على حماية البيئة و العودة إلى الأرض المهجورة، و استكشاف الكنوز السياحية الخفية من خلال تنظيم الرحلات السياحية الجماعية، وإقامة المنافسات و التجمعات الرياضية الكبرى التي تجمع عشاق الطبيعة من رياضيين و تلاميذ المدارس، و من عامة الناس الذين استهوتهم الرحلات إلى الطبيعة، ووجدوا فيها متنفسا من متاعب الحياة، و ضغوط الحجر الصحي التي حولت المدن الكبرى إلى جحيم لا يطاق. ولا تكاد رياضة التجوال والاستكشاف أن تتوقف بولاية قالمة وعلى مدار السنة، حتى صارت تقليدا راسخا يجلب إليه مزيدا من الهواة من قالمة و ولايات أخرى تأتي منها مجموعات المغامرين والمستكشفين لقضاء أوقات ممتعة وسط الغابات وعلى ضفاف الأودية الكبرى والسدود، وفي عمق الكهوف السحيقة التي لم تكشف بعد عن أسرارها الدفينة. و قد بدأت الرياضة الجبلية تتخذ الطابع الرسمي المنظم من خلال النشاط المتزايد للجمعيات المحلية المعتمدة، والدعم المتواصل الذي تقدمه عدة قطاعات محلية لتطوير هذا النوع من الرياضة الصديقة للبيئة والمفيدة للصحة النفسية والجسدية، و الاقتصاد و التنمية المحلية. ولا يتردد قطاع الشباب والرياضة في التوجه بقوة نحو الطبيعة والبيئة، و استغلال الإمكانات الكبيرة التي تتوفر عليها الولاية في مجال رياضة التجوال، والتخييم والنزهة و الاستكشاف، وحتى البحث العلمي الذي وجد في طبيعة المنطقة وآثارها، مجالا خصبا ينهل منه بلا حدود. و تعتزم محافظة الغابات بقالمة بناء المزيد من المنتجعات الغابية لتطوير الرياضة الجبلية و ترقية نشاطات التخييم، وحث الناس على العودة إلى الطبيعة والمساهمة في جهود بعث السياحة البيئية التي يعول عليها كثيرا لدعم التنمية المحلية، من خلال استغلال خيرات الطبيعة، و إعادة إعمار الأقاليم الجبلية الواسعة التي كادت أن تتحول إلى مناطق مهجورة في السنوات الأخيرة، قبل أن تدب فيها الحياة من جديد بدعم من شبكة الطرقات المعبدة التي وصلت إلى عمق المنتجعات الجبلية، وشجعت الناس على العودة إلى الأرض المهجورة و الاستمتاع بجمال الغابات و أسرار الكهوف، ومنابع المياه العذبة، و العيش مع الطيور والحيوانات النادرة، التي ظلت تقاوم عبث البشر الذي لم يتوقف عن إلحاق الأذى بها، قبل أن تستفيق الضمائر الحية، و تظهر مجموعات حماة البيئة من رياضيين ومثقفين، قرروا رفع التحدي و بعث الرياضة الجبلية الصديقة للبيئة، الداعمة للصحة و الاقتصاد و العلاقات الاجتماعية والثقافية. وتعد جمعية غار جماعة للرياضة الجبلية و السياحة ببلدية بوحمدان، ونادي قالمة للرياضة الجبلية ونادي الركنية للطيران الشراعي الحر، من بين المؤسسين لرياضة التجوال واستكشاف الطبيعة و الاستغوار بولاية قالمة، من خلال تنظيم الرحلات والتظاهرات الرياضية وسط الطبيعة الخلابة، بينها رياضة الروندوني الممتعة، والطيران بالمظلات و التخييم وسط الغابات، وعلى ضفاف الأودية والسدود، و منافسات رياضة الترايل التي ظهرت أول مرة بولاية قالمة أيام الحجر الصحي الأولى، عندما قررت مجموعة هواة الرياضة البيئية بقالمة تنظيم دورات ماراطون بالمسالك الجبلية، لتشجيع الخروج إلى الهواء الطلق، وحث الناس على استكشاف الطبيعة، و ممارسة الرياضة الصحية و تعزيز العلاقات الاجتماعية، و الترويج للسياحة البيئية بالمنطقة. و توجد بولاية قالمة عدة مواقع ومسارات لممارسة الرياضة الجبلية، أبرزها المسار الشهير الممتد من غار جماعة وحجر شواف، و غابات بوعربيد و بني عمران، وصولا إلى منطقة بني أحمد على مشارف بلدية بوحمدان، يليه مسار جبل ماونة، ومسار سد بوحمدان، و مسار جبل هوارة و مسارات حمام النبائل، جبل القرار جبل دباغ، وجبال هوارة وبني صالح، حاضنة القاعدة الشرقية خلال ثورة التحرير. وتمتاز هذه المسارات بالتنوع الإيكولوجي الثري، حيث توجد بها مختلف أنواع الأشجار والنباتات، والطيور و الحيوانات، التي تواجه تحديات كبيرة بسبب التغيرات المناخية وعبث الإنسان الذي لا يتوقف عن إلحاق الأذى بالطبيعة، حاضنة الإنسان وملاذه الآمن عندما تشتد عليه الأزمات الصحية والاقتصادية و الاجتماعية. يقول عصام دبابي رئيس جمعية غار جماعة للرياضة الجبلية والسياحة لبلدية بوحمدان متحدثا للنصر بأن الرياضة الجبلية بقالمة تعرف تطورا مستمرا، وأصبحت مصدر اهتمام واستقطاب كبير لعشاق الطبيعة من داخل الولاية و من خارجها، مضيفا بأن تظاهرات الروندوني التي نظمتها الجمعية حتى الآن بجبال طاية و القرار و هوارة، وليالي التخييم بحجر شواف وعلى ضفاف سد بوحمدان، حققت نجاحا ومكاسب كبيرة تدعم البيئة والرياضة الجبلية والصحة و العلاقات الاجتماعية، وتؤسس لمستقبل واعد للسياحة البيئية بالمنطقة. و قد بدأ نشاط الجمعية الفتية الواعدة من كهف غار جماعة العجيب، الذي تحول إلى قبلة للسياح والباحثين والمستكشفين من مختلف مناطق الوطن، وكان لهذه البداية الموفقة الأثر الكبير على تطور الرياضة الجبلية بولاية قالمة، التي تنام على كنوز طبيعية ثمينة تجمع بين الآثار والتاريخ و الغابة والمياه، والثروة الحيوانية المتنوعة. و تعمل مجموعة من الهواة بمدينة قالمة على تطوير الرياضة الجبلية من خلال تنظيم دورات في رياضة الماراطون الجبلي، أو ما يعرف برياضة «ترايل» التي ظهرت أول مرة بأوروبا، قبل أن تنتقل إلى تونس التي أصبحت رائدة في مجال الرياضة الجبلية والسياحة البيئية بالوطن العربي وشمال إفريقيا. يعرف علي طرشون العضو البارز بنادي رياضة المشي بمدينة قالمة، رياضة ترايل قائلا بأنها ماراطون جبلي يمتد على مسافة تتراوح بين 10 إلى 120 كلم، و هي رياضة مفيدة للصحة، والمزاج و تعرف بالسياحة البيئية، و الكنوز الطبيعية بالمنطقة، مضيفا للنصر بأن فريقه الذي يضم مختلف شرائح المجتمع من أطباء ومثقفين و طلبة و من عامة الناس، قد نظم عدة دورات ممتعة عبر مختلف مناطق ولاية قالمة بينها ترايل حمام النبائل الممتد على مسافة 18 كلم، ترايل جبل ماونة، ترايل جبال بوحمدان، و أخيرا ترايل جبل بني صالح على مسافة 12 كلم، وعرفت هذه المنافسة مشاركة قوية لعشاق الرياضة الجبلية من قالمة و ولايات عنابة، الجزائر، البليدة و تبسة. و يعتزم نشطاء الرياضة الجبلية بقالمة تنظيم تظاهرات و منافسات و تجمعات وطنية و دولية، عندما تنتهي أزمة وباء كورونا، مؤكدين للنصر بأن الرياضة الجبلية و السياحة البيئية بالجزائر ستعرف تطورا مستمرا في السنوات القادمة، بعد سنوات طويلة من الركود و الإهمال و الإجحاف الممارس في حق الطبيعة و البيئة التي تواجه تحديات كبيرة بسبب التغيرات المناخية وعبث الإنسان، الذي لا يتوقف عن إلحاق الأذى بأمه الأرض منشأه ومستقره الأخير. فريد.غ قف تعدادها يتراجع من سنة لأخرى الجفاف والصيد العشوائي يهددان الطيور المهاجرة بأم البواقي تشهد ولاية أم البواقي في السنوات الأخيرة، تراجعا ملحوظا في تعداد الطيور المهاجرة التي تزور مناطقها الرطبة، في مشهد تقف وراءه عديد العوامل سواء الطبيعية منها، أو تلك التي كان للإنسان يد فيها، ويرافع مختصون في كل مرة على ضرورة وضع حدّ للمظاهر السلبية التي شوهت البيئة بالولاية، وأدت بأصناف نادرة من الطيور للهجرة بلا رجعة. تشير الأرقام الرسمية التي بحوزة النصر، إلى أن تعداد الطيور المهاجرة في تراجع من سنة لأخرى، ففي سنة 2012 تم تسجيل 165607 طيور مهاجرة بالمناطق الرطبة بالولاية، أما سنة 2013 فتم تسجيل 3586 طائرا مهاجرا وفي سنة 2014 تم تسجيل 279276 طائرا مهاجرا، أما في سنة 2015 فبلغ عدد الطيور المهاجرة 5081 طائرا وفي سنة 2016 قدر عدد الطيور المهاجرة ب122496 طائرا، أما سنة 2017 فبلغ تعداد الطيور المهاجرة 3768 طائرا وفي سنة 2018 تم إحصاء 1932 طائرا وفي سنة 2019 بلغ عدد الطيور المهاجرة 17138 طائرا، في حين وصل تعداد الطيور المهاجرة السنة المنقضية 27415 طائرا، وفي شهر جانفي من السنة الجارية، قام قطاع الغابات بإحصاء شتوي عالمي للطيور المائية المهاجرة المتواجدة بالمناطق الرطبة، أين تم هذا العام إحصاء 12867 طيرا مهاجرا، وهو عدد قليل مقارنة بما تم تسجيله في السنوات السابقة، وهذا راجع بحسب القائمين على قطاع الغابات لكمية التساقطات المطرية القليلة، خلال الأشهر الماضية، والتي تؤثر على وجود الماء والغذاء. وتضم ولاية أم البواقي 11 منطقة رطبة منها 8 مناطق مصنفة في معاهدة رامسار الدولية، على غرار شط تينسيلت ببلدية أولاد زواي تتربع على مساحة 2154 هكتارا وقرعة عنق الجمل بمساحة 18.140 هكتارا وقرعة المغسل بمساحة ألف هكتار ببوغرارة السعودي، وقرعة الطارف ب33.460 هكتارا وقرعة قليف ب24 ألف هكتار وهما بعين الزيتون وصنفت المناطق الخمسة هذه ضمن اتفاقية رامسار بتاريخ الثاني عشر من شهر ديسمبر من سنة 2004، في حين تم تصنيف 3 مناطق أخرى في التاسع عشر من شهر ديسمبر من سنة 2008، ويتعلق الأمر بشط تيمرقانين الذي يتربع على مساحة 1460 هكتارا وسبخة الزمول التي تبلغ مساحتها 6765 هكتارا وتتواجد في إقليم بلديتي أولاد زواي والحرملية إضافة إلى بحيرة بولهيلات المتواجدة ببوغرارة السعودي التي تبلغ مساحتها 856 هكتارا، وتتواجد بالولاية 3 مناطق أخرى غير مصنفة منها شط الزهار وشط الملاح بعين الزيتون أين تتربع الأولى على مساحة 100 هكتار وتتربع الثانية على مساحة 860 هكتارا في حين تتواجد المنطقة الثالثة بمدينة أم البواقي وتعرف ب»عقلة طويلة» ومساحتها 200 هكتار. محافظ الغابات بأم البواقي رغيوة عثمان وفي لقائه بالنصر، أوضح بأن السبب الرئيسي المؤثر على المناطق الرطبة بالولاية، هو تراجع كمية التساقطات المطرية التي تتضاعف بفضلها أعداد الطيور المهاجرة، وعن أبرز المشاكل التي تواجه قطاع الغابات على مستوى المناطق الرطبة، أضاف المتحدث بأن من أبرز الأخطار التي تتصدى لها محافظة الغابات في كل مرة، هي ظاهرة الحرث العشوائي على حواف المناطق الرطبة، على غرار ما يحصل بمنطقة تيمرقانين التي بها مياه عذبة عكس بقية المناطق الأخرى، أين يتم حرث حواف المنطقة، إضافة للاستعمال الجائر للمياه في سقي المحاصيل الفلاحية، وهذا يؤثر سلبا على المناطق الرطبة خاصة في غياب التساقطات المطرية، وأمام تراجع الأمطار يمنع منعا باتا استعمال مياه المنطقة لأغراض أخرى، ناهيك عن منع ظاهرة الرعي الجائر التي تفشت هي الأخرى. وعن المخالفات التي يسجلها أعوان محافظة الغابات، ذكر المتحدث بأن الأمر يتعلق بالرعي الجائر والاستعمال المفرط لمياه هذه المناطق بواسطة المضخات إضافة إلى الحرث العشوائي، وقبل سنة من اليوم حجز أعوان الغابات عددا من المضخات المستعملة في التعدي على مياه هاته المناطق، خاصة تيمرقانين ذات المياه العذبة التي تتغذى بها من واد بولفرايس القادم من ولاية خنشلة، ويضطر الأعوان لوضع حاجز ترابي لتجميع المياه القادمة من الوادي، لتسريع عملية ملء المنطقة، وتتلقى محافظة الغابات شكاوى عديدة حول استعمال مياه المنطقة لسقي محاصيلهم، وفي وقت سابق تم تشكيل لجنة مختلطة من محافظة الغابات ومديريتي الفلاحة والبيئة إلى جانب البلدية والدرك ومحافظة السهوب، لمعاينة الاعتداءات التي تحصل على هاته المناطق، ومراقبة ذلك ليس من صلاحيات محافظة الغابات لوحدها، في وجود عديد الشركاء والمساهمين، فالدور الرئيسي لمحافظة الغابات يتمثل في الحفاظ على السطح المائي أما بقية المخالفات فمن المفروض أن يتدخل بقية الشركاء. وبخصوص تصنيف المناطق المتبقية، أضاف المتحدث بأن تراجع كمية التساقطات أثر سلبا على إتمام ملف التصنيف، أين يشترط وجود على الأقل ما نسبته 1 بالمائة من أنواع الطيور المهاجرة في زيارة للمنطقة، والأمر تقني محض. أحمد ذيب أسرار البرية بحث في فائدة طائر النّحام الوردي المتواري عن الأنظار يعتبر طائر النحام الوردي من بين أهم الطيور المفقودة اليوم بالمناطق الرطبة بالجزائر عموما وبأم البواقي على وجه التحديد، نظرا لأنه كان يقبل على بعض المناطق لوضع بيضه، غير أن الصيد العشوائي وسرقة طيوره، عجلا برحيله لوجهة أخرى بلا رجعة، على الرغم من أن أعداده التي تزور المناطق الرطبة بأم البواقي تجاوزت في فترات مضت 32 ألف طير. فالمناطق الرطبة بأم البواقي هي من أهم مناطق وضع طائر النحام الوردي لبيضه في منطقة البحر الأبيض المتوسط، غير أن الصيد العشوائي أثر سلبا على تكاثر هذا النوع من الطيور، وكانت المنطقة الرطبة شط الملاح تعتبر ذات أهمية وطنية وعالمية كونها تستقطب الطيور المهاجرة في سنوات خلت، من بلدان مختلفة لإكمال دورتها الخريفية وهي طيور نادرة ومحمية عالميا على غرار طائر النحام الوردي، وتبيض طيور النحام الوردي بهذه المناطق الرطبة التي تستقطب أعدادا هائلة منها، وتمضي بها أشهرا عدة، بداية من فصل الشتاء من كل سنة لتهاجر بعدها نحو الشمال وتحديدا باتجاه دول القارة الأوروبية لتعود مرة أخرى إلى ولاية أم البواقي، وبسبب عديد العوامل هاجرت هذه الطيور دون رجعة. فالطيور التي غادرت بلا رجعة ومنها طائر النحام الوردي تهددها عديد الأخطار، أبرزها ظاهرة الصيد العشوائي وهي ظاهرة خطيرة كونها تتم بهذه المناطق التي هي عبارة عن محميات يمنع فيها الصيد، خاصة في فترة الولادة التي تستمر من سبتمبر إلى غاية شهر جانفي إضافة إلى تعرض الطيور المولودة حديثا للسرقة وأحيانا يسرق البيض قبل خروج الطائر وهو ما بات يهدد بالقضاء على التكاثر واختفاء السلالات النادرة ومعها القضاء على التوازن البيئي ويتسبب الصيادون الهواة غير المتكونين في ذلك. ومن بين أبرز الطيور المهاجرة التي كانت لا تتخلف عن زيارة هذه المناطق الرطبة، النحام الوردي وبط أبو فروة والشهرمان والنكات الأنيق والبط الخضاري وبط أو مجرف وبط البلبول والكروان الرمادي واللقلق الأبيض والبلشون الرمادي المعروف ب»الملك الحزين» وبط أبيض الرأس، ومن أكثر أنواع الطيور التي تم مشاهدتها على مستوى المناطق الرطبة بالولاية هذا العام، طائر الشهرمان الذي بلغ تعداده 5097 طائرا، إضافة إلى الغرة السوداء ب2943 طائرا والبط الخضاري ب2143 طائرا في غياب للنحام الوردي المفقود.