تعوّل الجزائر على مساهمة جميع البلدان العربية، في قمة الجامعة العربية، التي تحتضنها أرضها يومي 1 و2 نوفمبر، لتحقيق انطلاقات العمل العربي المشترك، وفق نهج يتجاوز المقاربات التقليدية يستجيب لمتطلبات العمل الحاضر ويرسم معالم مستقبل أفضل لشعوب ودول المنطقة، وفي هذا السياق دعا وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة، إلى العمل سويا بكل طموح وروح توافقية بناءة لإنجاح قمة لمّ الشمل وتعزيز التضامن في ذكرى ثورة الأول نوفمبر الخالدة التي تظل عنوانا شامخا لوحدة شعبنا وفي نصرة الحق والمبادئ المقدسة. قال لعمامرة، خلال افتتاح أشغال اجتماع وزراء الخارجية التحضيري لمجلس جامعة الدولة العربية على مستوى القمة في دورته العادية 31، بمركز المؤتمرات عبد اللطيف رحال، «إن العمل التحضيري المنوط بوزراء الخارجية العرب، مهم جدا ليس بالنظر إلى حجم التحديات المطروحة إقليميا ودوليا، وإنما أيضا اعتبارا للفرص الهائلة للتعاون والاندماج في جميع المجالات الحيوية في الاقتصاد والازدهار المشترك». وذكر لعمامرة، أن اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة العربية، ينعقد بعد انقطاع دام 3 سنوات لم تتمكن فيها الجامعة من الحفاظ على دورية اجتماعاتها جراء كورونا، وما خلّفته من آثار ألقت بظلالها على جميع مناحي الحياة الدولية، إضافة إلى التعقيدات المترتبة عن الأزمة في أوكرانيا التي خلقت مثلما قال «واقعا متأزما ينذر بتداعيات كبيرة على المنظومة الدولية بما فيها المنطقة العربية»، وهذه الأوضاع الاستثنائية تفرض علينا مضاعفة الجهود كمجموعة منسجمة موحدة تستنير بمبدإ وحدة المصير، وتعمل على تثمين مقومات التكامل ونهضتها كأمة. من هذا المنطلق، أكد لعمامرة أن الجزائر تعوّل في قمة «لمّ الشمل» على مساهمة الجميع لتحقيق انطلاقات جديدة للعمل العربي المشترك، وفق نهج يتجاوز المقاربات التقليدية ليستجيب لمتطلبات العمل الحاضر ويمكننا بصفة جماعية من رسم معالم مستقبل أفضل لشعوبنا ودولنا. ولفت لعمامرة انتباه ممثلي الدول العربية إلى ضرورة ألا تنسيهم التطورات التي يشهدها العالم على تعقيدها وتشعب أبعادها، هموم وقضايا أمتنا العربية على رأسها القضية الفلسطينية التي تمر مثلما قال «بأصعب مراحلها في ظل تمادي المحتل في فرض سياسية الأمر الواقع». في هذا الإطار حيا الأشقاء الفلسطينيين على انخراطهم في مبادرة المصالحة التي أطلقها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بالتنسيق مع أخيه الرئيس الفلسطيني محمود أبو مازن والتي توجت بالتوقيع على إعلان الجزائر المنبثق عن مؤتمر لمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الفلسطينية بتاريخ 13 اكتوبر. واعتبر هذا الاتفاق «أرضية» لبناء توافق أوسع يسمح بلمّ شمل جميع الدول العربية وتوحيد صفوفها لحل الأزمات الحادة التي تمر بها المنطقة العربية، وجعلت منها ساحة لصراعات بين عديد القوى الأجنبية. وعرج وزير الخارجية على الأوضاع العصيبة التي يمر بها أشقاؤنا في كل من سوريا وليبيا والصومال والسودان ولبنان، وقال « يجب أن تستوقفنا لاستدراك ما فاتنا من جهود ومبادرات للدفع بمسارات السلم والمصالحة التي يجدر بها أن تنطلق فعلا من البيت العربي». وبنفس القدر، قال «نتطلع إلى التضامن مع الدول العربية التي تعاني من صعوبات ظرفية» معربا عن تعاطفه في هذا الصدد مع الأشقاء في الصومال إثر العمل الإرهابي الجبان الذي تم أمس هذا البلد الشقيق»، مشددا على مساعدة الدول الشقيقة التي تعاني صعوبات ظرفية اقتصادية أو سياسية أو أمنية، مع إعلاء مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل الدول واحترام سيادتها واستقلالها ووحدتها الترابية. ودعا إلى تفعيل هذه المبادئ الأساسية في إطار هيكلة علاقاتها مع دول الجوار التي تقاسمنا الانتماء إلى الحضارة الإسلامية أو جغرافيا إلى القارة الإفريقية. الجرندي: قمة استثنائية لتحرك عربي متضامن من جهته وزير الشؤون الخارجية التونسي عثمان الجرندي، في كلمة له بالمناسبة، أشاد بجهود الجزائر المبذولة لإنجاح هذا الاستحقاق العربي الهام، وتهيئة الظروف لإنجاحه، مستحضرا عشية إحياء ذكرى اندلاع الثورة التحريرية التضحيات الجسام للشعب الجزائري من أجل نيل حريته والاستقلال، والصفحة المشرقة من التاريخ النضالي للشعبين الجزائري والتونسي التي امتزجت دماؤهم الزكية فداء للوطن. وقال «نجتمع اليوم وأنظار العالم العربي وكذلك المجتمع الدولي الموجه إلى هذه القمة وما ستطرحه من مقاربات للخروج من أزمات باتت مزمنة، وتحديد موقع دولنا من التحولات العالمية المستجدة وما ينشئ من تحالفات في عالم جديد بصدد التشكل، قاطعا مع من سبقه، طارحا تحديات جديدة». ويأمل الجرندي في أن تكون قمة الجزائر «موعدا استثنائيا» من أجل تحرك عربي متضامن، والتمسك بمبادرة تسوية الأزمات في عدد من الدول الشقيقة التي مازالت تحت وطأتها، ومنها استعادة سوريا واليمن استقرارهما في كنف السيادة الوطنية، ورفع المعاناة الإنسانية التي تمر بها شعوب هذه الدول والوقوف إلى جانب شعوب العراق والسودان ولبنان فيما يواجهونه من تحديات. وأشار إلى أن آلية التعاون التي تم إرساؤها بين جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي، ستكون منبرا دوليا إضافيا يؤمن ديناميكية جديدة لهذه العلاقات، وتعميق فهم القضايا العربية وحاجة الدعم لها، انطلاقا من إيماننا بأهمية العمل متعدد الأطراف. وأضاف «نتطلع إلى مكانة منطقتنا ضمن التوازنات الدولية الراهنة، يملي علينا وضع مقاربة جديدة للتعاطف مع قضايانا الاقتصادية في كنف الالتزام بقيم التآزر والتضامن وتعزيز قيم علاقات التكامل والاندماج لمواجهة التحديات وتعزيز أركان الأمن القومي العربي بكل مقوماته والدفاع عن مصالح شعوبنا في هذا الظرف الدولي الدقيق»، وهذا لن يتم دون تذليل العقبات التي مازالت تعترض التكامل العربي مثلما ذكر، وتحفيز ريادة الأعمال، والبحث العلمي، والابتكار، كما ينبغي حسبه تدارك التراجع المسجل في التعامل التجاري بين الدول العربية، والتصدي لأولويات الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية ومكافحة الفقر، والتعليم، وتمكين المرأة، وإشراك الشباب في الشأن العام. أما بخصوص القضايا السياسية المطروحة على أشغال القمة، فشدد على ضرورة إيجاد تسوية للأزمات السياسية التي يمر بها عدد من البلدان العربية، في صدارتها القضية الفلسطينية من منطلق أن ترسيخ السلم وأمن المنطقة العربية هو جزء لا يتجزأ من أمن وسلم العالم، ودعا إلى إيجاد أفق سياسي للقضية الفلسطينية من أجل تسويتها تسوية عادلة، لأن طريق تحقيق السلام في الشرق الأوسط يمر حتما بفلسطين مثلما ذكر، وعن طريق إرجاع الحقوق للشعب الفلسطيني والتصدي للمحتل ومنعه من أن يكون قوة فوق المحاسبة. وجدد الترحيب باتفاق المصالحة بين الفلسطينيين برعاية رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وأن يكون هذا الاتفاق أساس مسار لا رجعة فيه على درب لمّ الشمل وتحقيق الوحدة الوطنية والسبيل للصمود أمام الاحتلال الغاشم ورص الصفوف، داعيا الدول العربية إلى دعم القضية الفلسطينية الشاملة لاسترجاع الحقوق غير القابلة للتصرف، خاصة في الحرية وإقامة الدولة الفلسطينية عاصمتها القدس الشريف. وبخصوص قضية ليبيا، أكد أنهم على ثقة أن الليبيين قادرون على التوصل إلى تسوية مستدامة، من خلال حوار ليبي تغلب فيه مصلحة الوطن، للحفاظ على السيادة الوطنية وتحقيق الاتفاق نحو لمّ الشمل المنشود وتمهيد السبيل إلى تنظيم الانتخابات التي تضفي إلى تركيز المؤسسات الدستورية الدائمة، ونظام ديمقراطي يستجيب للتطلعات الشعب الليبي المشروعة في الأمن والسلام. ولعل ابرز التحديات التي قال إنها «تستنزف مواد البلدان العربية وأولويات المسار التنموي» هو التطرف والإرهاب، وداعيا إلى المزيد من التعاون ضمن مقاربة شاملة لتجفيف تمويل هذه الآفات، ومقاومة ما تسند إليه من شعارات، دينية أو مذهبية، والأخذ بأسباب التقدم العلمي والمعرفي، مؤكدا عزم بلاده مواصلة الإسهام في تعزيز منظومة العمل العربي المشترك مواكبة للتحولات وتحقيقا لتطلعات الشعوب.