مُخرجات مرجعية وجوهرية واستثنائية حظيت التّحديات الاقتصادية والأمن الغذائي وتعزيز روابط التعاون والتكامل الاقتصادي العربي، بإثارة مستفيضة في قلب اهتمام المشاركين في أشغال القمة العربية 31، وبدا التطلع كبيرا والانشغال جديا، لتحقيق المزيد من الأهداف التنموية الكبرى المشتركة، حيث طرحت الجزائر مسعى استراتيجيا، عبر دعوتها إلى بناء تكتل اقتصادي، سيكون له وزن إقليمي وتأثير دولي، من شأنه أن يغيّر من وجه المنطقة ويرفع معه سقف النمو والتطور، وكذا توسيع مبادرات التضامن العربي، وبالتالي البحث عن بناء علاقات اقتصادية جديدة جدية تأخذ بعين الاعتبار التغيرات العالمية الحاصلة. جاءت القضية الفلسطينية في صدارة اهتمام القمة وتوافق الزعماء والقادة العرب المشاركين في قمة الجزائر، على منحها المزيد من الدعم والدفع بقوة نحو إيجاد حلول تنهي معاناة الفلسطينيين، الذين ما زالوا يرضخون تحت آلة الاحتلال الصهيوني، احتل الأمن الغذائي والمائي وتقوية التعاون الاقتصادي العربي إلى المستوى الأمثل، صلب أشغال القمة التي أثارت ولأول مرة وفي مقترح جزائري، بناء تكتل اقتصادي متين، تنصهر فيه الإمكانيات الهائلة التي تنام عليها المنطقة العربية، من ثروات باطنية ومقدرات بشرية شابة وطاقات متاحة غير مستغلة في عديد المجالات. مخرجات سريعة التّجسيد تقاطعت قناعة أغلبية الدول العربية حول حتمية تعبيد مسار الاستثمار الأمثل للموارد العربية والتكيف مع التغيرات الاقتصادية التي يشهدها العالم أكثر من أي وقت مضى، كما تمّت إثارة قضية ارتباط الأمن المائي بالأمن الغذائي، وجاء الاعتراف جليّا بالدور العربي الضروري لحل الأزمات، وبالتالي فإنّ هذه الخطوة من شأنها أن تسمح بتعزيز الأمن الاقتصادي العربي وفق رؤية دقيقة وشاملة. علما أنّ الجزائر التي نظّمت ولأول مرة في تاريخ القمم العربية قمّة بدون ورق، تطمح لأن تكون مخرجات القمة سريعة التجسيد على أرض الواقع، لأنّه في كل مرة وعبر مواقفها الثابتة والمناصرة للمصلحة العربية، دوما تبحث عن مصلحة الدول العربية في ظرف عالمي صعب وشديد الحساسية، حتى لا تبقى المنطقة العربية رهينة التجاذبات أو الاستقطابات أو التأثر بالعوامل الخارجية الطارئة والمفاجئة، وبحثت الجزائر في كل ذلك عن ورقة طريق تفعل عبرها التعاون والتكامل العربي الذي تتطلع إليه الشعوب العربية. ظروف مواتية للتّقارب كلّلت قمّة الجزائر الحادية والثلاثين التي وفّر لها بلد المليون ونصف المليون شهيد، كل الظروف المواتية للتقارب والتوافق العربي، بالنجاح الذي يسجّل كذلك، على صعيد تتويجها بمخرجات استثنائية وتاريخية، في وقت المنطقة العربية في حاجة إلى هذا التنسيق العميق والواسع، حيث تحمّلت الجزائر المسؤولية في فترة مفصلية تمر بها المنطقة العربية، وكما عوّدت الجميع في مختلف القمم التي احتضنتها، على خلفية أنه في عام 1973 كانت المنطقة تواجه استقطابا وتحديات إقليمية وعالمية، نجحت الدول العربية في التصدي لها، بينما قمة 1988 كانت لدعم فلسطين والانتفاضة الفلسطينية من أرض الجزائر، وفي عام 2005 تمحورت حول إصلاح الجامعة العربية، حيث تعدى إصلاحها الجانب المؤسّساتي، لأنه ما زال التطلع والبحث قائما، بهدف ترسيخ المزيد من التفعيل بالأداء عبر إيجاد آليات أكثر فعالية تسخر لخدمة المصالح العربية. رهان بناء تكتل اقتصادي الذي من شأنه أن يفضي إلى تكامل عربي، في حاجة ماسة إلى سلسلة من الروابط الاقتصادية، ستنعكس إيجابيا على الصعيد السياسي، وبالتالي امتصاص الخلافات وتقريب وجهات النظر، كما أنّ هذا التكتل الاقتصادي كما يراه الخبراء، يعوّل عليه كثيرا في منع التدخلات الأجنبية، لأنه تكتّل يسمح ببناء وحدة اقتصادية عربية، ستحمي العرب من عديد المخاطر المتربصة بمنطقة إستراتيجية غنية بالثروات، لذا يمكن القول إنّ مخرجات القمة تعد مرجعية وجوهرية واستثنائية. استغلال الثّروات لرفاهية الشّعوب لا يخفى بالنسبة إلى الجانب الاقتصادي، أنّ الدول العربية تتوفر على إمكانيات ضخمة من الطاقة على وجه الخصوص، ويقابلها 190 مليون هكتار من الأراضي صالحة للزراعة، غير أنّه المطلوب منها التعاون لتأمين المياه لأنّ الأمن الغذائي مرتبط بالأمن المائي، فيما المخزون المائي العربي لا يتجاوز 7 بالمائة من المخزون العالمي، ولأن قمة الجزائر أثبتت أنّ التكامل الاقتصادي متاح، وينتظر منه الكثير خاصة على صعيد تكريس الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ومن ثم إرساء وتبني حلول جادة للأزمات المختلفة، وأكّدت مرة أخرى أن قمة لمّ الشّمل ووحدة الصف في المتناول، لأن القضية الفلسطينية في قلب كل عربي بداية من القادة إلى غاية الشعوب، باعتبارها عاملا مؤثرا في العلاقات العربية مع بعضها ومع العالم على حد سواء، في حين التكتل الاقتصادي مشروع واعد كبير يفضي إلى نهضة عربية، ويتمثل في مقاربة جديدة للعمل المشترك، ورغم أهمية الملفات الثقيلة والهامة المطروحة جاء التوافق جليا وقويا من القادة العرب، خاصة ما تعلق بالأمن الغذائي والأمن المائي والطاقوي، وينتظر معه الالتفات إلى الاقتصاد الرقمي، وكذا تنمية المورد البشري العربي والعمل العربي المشترك. يمكن على إثر هذه القمة التاريخية، توقع بروز بوادر علاقات اقتصادية عربية جديدة، في ظل تيقن الدول العربية بتحدّيات أسفرت عنها تغيرات دولية، علما أنّه يتوفر في الوطن العربي ما يزيد عن 400 مليون نسمة، ويتواجد بهذه المنطقة ما لا يقل عن 56 بالمائة من النفط، يراهن على استغلال هذه الثروات في الاقتصاديات العربية بهدف انعكاسها على رفاهية الشعوب العربية.