صرّح ضيف الصالون العربي للكتاب الروائي واسيني الأعرج من قصر الثقافة مفدي زكريا، أن الإبداع لا يكمن في قوة الاستكشاف فحسب، بل يتطلّب الكثير من البحث والتنقيب، ويرى بأن الرواية التاريخية لابد أن يكون لها بعدا دراميا، وبما أن الروائي له حجة المخيال، فإنه «يقول ما يريده ولا يحاسب كما يحاسب المؤرخ»، وحسب واسيني، ما يستطيع الكاتب أن يمنحه لا يمكن لغيره أن يمنحه أو يقدّمه للعالم.. تطرّق الروائي واسيني الأعرج في الجلسة الأدبية الموسومة ب»الرواية بوصفها بحثا إبداعيا»، إلى مختلف رواياته لاسيما التاريخية، بما في ذلك عمله غير المكتمل «حيزية»، حيث عرّج - في سياق حديثه - على رحلة البحث الصعبة التي قادته إلى منطقة بسكرة، وما تقصّى فيها من معلومات، ووقف عليه من تضارب في الأقوال والشواهد للعينات التي تركت في مشروعه العديد من التساؤلات، كما تكلّم عن عمله الروائي المخلّد لحياة واحدة من رواد وأعلام النهضة الأدبية البارزة في تاريخ الأدب النسوي العربي في النصف الأول من القرن العشرين، «مي زيادة»، والذي تحوّل إلى عمل درامي كثر الحديث عنه في كواليس الإبداع الفني، يقول واسيني الأعرج. وآثر الروائي واسيني الاعرج الإشارة، خلال هذه الجلسة، إلى مقتطفات من حوار أجراه معه البروفيسور مشري بن خليفة، صدر سنة 1986 بجريدة «المساء»، والذي لا يزال حسبه يصلح لهذا الراهن المعيش، بحيث يحمل قيمة معرفية مستمرة عن الموت، وهل هو هزيمة؟، ليؤكد «أن الكتابة نوع من الانتصار عليه وتجاوزه، كما كان الحال في كل من جائحة كورونا والعشرية السوداء»، موضحا بأن الكتابة بالنسبة إليه وسيلة للحياة، مثلما هو حاصل في رواية «سيدة المقام» التي كتبتها، يقول: «في زمن الإرهاب، حيث كنت حينها أتفادى أي خطر، خوفا على حياتي وحرصا على إنهاء كتابة الرواية، وعندما انتهت كان الانتصار»، مضيفا «كذلك مع كورونا، عندما كتبت عن الطبيبات اللواتي وقفن في وجه الوباء، ومنهن من منحت الحياة لتموت هي مثل «وفاء بوديسة»، الطبيبة بمستشفى عين آزال بولاية سطيف والتي كانت حاملا في الشهر الثامن، لتأتي رائعة «ليليات رمادة» مؤنسة ومقاومة، تنقل الحياة للقارئ من خلال التفاؤل وتخرجه من الظلمة إلى الحلم». الجدل القائم في مرويات حيزية ذكر الروائي واسيني الأعرج ضيف تلميذه البروفيسور مشري بن خليفة الذي أدار الجلسة الأدبية والفكرية، بأنه خلال تنقله لمسقط رأس هذه الشخصية الأسطورية، التقى عجوزا ذات 96 عاما، غيّرت نظرته لهذه القصة الشعبية، علما أنه لم يستسغ ما تعوّد سماعه عن حيزية، «فلقد كانت فارسة ومن عائلة ثورية في منطقة الزيبان، أما سعيد فكان موظفا في الإدارة الفرنسية، وقيل إنه تزوجها، وبعد موتها حكى لبن قيطون الشاعر ما عاشه مع حبيبته»، مضيفا «لكن المنطق يقول، إن لا رجلا يحكي عن علاقته مع زوجته لبن قيطون، خاصة في تلك الفترة، مما يعني أن القصة غامضة».. علاقة واسيني بالأمكنة من جانب آخر ذكر واسيني الأعرج، أن ما دفعه للكتابة عن الأديبة مي زيادة ومأساتها، هو تلك العبارة المؤلمة التي كتبتها قبل موتها، والتي تقول فيها «أتمنى أن يأتي بعدي من ينصفني»، وعليه سعى للبحث عن تفاصيل مأساتها في كل من فلسطين ولبنان، قائلا: «وجدت حبيبها الحقيقي جوزيف الذي دمّرها، ووجدت بيتها بالناصرة ووقفت على شرفتها التي تطلّ على أكبر كنيسة في الشرق، هي كنيسة بشارة، وقبلها الجامع الأبيض، مما ولد فيها التسامح وحب الأديان، وزرت قريتها بضيعة شجتول، مما أكسبها نصوصها الغنائية»، ثم تابع الروائي «زرت العصفورية ببيروت وهي مصحة للأمراض العقلية، ومن هنا جاءت الرواية من أرض الواقع.. مضيفا وكذلك الحال مع الأمير عبد القادر، حين زرت قصر لومبواز شعرت حقيقة بالبرد، وتحسست روائح العفن التي كتب عنها الأمير السجين، والتي مات بسببها أهله المدفونون بذات القصر»، فكلها آثار يقول واسيني الأعرج تتحرّك وتحكي وتتغلغل إلى السرد دون استئذان».