في أوجّ سنوات الثورة التحريرية، ومواجهة لتعتيم الصحافة الكولونيالية، التي حاولت طمس الحقائق وتغليط الرأي العام العالمي حول ما يجري بالجزائر، باعتبار أن قضية الجزائر مسألة أمن داخلية؛ وخاصة بعد حظر الصحف القليلة المتعاطفة مع فكرة الكفاح من أجل الاستقلال، مثل جريدة الجمهورية الجزائرية (المقرّبة من الحزب الشيوعي الجزائري) في سبتمبر 1955، والبصائر (أسبوعية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) في أفريل 1956، كان لابد على جبهة التحرير الوطني البحث عن وسيلة تواصل مع الشعب الجزائري والرأي العام العربي والعالمي، من أجل نقل المعلومة الصحيحة والتصدي للدعاية الاستعمارية المغرضة، والتعريف بأهداف الثورة. في أكتوبر 1955، ظهرت جريدة المقاومة باللغتين العربية والفرنسية، وبعد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956، قرّرت لجنة التنسيق والتنفيذ للثورة إنشاء صحافة حقيقية تعبّر عن أهداف الثورة، وتترجم المساعي السامية التي يهدف إليها الشعب الجزائري. وكان ثمرة هذا القرار ظهور جريدة «المجاهد» التي حملت نفس شعار جريدة المقاومة الجزائرية تقريبا، وبقيت الجريدتان تصدران معا إلى غاية توقّف صدور المقاومة نهائيا في 1957. مواجهة دعاية وتضليل الإعلام الكولونيالي بالفعل كان أول ظهور ليومية «المجاهد»، في جوان 1956 على شكل نشرية خاصة، وفي أوت من السنة نفسها، أخذت شكلها المعروف، واكتسبت صفة الناطق الرسمي والوحيد لجبهة التحرير الوطني وجيشها. طبعت جريدة «المجاهد» في بدايتها في مدينة تطوان بالمغرب، ثم انتقلت بقرار من المجلس الوطني للثورة الجزائرية إلى تونس ابتداء من نوفمبر 1957، وواصلت الصدور من تونس إلى غاية 19 مارس 1962. بعد وقف إطلاق النار، أصبحت تصدر بالجزائر واستقرت بين شهري أفريل وماي بمدينة البليدة لتنتقل نهائيا إلى الجزائر العاصمة. وصدر 91 عددا للجريدة بين جوان 1956 ومارس 1962. التعريف بقضية شعب.. ظهرت صحيفة «المجاهد» لتعرّف بقضية شعب وواقعه اليومي، وإبراز تطورات وانتصارات الثورة التحريرية، لرفع معنويات الجزائريين والمناضلين في الجبهة، وضرب خطط المستعمر الذي كان يمتلك ترسانة إعلامية تمارس شتى أنواع التضليل الواهية، على أنها «قوة لا تقهر»؛ لذا نجد من بين أهم أهداف الجريدة، المساهمة في توعية الجماهير، وتحذيرهم من المؤامرات الفرنسية التي تحاك للنيل من قضيتهم. عملت جريدة «المجاهد» فور صدورها على تبليغ رسالة الثورة للشعب الجزائري، وأيضا للرأي العام الدولي، والشعب الفرنسي، وذلك لمواجهة الهجمات الإعلامية الشرسة والواسعة النطاق، والإمكانيات المادية الضخمة التي جنّدتها السلطات الاستعمارية الفرنسية للتقليل من أهمية ثورة الفاتح نوفمبر 1954 التي يقودها «فلاقة» و»إرهابيون» و»قطاع طرق» مثلما كانت تصفهم أبواق المستعمر. ولم يكن إطلاق اسم «المجاهد» على الجريدة اعتباطيا أو بالصدفة، فقد قصد القادة الذين أشرفوا على إصدارها إطلاق هذه التسمية إثباتا وإقرارا لصفة نبيلة أطلقها الشعب برّمته، منذ الفاتح من نوفمبر 1954، على الأبطال المقاومين الذين حملوا السلاح وسبّلوا أنفسهم من اجل استقلال الجزائر وبسط سيادتها كاملة على إقليمها، دون التفريط في شبر واحد. بطاقة ازدياد.. قال عبد المالك تمام الذي أوكلت إليه مهمة تأسيس جريدة «المجاهد»، وكتابة افتتاحية العدد الأول «بطاقة ازدياد» أنه: «مع تطوّر الثورة، ظهرت الحاجة إلى ناطق رسمي أكثر من أي وقت مضى، إذ لا يمكن ترك الحرب التحريرية بدون ناطق رسمي، ولا يمكن إبقاء جبهة التحرير الوطني خرساء، من أجل هذا كله، كلفتُ بتأسيس صحيفة تستجيب لمتطلبات الثورة». وجاء في افتتاحية العدد الأول من الجريدة المعنون «بطاقة ازدياد»، تحديد واضح لأهداف الجريدة في النص التالي: «ستكون المجاهد اللسان الناطق المأذون له أن يتكلّم باسم جبهة التحرير الوطني، وسيكون المرآة التي تنعكس فيها نشاطات جيش التحرير الوطني. وستتبوأ «المجاهد» مكانتها لتكون سمع الرأي العام وبصره وصوته، ولتزوّد الشعب بالأخبار الحقيقية، فتكون صلة الوصل بينه وبين مجاهدي جيش التحرير الوطني». ومن هنا، أصبحت «المجاهد» سمع الرأي العام وبصره وصوته، عن طريق تزويده بالأخبار الحقيقية، وصارت بمثابة حلقة وصل بين الشعب ورجال المقاومة. قادة وأصدقاء الثورة في رئاسة تحرير «المجاهد» في بداية صدورها، كانت جريدة «المجاهد» تطبع في نسختين عربية وفرنسية.. تداولت أسماء ثقيلة على رئاسة تحرير اليومية، أولهم عبان رمضان، وبعد استشهاده خلفه أحمد بومنجل، وبعد إنشاء الحكومة المؤقتة في 1958، ألحقت بوزارة الأخبار في عهد امحمد يزيد الذي كان من بين الذين قاموا بإعداد وتحرير صحيفة «المجاهد». ومن بين العناصر والأسماء البارزة التي كانت تشرف على إعداد، وتحرير جريدة «المجاهد» باللغة العربية نذكر: إبراهيم مزهودي، عبد الله شريط، محمد الميلي، لمين بشيشي، وعيسى مسعودي. أما الطبعة الناطقة باللغة الفرنسية، فأشرف عليها كل من رضا مالك، فرانز فانون، بيار شولي، زاهير احدادن.. فرانتز فانون يكتب في «المجاهد»: «الاستقلال وزوال الاستعمار» أدّت هذه الصحيفة المناضلة بالقلم والفكر، دورا هاما في نشر الوعي الجماعي ونقل صدى الثورة، وكان لها أثرها السلبي على معنويات المستعمر، خاصة عندما تضمّ من بين أقلامها البارزة فرنسيون أصدقاء للثورة منهم المناضل والمفكر فرانز فانون الذي كان يفضح من خلال مقالاته التي تنشر في الجريدة، العنصرية والاضطهاد اللذين يمارسهما المستعمر الفرنسي ضد الشعب الجزائري، فبعد معايشته للثورة الجزائرية، أدرك فرانز فانون العديد من الحقائق التي تقرّ أن الجزائر دولة مستعمرة، ويحقّ لشعبها العيش في كنف الاستقلال والحرية، لما يعانيه من ظلم ويتجرّعه من أبشع صور للقمع، وهذا ما أثر في فانون وجعله يتخذ موقفا مناهضا لفرنسا. نشر فانون ثلاث مقالات في جريدة «المجاهد»، منها مقال بعنوان «الاستقلال وزوال الاستعمار»، تناول فيه ما جاءت به الثورة الجزائرية، وينفي بحجة إيجابية الاستعمار، كتب: «إن الثورة الجزائرية قد أدخلت عنصرا جديدا في دور معارك التحريرالوطني، وفضح الاستعمار فضيحة كبرى، فالاستعمار، بصفة عامة، استطاع أن يحافظ على نفسه كحقيقة في الوقت الذي ينكره التاريخ، وتنكره الإدارة الوطنية، فليس صحيحا أن فرنسا قد حقّقت عملا جميلا عندما جعلت من الجزائر ما هي عليه اليوم». أداة لتعبئة الرأي العام الداخلي وإقناع العالم بعدالة القضية تزويد الرأي العام الداخلي بالأخبار والمعلومات الصحيحة، لمواجهة مغالطات المستعمر، وسرد مراحل المقاومة الباسلة وانجازاتها ميدانيا، وحتى إخفاقاتها لاستنتاج العبر، هي مجموعة من الأهداف كان يجب الوصول إليها، من جهة، وكذا إقناع الرأي العام الدولي بمصداقية وعدالة القضية الجزائرية، من جهة أخرى. ومن بين أهداف الجريدة أيضا، فضح جرائم العدو أمام العالم والرأي العام الفرنسي، ودحض مخططاته ودعايته المغرضة، وتحصين الجزائريين من الأخبار المغلوطة التي كانت تروّج لها الترسانة الإعلامية للعدو، إلى جانب تبليغ البيانات والبلاغات الصادرة عن قيادة الثورة دون تحريف، وأيضا، ضرورة الحفاظ على المبادئ الجوهرية للثورة، وتعبئة الجماهير من أجل الالتفاف حول جبهة التحرير الوطني وجيشها بغية التحرّر والاستقلال. تحقيقات تفضح جرائم العدو وطرق التعذيب داخل المعتقلات أسهمت جريدة «المجاهد» في إيصال صورة الثورة التحريرية إلى الرأي العام العالمي والداخلي لتصحيح المغالطات التي كانت تبثّها وسائل الإعلام الاستعمارية تشويها لحقيقة ما كان يجري في الجزائر. وشملت هذه الإسهامات نشر تحقيقات حول المعتقلات، وطرق التعذيب التي كانت تمارسها السلطات الاستعمارية كأسلوب ممنهج في استنطاق المعتقلين، وليس كممارسات فردية، كما كانت تدّعيه. ومن بين ما نشرت جريدة «المجاهد» لفضح الأساليب اللاإنسانية للمستعمر، تحقيقات تضمّ شهادات حية لمجاهدين ومعتقلين خضعوا لأفظع وأبشع طرق التعذيب في مراكز العبور والانتقاء والمعتقلات، وأشهرهم مركز الجرف وبني مسوس بالجزائر العاصمة. وكانت الجريدة تكشف الأوضاع الصحية المزرية داخل المحتشدات، بنشر نداءات للرأي العام العالمي، تندّد بانتشار الأمراض والأوبئة داخل محتشدات «الأهالي». وكتب الأسقف بومون في صفحات الجريدة: «لقد رأيت أطفالا تتميز عظامهم تحت البشرة بوضوح.. إنهم أطفال أنهكتنم الحمى والبرد.. لقد رأيتهم يرتجفون من الحمى وهم يفترشون الأرض بدون غطاء.. لقد زرت معتقلات كثيرة لا يوجد فيها أفرشة، وإن وجدت، يتقاسمها حوالي 13 عشر شخصا في خيمة واحدة». وكانت «المجاهد» تنشر تحقيقات عن انتشار الأوبئة والأمراض الفتّاكة مثل السل داخل المحتشدات، بإطلاق نداءات استغاثة عبر صفحاتها موجهة للرأي العام العالمي والعربي خاصة، للتحرّك أمام الهيئات الدولية والإنسانية. وبالفعل كانت تتلقى استجابات وردود فعل ايجابية. ومن داخل باريس نفسها ندّد رئيس هيئة إغاثة الكنيسة بالظروف الاجتماعية والصحية التي قد تؤدي إلى فاجعة (خاصة بمحتشد الدويرة). رد آخر جاء من جنيف، أثناء انعقاد المجلس العالمي للصحة التابع لهيئة الأممالمتحدة، إذ رفع 17 وفدا مشاركا لائحة لرئاسة المؤتمر بخصوص المحتشدات الجزائرية، للتنديد بالظروف المأساوية التي يعيشها المحتشدون، وأغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ، ورفعت مطالب ب: العدول أصلا عن كل عمليات التجمّع العمل بميثاق هيئة الأممالمتحدة إزالة المحتشدات أو مراكز التجميع. إعلام الثورة، وأهمه آنذاك جريدة «المجاهد»، استطاع بفضل إمكانيات بسيطة أن يواجه الماكنة الإعلامية الاستعمارية ودعايتها، وبفضل التخندق مع الثوار في ساحات الوغى، استطاع - رغم ظروف العمل الصعبة – أن يكون العين التي ترصد الأحداث وتفضح الممارسات الشنيعة للمستعمر الفرنسي من جرائم بشعة، وتقتيل جماعي، واعتقالات عشوائية وتعذيب وحجز في محتشدات لا تتوفر على أدنى شروط العيش الكريم، وتعرض الشعب لمخاطر التجارب النووية. نستطيع القول إذن، إن جريدة «المجاهد» كانت إحدى المنافذ التي أطلعت الرأي العام العربي والأجنبي على حقيقة ما كان يجري في الجزائر خلال الثورة، من خروقات وانتهاكات لحقوق الإنسان وللمواثيق الدولية، من دولة كانت تدعي احترام حقوق الإنسان والديمقراطية.
بعض العناوين الكبيرة (مانشيتات) الصادرة في جريدة «المجاهد»: - العدد الأول (جوان 1956) بطاقة ازدياد - العدد 3 (سبتمبر 1956): بداية فصل جديد في ثورة الجزائر - العدد 8 (3 أوت 1957): بيان المجلس التنسيقي والتنفيذي لجبهة التحرير الوطني - العدد 9 (20 أوت 1657): أعضاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية الذين سقطوا في ساحة الشرف. - العدد 10 (1 سبتمبر 1957): الاستقلال الوطني هو الحل الوحيد الممكن. - العدد 14 (15 ديسمبر 1957): الصليب الأحمر الجزائري في مواجهة حرب الجزائر. - العدد 25 ( 13جوان 1958): لا للإدماج.. الاستقلال مهما كان الثمن. - العدد 27 ( 22 جويلية 1958): الثورة العربية. - العدد 28 ( 22 أوت 1958): جبهة التحرير الوطني تتوجّه نحو العمل في الأراضي الفرنسية. - العدد 29 (19 سبتمبر 1958): ميلاد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية - العدد 37 (25 فيفري 1959): وزراء جزائريين في ليبيا. - العدد 55 (16نوفمبر 1959): الجزائريون يحدثون الجزائريين. - العدد 80 (12ماي 1961): الجزائر، انغولا وكوبا.. كفاح مشترك. - العدد 83 (19 جويلية 1961): لا تقسيم، لا فصل… الجزائر ذات سيادة. - العدد 91 (19 مارس 1962): وقف إطلاق النار.. خطوة نحو الاستقلال.