شكّل الإعلام حلقة هامة من حلقات الثورة الجزائرية عبر مراحلها المختلفة، وذلك من خلال إبراز أهدافها الرامية إلى تحقيق الحرية والاستقلال ودحض أكاذيب المستعمر أمام العالم، بالاعتماد على الوسائل المكتوبة والمسموعة داخل الوطن وخارجه، لنقل الأخبار الصحيحة عما يجري، ورفع معنويات الشعب الجزائري، وحثه على الصبر والمشاركة في هذه الحرب العادلة حتى استرجاع السيادة الوطنية. فقد أدرك مفجّرو الثورة وقادتها الدور الهام للإعلام، وعدم الاكتفاء بالسلاح لمحاربة المستعمر، الذي رفض الاعتراف بحق الشعب الجزائري، وشن هجوما إعلاميا شرسا للتشويش على الثورة وضرب مصداقيتها، وذلك من خلال مختلف أجهزة الإعلام والوسائل الدعائية، التي راحت تزرع الشك في نفوس الجزائريين والفرنسيين معا داخل الجزائر وخارجها. كما تفنّنت في إطلاق مختلف الصفات السيئة على الثوار، ونعت المجاهدين ب "الفلاقة"، وهي الأكاذيب التي فنّدها الإعلام الثوري رغم محدودية الوسائل المستعملة آنذاك، والدليل هو الانضمام الكبير إلى صفوف الثورة، وتوسيع عمليات جيش التحرير التي أربكت العدو، الذي حاول من خلال إعلامه التستر على ما يجري وطمأنة الفرنسيين، خاصة المعمرين، على أن الجزائر ستبقى بيدهم ولا خوف على ما اغتصبوه من أملاك. وأمام سلاح الإعلام الفرنسي الذي اعتمد على الصحافة المحلية داخل الجزائر، أدركت الثورة خطورة الإعلام لكسب الحرب، وانتهجت منذ انطلاقها أساليب إعلامية مختلفة لشرح أهداف الثورة وإطلاع الشعب على انتصارات وحدات جيش التحرير، فكانت لها عدة نشريات محلية، منها ‘'الوطن"، "صوت الجبل" و«صدى التيطري"، كما نظمت ندوات في الخارج لإيصال صوتها إلى العالم، الذي أظهر تضامنا واسعا، بالإضافة إلى صحف أخرى كالمجاهد، التي أُسست في 15 جوان 1956 بالقصبة بالعاصمة، وأصبحت منذ ذلك الحين بدور فعال وأساسي في إبلاغ الرأي العام الدولي بحقيقة الثورة، وكذا أداة لتعبئة الرأي العام وتوجيهه في التقاط المعلومات الحقيقية؛ قصد تتبّع مسار الثورة وأخبار الجيش في عملياته ضد قوات العدو، وسرد مراحل العمليات؛ حيث خدمت هذه الصحيفة الثورة أحسن خدمة في مجال التوعية والتوجيه والتعبئة، وكذا في المجال الإعلامي والمعنوي، وحشدت الجزائريين وراء الثورة. "بيان أول نوفمبر".. أول عمل إعلامي يعلن عن ميلاد الثورة وفي هذا الصدد، أثنى الدكتور أحمد حمدي عميد كلية الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر في لقاء خص به "المساء"، على الدور الذي لعبه الإعلام في اندلاع الثورة التحريرية والترويج لها لتحقيق الاستقلال، واسترجاع الحرية التي سلبها المستعمر الفرنسي، الذي استعمل كل الوسائل لوأد الثورة في المهد، مؤكدا على أهمية الإعلام الثوري والدعائي الذي اعتُمد إبان الثورة لتوحيد الشعب الجزائري تحت قيادة جبهة التحرير الوطني؛ حيث تمكن هذا الإعلام رغم الوسائل المحدودة آنذاك، من كشف الحقيقة وتعرية المستعمر وإفشاله، وكسب التأييد الدولي لتحقيق الهدف من الثورة. وأشار المتحدث إلى أن الثورة الجزائرية أدركت منذ اندلاعها، دور الإعلام في مواجهة الاستعمار الفرنسي؛ حيث جعلته أحد الوسائل الرئيسة في مواجهة أعتى قوة استعمارية إلى جانب قوة السلاح. والدليل على ذلك توظيف مختلف وسائل الإعلام والدعاية، سواء منها التقليدية كالصحف والنشريات والمواثيق أو الحصص الإذاعية التي كانت تذاع في الدول الصديقة والشقيقة، لدحض أكاذيب المستعمر، الذي أخضع جميع وسائل الإعلام آنذاك لقوانينه، وتنوير الشعب الجزائري واستمالة الرأي العام الفرنسي والعالمي لقضية الثورة الجزائرية العادلة، التي كان الإعلام الفرنسي يقلّل من شأنها. ويُعد "بيان أول نوفمبر" مثلما ذكر المتحدث، أول عمل إعلامي يعلن عن ميلاد الثورة الجزائرية، ويتوجه إلى الجماهير الجزائرية ليخاطبها بلغة الثورة والتحرر. واستطاع اختراق إعلام الاستعمار بنجاح منذ إعلان جبهة التحرير الوطني، ومن خلاله عن انطلاق الثورة، وإبلاغ المواطنين بحقيقة ما يجري من عمل مسلح ضد العدو، وضرورة الالتفاف حول الثورة من أجل التحرر والاستقلال. كما عمل الإعلام الثوري على تحصين الجزائريين من الإعلام الاستعماري، والرد عليه ودحض دعاياته، مستعملا كل الوسائل المتاحة. واعتبر الدكتور حمدي أن بيان أول نوفمبر وبالإضافة إلى كونه أول عمل إعلامي استعمل خلال الثورة، شكل من أشكال فنيات التحرير في الإعلام المنشور أو الخبر أو الروبورتاج، حيث تم إصداره وطبعه، ثم توزيعه، وتمثل هذه المراحل الثلاث صلب العمل الإعلامي؛ إذ بمجرد الإعلان عن الثورة وإصدار بيان أول نوفمبر، كانت ردود الأفعال الاستعمارية متكالبة ومزورة للحقائق، وأعطت معلومات غير صحيحة من خلال البيان الذي أعلنه الحاكم العام للجزائر في ذلك الوقت، والذي أصدر بيانا صبيحة أول نوفمبر، يعلن فيه أن هناك مجموعة من الفلاقة قاموا بهذا العمل. كما أصدر وزير الداخلية فرانسوا ميتران آنذاك، بيانا آخر في باريس، يصب في نفس المنحى، وهو ما يسمى برد الفعل الاستعماري على بيان أول نوفمبر، حيث تكالبت الصحف خاصة الكولونيالية وصحافة الأقدام السوداء في الجزائر، وراحت تكيل الاتهامات لرجال أول نوفمبر. وقد كان لتوزيع بيان أول نوفمبر ثم في الإذاعات العربية الصديقة والشقيقة مثل إذاعة تونس، صوت العرب من القاهرة والمغرب وغيرها - حسب المتحدث - صدى كبير في الأوساط الدولية والوطنية، غير أن قادة الثورة كانوا في حاجة ماسة إلى إعلام ثوري؛ "لأن الإعلام الذي كان في الجزائر كان يسير وفقا للقوانين الاستعمارية"، لكن إعلان جبهة التحرير جاء وفقا للمبادئ الثورية. وفي منتصف سنة 1955 وبعد ستة أشهر من اندلاع الثورة، أُسست عدة منشورات في مناطق مختلفة مثل التيطري، الأوراس، الشمال القسنطيني وغيرها، وهي صحف ناطقة باسم الثورة، توزَّع للترويج وشرح مبادئ الثورة وأهدافها، حيث واصل ممثلو الثورة الحرب الإعلامية وإطلاق التصريحات الرسمية التي كانوا يدلون بها، فضلا عن استغلال وسائل الإعلام في البلدان الشقيقة ليبيا، تونس، مصر، المغرب وغيرها، والصديقة مثل المجر، التي كانت تقدم من عاصمتها بودابست برنامجا إذاعيا بعنوان "صوت الاستقلال والحرية"، وذلك للرد السريع على الحرب النفسية والدعائية التي كان يقوم بها المستمعر، الذي وجد إعلاما ثوريا قويا تطور في أكتوبر سنة 1955، التي أُسست فيها - حسبما ذكر الدكتور أحمد حمدي - حصص في الإذاعات العربية، مثل إذاعة صوت العرب بالقاهرة أو تونس أو صوت الجزائر من بغداد بالعراق، وصوت الجزائر من ليبيا، لإيصال صوت الثورة، فضلا عن جريدة المقاومة الجزائرية في نفس التاريخ، والتي كانت تُطبع في ثلاث نسخ في تونسوفرنسا، وأخرى في المغرب، وتختلف عن بعضها البعض، واستمرت إلى انعقاد مؤتمر الصومام. الدعاية لشرح مبادئ الثورة والدعوة إليها وقد خُصص في أرضية مؤتمر الصومام المنعقد في 20 أوت 1956، فصل خاص حول الإعلام بعنوان الدعاية، حيث لم تكن جبهة التحرير الوطني تنظر للدعاية بالمفهوم السلبي الذي نراه اليوم، وإنما كشكل من أشكال الدعوة وشرح مبادئ الثورة، وتدعو الجزائريين إلى الانضمام إليها لتحرير وطنهم. كما صدر ضمن مبادئ مؤتمر الصومام أيضا قرار إغلاق كل وسائل الإعلام والجرائد الناطقة باسم جبهة التحرير التي كانت تصدر بالمناطق، وتعويضها بيومية "المجاهد"، التي تأسست في 15 جوان 1956 بقصبة العاصمة، واعتمادها لسانا واحدا للثورة، حيث صدر منها ستة أعداد، بينما العدد السابع دُمر في معركة الجزائر، مما اضطرهم لإصدار العدد الثامن، منها في تيطوان بالمغرب، حيث استمرت الصحيفة في الصدور ابتداء من العدد العاشر في تونس إلى أن استقلت الجزائر. وحسب الدكتور حمدي، فإن الثورة الجزائرية لجأت إلى استعمال القوة مرغمة، حيث كانت بدايتها سلمية من خلال الاعتماد على الإعلام في الدعوة إلى الحوار واستقلال الجزائر، غير أنها جعلت كل الوسائل مشروعة بسبب عدم استجابة فرنسا لمطالبها. وساهم الإعلام مساهمة كبيرة في الثورة وتجنيد الشعب الجزائري؛ سواء من خلال الإعلام المكتوب أو المسموع، حيث إن أكبر مادة إعلامية تجاوزت 500 مادة نُشرت في إطار الدبلوماسية والحوار؛ مما يؤكد أن الثورة الجزائرية كانت ثورة حوار وثورة أفكار ولم تكن ثورة سلاح ضد المستعمر الفرنسي، الذي عمل كل ما في وسعه لتجهيل الشعب الجزائري وإبعاده عن الإعلام، الذي كانت أول وسيلة له - حسب المتحدث - جريدة "المبشر" الصادرة في 1847، التي جعلت الجزائريين ينفرون من الإعلام؛ لأنه كان إعلام تبشير وتنصير، غير أنهم اكتشفوا بعد اندلاع الثورة، أهمية الصحافة بعد إذاعة حصص من الدول العربية الشقيقة، كوسيلة لتنوير الرأي العام العربي والجزائري حول الثورة، حيث استعمل الجزائريون الصحافة في فترة المقاومة السياسية على الخصوص رغم محاربة الاستعمار لها في كل الفترات، ومنها الإذاعة، التي تعتمد على الصوت ومخاطبة الناس بطريقة مباشرة؛ ما جعلها ذات أثر كبير في نفوس الجزائريين. صحف أخرى خلال الثورة وإلى جانب جريدة "المجاهد"، صدرت صحف أخرى خلال فترات مختلفة من الثورة، منها جريدة "العامل الجزائري" لسان حال الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وجريدة "الشباب الجزائري" لسان شباب جبهة التحرير الوطني، والنشرات المختلفة التي كانت تصدرها الولايات داخل الجزائر، وكذلك النشرات التي أصدرها اتحاد الطلبة الجزائريين. وكانت وزارة الأخبار تصدر نشرة سياسية نصف شهرية باللغتين العربية والفرنسية، في 12 صفحة، يمكن اعتبارها صورة مصغرة من "المجاهد". كما صدرت في شهور مارس وماي وجوان 1960 نشرة شهرية تشمل أهم التعليقات والأشعار والأخبار التي كانت تذاع في "صوت الجزائر" في إذاعة تونس. وكانت بعض النشرات والمطبوعات السياسية التي أصدرتها وزارة الأخبار في بعض المناسبات السياسية، لتوضيح بعض جوانب الحرب التحريرية أو الرد على الدعايات الفرنسية مثل الثورة الجزائرية، تحرير الجزائر، إفريقيا تتحرر وإفريقيا في طريقها إلى التوحد؛ حيث طُبعت هذه النشرات الثلاث في جانفي 1960 بمناسبة المؤتمر الثاني للشعوب الإفريقية، بالإضافة إلى نشرات أخرى على غرار "معسكرات التعذيب" في أكتوبر 1960، "عبر ولاية الجزائر" في مارس 1960، "الجميع جزائريون" في مارس 1961 و«صحراء الجزائر" في أوت 1961. وزارة الأخبار لدى الحكومة المؤقتة منذ 1958 بعد تشكيل الحكومة المؤقتة في سبتمبر 1958، أصبحت فيها وزارة سميت ب "وزارة الأخبار"، التي تتولى مهمة الدعاية والإعلام، وهي مسؤولة عن كل ما يتعلق بالعمل الإعلامي للثورة من إصدار النشرات السياسية، وعقد المؤتمرات الصحفية للرد على الدعايات الفرنسية المغرضة، كما كانت تشرف على وسائل الإعلام الأخرى مثل مكاتب الإعلام الخارجي، وجريدة "المجاهد" والإذاعة ولجان الدعاية الداخلية. وقامت الوزارة بإنشاء قسم للسينما في سنة 1959، وأسست "الوكالة الجزائرية للأنباء" سنة 1961، وأنشأت مكتبا للوثائق والمعلومات، يقوم بجمع ما يُكتب عن القضية الجزائرية في الصحافة العالمية، وإبلاغ وزير الأخبار أثناء تنقلاته بملخص عما كتبته الصحافة العالمية عن القضية، وذلك فضلا عن مكاتب الإعلام في الخارج، والذي فُتح أوّلها في القاهرة سنة 1955، ثم فتحت مكاتب أخرى في بعض البلدان العربية؛ في دمشق وبيروت وجدة وعمان وطرابلس، أما تونس والمغرب فقد فُتح بهما مكاتب بعد استقلالهما سنة 1956. وفي مارس من نفس السنة فتحت جبهة التحرير مكتبها الإعلامي في نيويورك. وفي أفريل وماي 1956 فتحت مكاتب جديدة في جاكرتا ونيودلهي وكراتشي. وفي 1957 فتحت مكاتب في براغ، موسكو، بكين، بلغراد. وفي أمريكا اللاتينية فتحت مكاتب إعلامية في البرازيل والأرجنتين؛ حيث تمكنت جبهة التحرير من تحدي الدعايات الفرنسية أمام الرأي العام الأوربي، وفتحت مكاتب إعلامية في لندن واستكهولم وروما وبون وجنيف خلال سنة 1958، وأخرى بدول إفريقية حصلت على استقلالها على غرار أكرا وبماكو؛ حيث كانت مكاتب الإعلام تقوم بتوزيع جريدة "المجاهد" والنشرات والتصريحات الرسمية، وتشرف على إعداد التعليقات التي تذاع في الإذاعة، وتتلقى الأخبار العسكرية وتقوم بتوزيعها على الصحف المحلية، وتقوم بإعداد نشرة يومية عن تطورات القضية الجزائرية وتوزيعها على الصحف والسفارات؛ فقد شكلت مناشير الثورة ووسائل الإعلام مهما كانت بسيطة، أسلوبا هاما للتأثير السياسي والمعنوي على الجماهير، حيث كانت تنطلق دائما في تحليلات وتعليقات من مبدأ أن التفاف الجماهير حول الثورة هو الوسيلة الوحيدة لتمكينها من تحقيق النصر؛ بحيث أصبحت الجماهير مقتنعة بضرورة دحر العدو من أجل النصر أو الاستشهاد.