كان زلزالا قبل الزلزال، رغم أنه لم يزلزل أركان النخوة العربية ولم يحرّك فيها أية خليّة من خلاياها الميّتة، وذلك عندما اجتاحت مشاهد الخيام وهي تعانق الثلوج عناقا قارصا في مخيمات الشمال السوري، ونحن الفلسطينييون أشدّ الناس تأثّرا لأننا مررنا بمثل ما مرّوا به وحيث كان محفورا في ذاكرة آبائنا ويشكّل معلما وطريقة تأريخ لتلك الأيام القاسية، فكانوا يقولون مثلا "سنة الأربع ثلجات"، كانت أيام المخيمات الفلسطينية وهي خيام، أياما قاسية وشديدة الألم، لم تكن الجراح النفسية قد برأت ولن تبرأ أبدا، ولكن الجرح كان غضّا طريّا ولم تكون النفوس قد تهيأت أو تدجّنت على الظروف شديدة القهر والقسوة وتجرّع المرارة والالم. ولا داعي للتذكير بمظاهر البذخ العربي والانفاق حسب أولويات أصحاب النفوذ والسلطان ومن لفّ لفيفهم فأخبار هذه المصائب لا تعدّ ولا تحصى، لقد مللنا وملّ الناس من الحديث عن المترفين وأحوالهم، لم يجد الحديث معهم وعنهم شيئا، بقي المترفون على حالهم وبقي التعساء على أحوالهم، لا نفع مال قارون قارون ولا نفع شعبه بل كان وبالا عليهم جميعا. كان بالإمكان تسيير قوافل المساعدات وكان بالإمكان تركيب أرجل للنخوة العربية كي تصل هناك، بقيت النخوة "مشلولة" وبقيت المشاعر الإنسانية لا ترتقي لتسيير القوافل، البرد عدوّ قاتل والثلج لا يذيب الحياء من وجوه مترفي هذه الامّة دول وحكومات وأغنياء بل يعطيه القدرة على التيبّس والثبات. ثم جاء الزلزال الذي أصاب تركيا وأصاب الشمال السوري ليزيد من الطين بلّة ولعلّه يزلزل ضمائرنا فتنهض لأداء واجبها.. سبحان الله لا تجمعنا هذه الأيام الا الكوارث والمصائب والمزلزلات. بعيدا بعيدا عن السياسة فإن الذين يتضوّرون جوعا وبردا هم نساء وأطفال وبشر مثلنا، اعتقد أنهم يشعرون بالبرد إن فقدوا وسائل التدفئة، ويشعرون بالجوع إن لم يجدوا ما يسدّ صراخ امعائهم، بيوتهم تهزّها الرياح العاتية وعرضة لأن تطيّرها العاصفة القادمة بسرعة مائة كيلو متر في الساعة، للأسف هي قادرة على أن تقتلع الخيام من أوتادها لكنها عاجزة عن هزّ قلبونا الغليظة الراسية في منافي العجز والكسل والقدرة العالية على الهروب من رؤية واقع تعيس صنعناه بأيدينا وأيدي الفاسدين والمجرمين. لا بدّ وأن يزلزل أركان المترفين من أمتنا حكومات وأغنياء، ذاك الزلزال الذي أضاف ما أضاف من ويلات ودمار على المخيمات السورية، فالبرد قاتل والجوع ماحق وما بين ابتسامة الثعالب السياسية في المنطقة وعبوسة الذين لا يعرفون إلا لغة الدم والقتل والدمار تفنى الشعوب.