تفرّقت نسبة ال55 بالمائة، بين متغيبين و"مقاطعين" وعدم مكترثين ويائسين وغير مهتمين بالانتخابات، فلماذا لم يشارك ما لا يقلّ عن 12 مليون جزائري في انتخابات محلية، اعتقدت الطبقة السياسية، أنها ستكون أقوى من تشريعيات العاشر ماي، التي سجلت نفس الأرقام والنتائج تقريبا، فمن يتحمل المسؤولية، وكيف ب52 حزبا، بينها الكبير والصغير والقديم والجديد، لم تنجح في كسر الطابو وإغراء وإقناع "الأغلبية الصامتة"؟ في قراءة أولية لنتائج محليات 29 نوفمبر 2012، فإن نسبة المشاركة مازالت الرهان الذي تفشل فيه في كلّ مرّة السلطة والمعارضة معا، فقد تأكد الآن، أن عدد الأحزاب، لا يعني شيئا بالنسبة للهيئة الناخبة، مثلما لا يعني دخول أحزاب المعارضة الانتخابات، رفع نسبة المشاركة. فما هي أسباب هذا الإخفاق المتكرّر، وهل ستفتح الجهات المعنية تحقيقا في دواعي التغيب مثل ما تحدث عنه وزير الداخلية قبيل المحليات؟ تحقيق في نسبة وهوية ال55 بالمائة ترى أوساط مراقبة، أنه من الضروري والمفيد، فتح تحريات جدية، لوضع النقاط على الحروف الانتخابية، ووضع اليد على الجرح، فعندما تصرّ نسبة 55 بالمائة على عدم المشاركة في التشريعيات ثم المحليات، حتى وإن كانت هذه النسبة تتطابق مع نماذج وتجارب بعض الدول في الانتخابات، لكن الذي يتكرر مع المواعيد الانتخابية في الجزائر، يستدعي وقفة سياسية شجاعة، سواء من طرف السلطة أو الأحزاب الموالية والمعارضة كذلك، حتى لا يتمّ الاستثمار في هذه الأرقام بطرق تحايلية من طرف صيّادي الفرص وتجار المحن. لقد أصبحت حسب ما يسجله مراقبون، الأرقام متطابقة والنتائج متشابهة، في كلّ انتخابات، ولعلّ المؤشر المثير، هو فشل عشرات الأحزاب بقديمها وجديدها، في التأثير على الكتلة الناخبة، واستدراج المتغيبين، رغم تعدد الأحزاب وتجدد المترشحين وتبدّد الكثير من الممارسات السابقة، فلماذا تحتفظ كتلة عدم المكترثين بنفس أرقامها؟ يُلاحظ أن أرقام المحليات، مثلها مثل التشريعيات تقريبا، باستثناء تغيرات طفيفة، مازال المناضلون في الأحزاب الكبيرة تحديدا، هم من يصنعون الأرقام والفارق في ترتيب النتائج، فالأفلان باعتباره "عميد" الأحزاب، لم يتدحرج وظل مسيطرا على "العرش"، وإن كان قد لجأ مؤخرا إلى استعمال حيّل انتخابية، مكنته من "التجدّد" من خلال ترشيح وجوه لم تملك أبدا بطاقة انخراط في صفوفه، لكن الأفلان برّر خياره التكتيكي بمبدأ "الغاية تبرّر الوسيلة"، والغاية هنا الاحتفاظ بالمرتبة الأولى، أو بالأغلبية، وتفويت الفرصة على "حركة التأصيل"! الأفلان "جنانها ما يطيبش".. والإسلاميون "كلاو ضروسهم" الأفلان يكون برأي متابعين، قد نجح في "تغيير جلده"، وحمايته لكتلته النضالية والمناصرة الثابتة، حتى وإن فشل في كسب مؤيدين جُدد من خارج دائرة "أذيال" مرشحيه "المستوردين" والمهرّبين من أحزاب أخرى، وهذا عكس الأرندي على سبيل المثال، الذي وإن احتفظ بمراتبه اللصيقة بالأفلان، إلاّ انه ضيع مناضلين وموالين لأسباب داخلية مرتبطة بمعاقبة عدد من المنتخبين السابقين، وأخرى خارجية لها صلة بتشويش "الحركة التصحيحية" وتنفير أتباعها والتأثير بأفكارها من قيادة الحزب تحديدا. لعلّ أكبر خاسر في التشريعيات، ثم المحليات، هي الأحزاب الإسلامية، التي فشلت في استغلال صعود الإسلاميين ببلدان عربية، وقد عجز "إسلاميو الجزائر" عن افتكاك الريادة، أو على الأقل الاحتفاظ بالمراتب السابقة، رغم تحالفهم وتجمعهم في تكتل أسموه بالأخضر (حمس، النهضة، الإصلاح)، لكنه حصد أرقاما هزلية، في ظل "مقاطعة" بعض أطياف التيار الإسلامي للانتخابات، وموازاة مع امتناع المشاركين عن دخول الانتخابات في كل المجالس. بعيدا، عن هذه الأحزاب "المؤثرة"، فإن نتائج المحليات، كشفت أن الأحزاب الجديدة التي دخلت الانتخابات، مازالت غير قادرة على التأثير، أو تغيير المشهد الانتخابي، وقد تبرّر هذا الإخفاق، بنقص التجربة وعمرها القصير، وإن كان أغلب مؤسسي هذه التشكيلات، هم مناضلون ونشطاء سياسيون سابقون في أحزاب تحصلت على اعتمادها بداية التسعينات، لكنهم غادروها إمّا متمردين أو مطرودين أو باحثين عن غنائم في مصادر أخرى! فشل المعارضين وانتصار الانتهازيين والمتجوّلين رقم جديد توفر في معادلة المحليات، هو مشاركة بعض أحزاب "المعارضة"، بينها الأفافاس والأرسيدي، وغيرهما من "المعارضين" الأقلّ درجة، مثل حزب العمال والأفانا، لكن هؤلاء لم ينجحوا بدورهم في مهمة توسيع نسبة المشاركة وتحريرها من الأرقام "المتوقعة مسبقا"، وهو ما يستدعي بالفعل البحث العميق والدقيق في دوافع عدم الاهتمام بالمشاركة في الانتخابات. في ظلّ هذه المعطيات والمتغيّرات و"الثوابت"، تسجل أوساط متابعة للشأن الانتخابي، أن نسبة ال45 بالمائة، المشاركة في المحليات، تضمّ أيضا كتلة انتخابية تمثل بالدرجة الأولى، انتهازيين ووصوليين وطمّاعين، تعوّدوا وشابوا على مرافقة قوائم حزبية معيّنة أو مترشحين بأعينهم، وهم جزء من بعض الحاشية وأفراد العائلة والأصدقاء والجيران و"أصحاب المصلحة"، هدفهم فوز "مرشحهم" مهما كان حزبه وانتماؤه، من أجل تحقيق مصلحة شخصية وفردية وعائلية وتوفير حصانة افتراضية، لا علاقة لها لا بالنضال أو التحزب أو الولاء للأحزاب والأشخاص! الولاء للعروشية والحاشية يهزم الوفاء للنضال والأحزاب وينبغي الإشارة أيضا، إلى أن شريحة وسط ال45 بالمائة المشاركة في المحليات، صوّتت لصالح مرشحين معيّنين، ولم تنتخب أو تختار الأحزاب التي ترشحوا ضمن قوائمها، علما أن الاختيار في المحليات، غالبا ما يكون وفقا لحسابات وحساسيات جهوية وعروشية وشخصية، إضافة إلى ولوج نوع من الناخبين إلى اختيار الكفاءة والنزاهة والأخلاق والسيرة الذاتية والمستوى التعليمي والخبرة والتجربة، من خلال التصويت لمترشح أو قائمة محددة. لكن، من البديهي، أن ترسم علامات استفهام وتعجب أمام نسبة 55 بالمائة، التي "لم تسمع" بالتشريعيات والمحليات، والمستقيلة من الفعل الانتخابي، والمتنازلة عن حقها وواجبها الدستوري، وأيّ موقف ستتخذه مع الرئاسيات المقبلة، وهل هذه النسبة عاقبت بالجملة والتجزئة، المترشحين للبلديات بسبب تجاوزات وخروقات الأميار والمنتخبين المنقضية عهدتهم؟ و"كرهت" الانتخابات بسبب النصب والكذب والوعود الكاذبة، فمن بمقدوره ردّ الثقة للأغلبية الصامتة وإقناعها بجدوى اختيار ممثليها عبر المجالس المنتخبة؟