رغم استدعاء الهيئة الناخبة وتحديد موعد إجراء الانتخابات وتغيير الحكومة بأخرى قديمة جديدة، لكن لا حركية سياسية في البلاد، ما يعطي الانطباع بأن صدمة نتائج التشريعيات الماضية ضربت معنويات الأحزاب، وأفقدتها الشهية في السباق نحو المحليات. وزادت التعقيدات القانونية والإدارية بشأن قوائم المرشحين، واستمرار هاجس التزوير، وفقدان الثقة في ضمانات السلطة، من الجمود بالرغم من إطلاق وزارة الداخلية لكم هائل من الأحزاب الجديدة، من باب تحريك المياه الحزبية الراكدة، غير أنها لم تحمل أي أكسجين ولا دم جديد، ما جعل أغلبها مجرد أرقام قد تصعب على الناخبين اختيار المرشحين يوم الاقتراع. وإذا كانت الخريطة السياسية تعج بالأحزاب من كل الألوان، ومن دونها، إلا أنها لم تنجح في تقريب السياسة من المواطن، ولا في استرجاع الثقة في السياسيين، وهو وزر تتحمله السلطة أولا، والأحزاب ثانيا. رغم ترخيص الداخلية لدخول تشكيلات جديدة السباق مقصلة 7 بالمائة تسد الشهية في الانتخابات المحلية سيرتفع عدد التشكيلات الحزبية التي ستشارك في الانتخابات المحلية ليوم 29 نوفمبر مقارنة بالتشريعيات الماضية، بعد ترخيص وزارة الداخلية لمجموعة أخرى جديدة من الأحزاب. غير أن هذا الانفتاح على الأحزاب، الذي لجأت إليه السلطة بعد سنوات من الغلق، لم يضف أي حركية للحياة السياسية في البلاد، وذلك قبل شهرين فقط عن موعد إجراء انتخابات ''هامة'' محليا. لم يحدث تحديد موعد الانتخابات المحلية واستدعاء الهيئة الناخبة أي ''رجة'' في طريقة نشاط الأحزاب السياسية، ولم تغير في درجة البرودة التي ألمت بها، منذ تاريخ الإعلان عن نتائج التشريعيات السابقة. وباستثناء الحراك الجاري وسط بعض الأحزاب التي شهدت تصدعات وانشقاقات وصعود معارضين لقياداتها، كما هو الحال في الأفالان مع الحركة التقويمية، أو الأرندي مع لجنة إنقاذ الحزب، أو في حمس مع تداعيات خروج الوزير عمار غول لتأسيس حزب جديد، فإن الركود يخيم على الساحة الحزبية، وكأن البلاد أمام سنة بيضاء لا توجد بها أي استحقاقات انتخابية أو سياسية. يحدث هذا رغم أن السنة الجارية والمقبلة مبرمج فيها مواعيد هامة، تخص إجراء الانتخابات المحلية في نوفمبر وموعد التجديد النصفي لمجلس الأمة في شهر ديسمبر، والتعديل الدستوري في العام الجديد. كل هذه المواعيد، التي توصف ب''الاستحقاقات الهامة'' في أجندة الأحزاب السياسية، لحد الآن لم تفتح ''الشهية'' وسط الطبقة السياسية، التي تمر بحالة من الشلل واليأس، دفعت مبكرا جبهة العدالة والتنمية لجاب الله إلى رمي المنشفة وإدارة ظهرها للسباق الانتخابي، وجعلت أحزاب أخرى تعتمد سياسة ''الترقب'' إلى حين وضوح الخيط الأبيض من الأسود بشأن حسابات الربح والخسارة من دخول موعد انتخابي جديد لم تندمل الجراح التي أوقعها سابقه خلال تشريعيات ماي الفارط، حيث أصيبت العديد منها بصدمة كهربائية، كانت وراء تأكيد زعيم حركة حمس في سكيكدة ''أن الورقة البيضاء، التي يمكن أن تغير الموازين من داخل الصندوق فقدت قيمتها في الجزائر وأصبحت عملة مزيفة''، متسائلا، في إشارة إلى السلطة، ''فماذا سيقولون للناس يوم 29 نوفمبر، أو قبل ذلك في الحملة؟''، وهي تصريحات تعبّر عن درجة المعنويات المنحطة لدى حزب فاز بقرابة 50 مقعدا في التشريعيات ولم يخرج صفر اليدين منها، كما هو حال الأغلبية الساحقة من الأحزاب الجديدة. وما يزيد في حالة الجمود أن مقصلة قانون الانتخابات، التي كانت نسبة 5 بالمائة من الأصوات في التشريعيات، قد أخرجت عشرات الأحزاب من اللعبة الانتخابية، رفع سقفها إلى 7 بالمائة في موعد 29 نوفمبر المقبل، ما يعني أن مزيدا من الرؤوس الحزبية مرشحة للسقوط الحر دون الفوز بأي مقعد في ال1541 مجلس بلدي وال48 مجلسا ولائيا، وبالتالي ستكون مشاركتها مجرد ديكور لا غير. ولم تتفطن الأحزاب لهذه المعضلة سوى بعدما حدث لها في التشريعيات، حيث خرجت أحزاب بعدها تدعو السلطة لمراجعة هذه النسبة، وهو أمر صعب المنال، بالنظر لكون قانون الانتخابات لم يمر على تعديله سوى أقل من عام، ما يصعب تعديله مجددا، وهذا ما أوقع الأحزاب، خصوصا الجديدة، أمام حالة ''الانتحار'' في دخول المحليات أو مقاطعتها. الجزائر: ح. سليمان
تكليف سلال بتنظيم الانتخابات أقصى ما قدمته السلطة كضمانات فتور داخل الأحزاب بشأن المحليات بعد صدمة التشريعيات موازاة مع احتفاظها بوزير الداخلية، دحو ولد قابلية، الذي انتقدته الأحزاب على تنظيمه للتشريعيات الأخيرة، التي وصفتها ب''المزورة''، قامت السلطة بتعيين وزير أول يوصف ب''التكنوقراطي'' لسحب البساط من تحت أقدام المعارضة، التي لجأت مرارا للضغط بورقة مطلب ''حكومة محايدة'' على السلطة لدفعها لتقديم تنازلات سياسية. بلجوء رئيس الجمهورية إلى تغيير الحكومة، غداة استدعاء الهيئة الانتخابية، تكون السلطة قد أرسلت رسالة إلى الطبقة السياسية، خصوصا المعارضة منها، بأن أقصى ما تقدمه كضمانات إضافية، بشأن تنظيم الانتخابات المحلية المقبلة، هو تعيين عبد المالك سلال كوزير غير متحزب على رأس الوزارة الأولى، وإسناد حقيبة وزارة الاتصال إلى الوزير محند السعيد، رئيس حزب معارض. وأرادت السلطة أن تتفادى الانتقادات التي تسببت لها في عدة متاعب، خصوصا مع الخارج، في ماي الفارط، قبل تنظيم التشريعيات السابقة، عندما صعدت أحزاب المعارضة، على غرار تكتل الجزائر الخضراء والجبهة الوطنية الجزائرية، وكذا الأحزاب الجديدة، من لهجتها، مطالبة بتعيين حكومة ''محايدة'' للإشراف على تنظيم الانتخابات، وفتح الإعلام الثقيل أمام المعارضة. ورغم أن تقرير اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات، وكذا تقرير مراقبي الاتحاد الأوروبي، قد أوصى بضرورة مراجعة عدة تدابير قانونية لضمان شفافية الاقتراع، وذلك على ضوء الملاحظات التي سجلتها الأحزاب، ودونها الملاحظون في الميدان في مراكز الانتخاب، غير أن تجديد الثقة في وزير الداخلية، دحو ولد قابلية، في الحكومة الجديدة لا يفهم منه سوى أن السلطة أغلقت ملف الضمانات الانتخابية، وكل ما تطرحه قيادات الأحزاب من مطالب هو خارج مجال اهتماماتها، وبالتالي إبقاء الوضع عما كان عليه في التشريعيات الماضية. وكان تقرير اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات التشريعية، قد طالب بصلاحيات أكبر لهذه الهيئة ''تتشكل من أحزاب وقضاة وإدارة''. كما طالبت ب''مراجعة قانون الانتخابات واستعمال ورقة التصويت الواحدة وغيرها''، وهي مطالب لم ترد عليها السلطة. وتكون هذه المعطيات وراء حالة الجمود التي تخيم وسط الأحزاب، خصوصا الجديدة منها، إذ زيادة على معركة إيجاد 18 ألف مرشح لتغطية قوائم المرشحين للمجالس البلدية والولائية، فإن القيود التي فرضها قانون تمثيل المرأة جعل أغلبية التشكيلات السياسية غارقة في البحث عن ضمانات تضمن بها تمرير قوائم مرشحيها للمحليات، عند مرورها على ''غربال'' وزارة الداخلية، أكثر من سعيها للبحث على ضمانات قانونية لشفافية الاقتراع المقبل. الجزائر: ح. سليمان
حوار
نائب رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الغفور سعدي ''السلطة زوّرت إرادة الشعب في التشريعيات لذلك ندعوه إلى مقاطعة المحليات''
الانتخابات المحلية المرتقبة لا تثير أي حراك في البلاد، لماذا برأيك؟ الانتخابات الحرة والنزيهة ينظر إليها في الأنظمة الديمقراطية على أنها الوسيلة المثلى الموضوعة للاختيار بين البرامج والرجال، في ظل أجواء التنافس النزيه والإدارة والجيش المحايدين والإعلام الموضوعي والقضاء المستقل. لا شك أن هذه الصورة المشرقة للانتخابات مغرية جدا. لكن للأسف، فإن هذا الذي يحدث في الغرب حتى أضحى ثقافة وتقليدا، يحدث عكسه تماما عندنا، لأن أصحاب القرار والسلطة يستعملون الانتخابات كأداة تشكل ديكورا لديمقراطية مظهرية، لا يسمح فيها إلا بإعادة إنتاج نفس النظام الاستبدادي، في ظل حرص مستميت على الحفاظ على مصالحهم غير المشروعة، لأنهم يرون في أنفسهم أوصياء على هذا الشعب. ولذلك لا غرابة ألا تحدث الانتخابات المحلية المقبلة، وأي انتخابات تليها، أي حراك في الشارع، لأن الشعب الجزائري تواق لإحداث تغيير حقيقي للنظام ورجاله، لذلك قاطع الانتخابات الماضية آملا أن تستوعب السلطة الدرس، لكنها زورت إرادته بمختلف طرق وفنون التزوير. وأمام هذا الوضع فهو يدشن مقاطعته للانتخابات المقبلة مبكرا، من خلال عدم الاهتمام والالتفات إليها، ونحن ندعوه لذلك ونشجعه عليه. ما هي الضمانات المطلوب من السلطة توفيرها في المواعيد الانتخابية، ولم تستجب لها؟ الضمانات المطلوبة، والتي نادينا بها مرارا دون أن نلقى الآذان الصاغية، موجودة في بداية إجابتنا على السؤال الأول، يضاف إليها ما ورد في تقرير اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات التشريعية السابقة، وقبل هذا وذاك أن يقتنع أصحاب القرار بأن خير الجميع، شعبا ووطنا، سلطة ومعارضة، هو في الاحتكام إلى انتخابات حرة قانونية ونزيهة. وإن كنت أقدر أن الأمل في إقناعهم بذلك ضعيف جدا، لأنهم من سلالة الفكر الواحدي المرتبط بالمصالح الضيقة وغير المشروعة، والمبني على ممارسة الوصاية على الشعب وإقصاء النخب الجادة والصادقة في حمل لواء التغيير. وليس أمام الشعب اليوم، خاصة في ظل رياح التغيير التي هبت على الوطن العربي، إلا النهوض صفا واحدا لفرض التغيير. البعض يرى أن صدمة التشريعيات وراء خيبة الأمل من المحليات، ما رأيك؟ التنظيم السياسي الجاد يبني مواقفه من الأحداث على الدراسة الموضوعية لكل العوامل المرتبطة به. ونحن في جبهة العدالة والتنمية، مثلما درسنا مجريات التشريعيات الماضية واعتبرناها مسرحية تأملنا في جدوى المشاركة في المحليات، في ظل نفس منظومات التزوير السابقة، فوجدنا أنه لا شيء تغير، بل بالعكس، الوضع ازداد كارثية، ولذلك قرر مجلس الشورى الوطني، بكل سيادة، مقاطعة الانتخابات المقبلة. وأملنا أن يتبنى كل الغيورين على مصلحة الجزائر ''الصادقون في النضال لتحقيق التغيير المنشود'' نفس المسار، وأن يتعاون الجميع في بذل الجهد لتيئيس الشعب من النظام ورجاله وبدائله المختلفة، وغرس الثقة لدى الشعب في رجال التغيير الصادقين. الجزائر: حاوره حميد يس
القيادي في حزب العمال جلول جودي ''انعدام الثقة وتزوير تشريعيات 10 ماي سيؤثّر على الانتخابات المحلية'' يوضح الأمين الوطني المكلف بالاتصال بحزب العمال، جلول جودي، أن حزب العمال يرى بأن الانتخابات المحلية تعد بمثابة ''الديمقراطية القاعدية''، وهذا يقتضي أن يكون هناك نشاط وعمل سياسي معتبر، لكنه يؤكد، بالمقابل، ''أظن أن عمليات التزوير التي طالت المواعيد الانتخابية، وبالأخص الانتخابات التشريعية ل10 ماي، ومن الناحية السياسية يبقى التخوف متواصل بسبب ما حصل في الموعد السابق، وبالنظر كذلك إلى ''الهوة الموجودة بين المواطن في علاقته بالعملية الديمقراطية، ويعتبر جودي أن ''تزوير الانتخابات التشريعية الماضية كان له أثر عميق في النفوس''. وأشار جودي، في رده عن سؤال بشأن خلفيات عدم اهتمام الطبقة السياسية بالانتخابات المحلية، قياسا بالزخم الذي سبق الانتخابات التشريعية الماضية، إلى إفراغ ''قانون الانتخابات من محتواه، من خلال عدم وجود إمكانية للأحزاب في المراقبة المباشرة، للعملية الانتخابية، كما أن ظاهرة الترحال السياسي سممت الوضع، علاوة على العجز الموجود في قانون حالات التنافي، من خلال انعدام المراقبة القبلية. وأكد جودي أنه ''لا ينبغى أن يعاد تسجيل أفراد الجيش في المحليات، كإشكالية طرحت في الموعد السابق، وأثرت سلبا على التشريعيات، واعتبر أن مثل هذه الأمور استقطبت تحرشات جديدة على البلاد، أهمها إعادة طرح المفوضية الأممية لحقوق الإنسان قضية المفقودين كورقة ضغط وابتزاز، كما أن مسؤولا بريطانيا قال إن الحكومة قدمت ضمانات بمراجعة قاعدة 49/51 بالمائة في المجال الاقتصادي، مضيفا أن أمورا توحي بأن هناك ''محاولات بعث الجزائر نحو مستنقع مالي''. ويعتبر قيادي حزب العمال أن راهن المعطيات المتصلة بالمسار القبلي للمحليات، ''وإذا لم تجابه قرارات فورية وجريئة من قبل الرئيس بوتفليقة سيكون هناك عزوف انتخابي يوم 29 نوفمبر، كما سيزيد المشهد السياسي تفسخا''، ويؤكد ''أنادي رئيس الجمهورية من أجل أن يتخذ قرارات جريئة حتى نتفادى عملية سطو أخرى على أصوات المواطنين في المحليات، كما حصل في موعد العاشر من ماي الماضي''. ويقول جودي إنه ''رغم أن الانتخابات المحلية ليست من أولوياتنا، لكننا أعطينا توجيهات للمناضلين لتحضير أنفسهم منذ اجتماع المكتب السياسي، قبل انعقاد الجامعة الصيفية خلال رمضان الفارط، كما أننا نظمنا ورشة خاصة بالمحليات. الجزائر: محمد شراق