في محاولة للفت اهتمام وسائل الإعلام، سارع نواب التكتل الأخضر لإيداع لائحة لدى مكتب المجلس من أجل تشكيل لجنة تحقيق في نتائج انتخابات العاشر ماي الماضي، فهل هي محاولة لصرف النظر عن المناقشة الجدية لبرنامج عمل الحكومة باعتباره الحدث الأهم؟ أم انه يراد وراء ذلك تغطية الأزمة التي يمر بها أحد أطراف التكتل؟ أم أن الموقف ينسجم مع النهج الجديد الذي تقوده حمس منذ انسحابها من التحالف وفك الارتباط مع السلطة؟ . تقول الأنباء الواردة من المجلس الشعبي الوطني أن الخطوة التي أقدم عليها نواب تكتل الجزائر الخضراء لم تلق أي تأييد من قبل باقي الكتل النيابية الأخرى سيما منها المحسوبة على المعارضة، فلا حزب العمال ولا الأفافاس ولا باقي الأحزاب الصغيرة المتواجدة بالمجلس تنظر بعين الرضى للمبادرة التي جاءت في مرحلة انصب فيها اهتمام الرأي العام الوطني عموما والنواب خصوصا على مناقشة أهم المحاور التي تضمنها مخطط عمل حكومة سلال وما إذا كانت تلك المحاور كفيلة برفع الغبن عن المواطن في المدن والقرى والأرياف. وفي هذا السياق يعتقد مراقبون للمشهد السياسي وتحولاته، أن عدم تفاعل نواب الكتل الأخرى مع اللائحة الموقعة من قبل تكتل الجزائر الخضراء، رغم أن العديد من الأحزاب عبرت عن عدم رضاها من نتائج الانتخابات يعود بالأساس إلى التدبدب الحاصل في مواقف التكتل الأخضر بزعامة حركة مجتمع السلم من مختلف القضايا المطروحة للنقاش من جهة ثم أولويات المرحلة التي تقتضي مواجهة العديد من المشكلات المطروحة على الجبهتين الاجتماعية والاقتصادية والتحضير للمواعيد السياسية ومنها المحليات والتعديلات الدستورية وكلها عوامل تدفع باتجاه تجاهل المبادرة من قبل النواب. وبالعودة إلى موقف التكتل الأخضر الذي تسيطر عليه حركة مجتمع السلم، سواء لاعتبارها الطرف الأكثر تنظيما من بين أطرافه أو لكونها تمتلك الحصة الكبرى من مجموع نواب التكتل، فانه يحمل بين طياته خلفيات تتجاوز المعطى الانتخابي وتسعى لتحقيق بعض الأهداف الإعلامية والسياسية، ولعل ابرز تلك الخلفيات محاولة حركة حمس من خلال التكتل إعطاء الانطباع أن خروجها من التحالف الرئاسي ثم فك الارتباط مع السلطة بعد قرابة 16 سنة من المشاركة سيجعلها قوة سياسية رائدة من خلال معارضة صلبة للحكومة والتهجم على الأغلبية بعد شراكة لسنوات. ومن هنا يعتقد التكتل الأخضر أن اكتساب »عذرية« سياسية جديدة تجعله قادرا على مواجهات تداعيات الماضي وتحديات المستقبل، تنطلق من الطعن في نتائج الانتخابات التشريعية والتشكيك في مصداقية البرلمان رغم إقرار المجتمع الدولي بمصداقيتها وصحة نتائجها. الا أن هذه المساعي قد لا يكتب لها النجاح ولن تجد من يؤيدها خارج التكتل الأخضر، لسبب بسيط أيضا وهو أن أطراف تكتل الجزائر الخضراء مثلا التي افتخرت للنجاح الذي حققه التكتل في العاصمة بحصوله على 13 نائبا بقيادة الوزير عمار غول، وهي بالمناسبة حصة معتبرة، سرعان ما تراجعت واتهمت الإدارة بالتزوير لعمار غول بعد إعلانه الانشقاق عن حمس وتأسيس حزب جديد، وقبل هذا كانت حمس واحدة من الأحزاب السياسية التي روجت للإصلاحات التي جاء بها الرئيس قبل أن تنقلب وتعلن أنها أفرغت من محتواها في موقف يدل على تدبدب الرؤية وعدم استقرار بوصلة الحركة وحلفائها في اتجاه واحد. في نفس الاتجاه يتساءل مراقبون، إذا كانت الانتخابات حقا مزورة، فلماذا تشارك أحزاب التكتل في الانتخابات المحلية المرتقبة وهي ستجري تحت نفس القانون الانتخابي وبنفس الهياكل؟ أم أن المحليات تختلف عن التشريعيات بنظر قادة التكتل؟ أليس حريا بأحزاب التكتل إعادة قراءة واقعهم التنظيمي والمنهجي من اجل التوصل إلى تقييم شامل ودقيق يمكنهم من تحديد مواطن الاختلالات التي عصفت بهم في الاستحقاقات الماضية بدل البحث عن مكاسب إعلامية وغنائم سياسية مفترضة؟.