سابقة في استضافة فعالية لمنظمة برلمانية بهذا الحجم اختتمت أشغال الاجتماع الثاني من سلسلة اجتماعات «النداء من أجل الساحل»، التي اعتمدها البرلمان الدولي خلال قمته العالمية الأولى لمكافحة الإرهاب، حيث خصص الاجتماع الذي أقيم بالجزائر لدور زعماء المجتمعات المحلية في مكافحة الإرهاب والوقاية من التطرف العنيف وتعزيز الصمود في وجه استمالة النساء والأطفال والشباب في منطقة الساحل نحو التطرف. اعتمد الاتحاد البرلماني الدولي خطة العمل المسماة «النداء من أجل الساحل» في سبتمبر 2021، إثر انعقاد القمة العالمية الأولى لمكافحة الإرهاب بالعاصمة النمساوية فيينا، وكان الهدف من هذه المبادرة، هو تحليل السياق حول منطقة الساحل للوصول إلى تشريعات فعالة لمكافحة الإرهاب ضمن نهج متعدد الأبعاد. وتم إطلاق النداء بإعلان مشترك دعي فيه البرلمانيون إلى دعم السلام والتنمية المستدامة في منطقة الساحل وتم إنشاء كتلة برلمانية مشتركة لتنسيق عمل النداء تضم، إلى جانب الاتحاد البرلماني الدولي، كلاّ من البرلمان العربي، اللجنة البرلمانية لمجموعة دول الساحل الخمس، برلمان البحر الأبيض المتوسط ومكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ومكتب مكافحة الإرهاب. وجاءت هذه المبادرة، بعد إنشاء المجموعة الاستشارية رفيعة المستوى لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف للاتحاد البرلماني الدولي، بمناسبة انعقاد الدورة 137 للاتحاد بسانت بطرسبرغ، سنة 2017 لتكون مركز التنسيق البرلماني العالمي حول المسائل المتعلقة بمكافحة الإرهاب وكل أشكال التطرف، وعينت من طرف الاتحاد البرلماني الدولي كممثل له في برنامج التعاون مع مكتب الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب والمكتب المعني بالمخدرات والجريمة. وقد حددت المجموعة في اجتماعها التأسيسي منطقة الساحل کمجال تركيز هام وكأولوية لبرنامج عملها. وبعد جهود دبلوماسية برلمانية، احتضنت الجزائر الاجتماع الثاني من سلسلة اجتماعات نداء الساحل، الذي ركز على دور المجتمعات المحلية في مكافحة الإرهاب والوقاية من التطرف العنيف. لم يسبق للبرلمان الجزائري أن احتضن فعالية للاتحاد البرلماني الدولي وهو ما منحه سابقة في استضافة فعالية لمنظمة برلمانية بهذا الحجم، خاصة وأن الاتحاد يضم 178 برلمان وطني ويتعاون بصفة وثيقة مع منظمة الأممالمتحدة في إطار برنامج تعاون موقع بينهما. وشكل الاجتماع الثاني، سانحة أخرى لإبراز دور الجزائر في مكافحة الإرهاب وأشكال التطرف وانخراطها في مسعى استتباب الأمن ونشر التنمية في محيطها الإقليمي وتأكيد نجاعة تجربتها في مكافحة الإرهاب بكافة جوانبها، وهو ما يعد تكريسا لنظرة رئيس الجمهورية القائمة على تعزيز الانتماء الإفريقي والعربي والمتوسطي والإسلامي للجزائر من خلال جعلها حاضنة للمؤتمرات وراعية للمبادرات. ويعتزم الاتحاد إطلاق مشروع لفتح مكاتب إقليمية تمثله في دول المجموعات الجيوسياسة، بمعدل مكتب عن كل مجموعة، وتعمل الجزائر على تعزيز حظوظها لاستضافة المكتب الإقليمي الممثل للمجموعة الجيوسياسية الافريقية التي تنتمي إليها الجزائر في الاتحاد البرلماني الدولي وهو ما سيعزز مكانتنا في هذا الصرح البرلماني. إشراك المجتمعات المحلية في منع التطرف العنيف في هذا الصدد، يقول أحمد خرشي، عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الدولي وعضو مجلس الأمة، إن إشراك المجتمعات المحلية في منع التطرف العنيف ومعالجة الظروف المؤدية إلى الإرهاب، سيما في منطقة الساحل، يشكل، بلا شك، موضوعا في غاية من الدقة، بالنظر لما تعانيه هذه المنطقة من تفاقم التهديدات الأمنية وصعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؛ ذلك ما يتطلب تضافر الجهود محليا وقاريا ودوليا لمجابهة كل هذه التحديات. وأفاد المتحدث، في السياق، أن مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف من منظور التجربة الجزائرية كان دوما بمثابة التزام، يتجلى على الصعيد الثنائي والإقليمي والدولي وعلى مستوى منظمة الأممالمتحدة، والمنتدى الشامل لمكافحة الإرهاب والاتحاد الإفريقي الذي كلف رئيس الجمهورية الجزائرية بالمهمة السامية المنسق من أجل الوقاية من الراديكالية ومكافحة الإرهاب في إفريقيا وكذا ضمن جميع المؤسسات التي تعد الجزائر عضوا فيها، كما أن هذا الالتزام يتجلى أيضا من خلال احتضان الجزائر للعديد من الندوات الدولية والقارية حول مختلف أبعاد مكافحة الإرهاب، ارتكازا على قيم التآزر والتكافل والتضامن. وانطلاقا من هذه المقاربة التضامنية، تقدمت الجزائر، على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة، باقتراح مضمون اللائحة رقم 130/72 التي تجعل من تاريخ 16 ماي من كل سنة «يوما دوليا للعيش معا في سلام»، مما يجسد بذلك تمسكنا الصريح والعملي بقيم الحوار والمصالحة والعيش معا في سلام، فالجزائر التي دفعت ثمنا باهظا من الأرواح البشرية وموارد الأمة في مكافحة الإرهاب، واعية كل الوعي بويلات هذه الآفة التي لا مبرر لها، وبالتهديدات التي تحملها بالنسبة لأمن واستقرار الدول والسلم والأمن دوليا وقاريا. في ذات النسق، يؤكد شيخ الزاوية القادرية، حسن الحسني الشريف، في تصريح ل»الشعب»، أن موضوع الاجتماع الثاني لنداء الساحل والمتمثل في دور المجتمعات المحلية في مكافحة الإرهاب والتطرف، وتعزيز الصمود في وجه استمالة النساء والأطفال، والشباب في منطقة الساحل نحو التطرف، هو في غاية الأهمية، لكن تطبيقه يحتاج إلى مجهودات عملية. ففي الجزائر أكثر من 5000 زاوية، يمكنها أن تؤدي دوراً مهما في هذا المسعى، لكن الزوايا تحتاج إلى تمويلات مالية، لتدرس أبناء الشعب الجزائري عقيدته الصحيحة وفي منهجيته، وتربيه على الأفكار الوسطية المعتدلة وتحصنه ضد كل استمالة نحو التطرف أو إغراء بالدخول في أوساط أو جماعات ذات أفكار دخيلة على المجتمع الجزائري، كثير منها يؤدي فيما بعد إلى التحول لسلوكات وأعمال إرهابية. في سياق متصل، قال فيليب جورج، ممثل مجموعة سانت إيجيديو المسيحية ببوركينافاسو، في تصريح ل «الشعب إن الاجتماع الثاني لنداء الساحل يكتسي أهمية كبيرة جدا، كونه يدعو إلى السلام في منطقة الساحل والعيش معا بسلام، ويوعي الجميع في المنطقة إلى حقيقة أنه بالإمكان إحلال السلام عن طريق الحوار والتباحث والتفاهم عوض اللجوء إلى العنف. فالحرب، يؤكد ذات المتحدث، «لم تجلب يوماً السلام، ولو كانت كذلك ما كنا هنا اليوم للحديث عن الإرهاب والتطرف، وعليه فاليوم نرى أن هناك ممثلين عن بلدان وأمم ذات توجهات دينية مختلفة يسعون جميعهم لإيجاد آليات من أجل تفكيك الأفكار المتطرفة التي قد تكون في بعض الأحيان أخطر من الأسلحة في حد ذاتها». بن براهم ل «الشعب»: أهمية كبرى للمجتمع المدني المحلي من جانب آخر، أفاد رئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني، نورالدين بن براهم، في تصريح ل «الشعب»، أنه بقدر ما هناك مؤسسات موكلة لها مهمة إنفاذ القانون في مكافحة الإرهاب والتطرف، بقدر ما تبرز اليوم أهمية المجتمع المدني المحلي ودور القادة على المستوى المجتمعي والديني في ضرورة تسبيق الوقاية، برفع درجة الوعي ومواجهة التأثيرات الإيديولوجية والهشاشة الفكرية، خاصة بالنسبة للفئات المجتمعية في منطقة الساحل التي تعيش كثير منها ظروفا صعبة، أدت إلى نزوحها بسبب الفقر والتغيرات المناخية وانعدام الخدمات الصحية. والجزائر- يؤكد رئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني- تملك خبرة وتجربة كبيرتين في التعامل مع هذا الموضوع، حيث قاومت سنوات التسعينيات لوحدها الإرهاب والتطرف العنيف، واستطاعت دحره بتكاتف الجهود، وبتعزيز التكامل بين الجانب المجتمعي والجانب المؤسساتي في الدولة الجزائرية، ومن خلال تفعيل دور المجتمع المدني المحلي، للتشبيك بين جمعيات المجتمع المدني لعزل التطرف والإرهاب، وعليه فتجربتها الرائدة يمكن الاستفادة منها في المنطقة، خاصة وأن لديها علاقة تضامن وجوار وطيدة مع دول الساحل. ويوضح ذات المتحدث، أن دور المجتمع المدني في تعميم السلم والحوار، لابد من دمجه كذلك مع عامل مهم آخر، وهو المقاربة التنموية، التي تكون نتاج مرافعة ومقاربة تشاركية بين البرلمانيين الذين لديهم تمثيل مجتمعي، وبين نشاط المجتمع المدني والجمعيات التي لديها انتشار واسع في القرى والقادة الدينيين الذين لديهم أيضا جمهور واسع يتابعهم، وعليه فتشابك كل هذه الجهود سيفوت الفرصة، لا محالة، على التطرف والإرهاب وعلى القوى التي تريد استغلال الهشاشة التنموية لمآرب تخريبية.