لجيدة اعراب أو «لجيدة ثامشطوحث» من مواليد 21 أفريل 1947 بإيغيل علي ببجاية، نجمة سطع نورها في سماء الفن الجزائري، من خلال صوتها الشجي الرنان، الذي صدح طويلا على أمواج الاذاعة الجزائرية خلال سنوات الخمسينات، وهي ما تزال طفلة صغيرة يانعة لا يتجاوز عمرها الأربعة سنوات، إلا أن موهبة الفن التي ورثتها عن عمتها «لالة يمينة» التي تعتبر عميدة في المجال الفني القبائلي، ومن بين النساء اللواتي افتتحن أبواب الإذاعة الوطنية سنة 1923 لأول مرة في الجزائر، جعلها تسبق بنات زمانها وتتربّع على عرش الفن وهي في عمر الصبا. «نا لجيدة ثامشطوحث» حذت حذو عمّتها وحذو فنانات أخريات في عالم الغناء القبائلي وبالأخص «اشويقن»، في وقت يعتبر غناء المرأة في المجتمع الجزائري من المحرمات، أين تبرّأت العديد من العائلات من بناتها اللائي دخلن عالم الفن، إذ اعتبروا المرأة التي تغني قد خرجت عن عادات وتقاليد أسرهن، ليكون التخلي عنهن والتبرؤ منهن أمرا محتوما، إلا أنّ نا لجيدة ثامشطوحث ونظيراتها سلكن دربهن في عالم الفن، إيمانا منهن بما كنّ يقدمنه للفن والثقافة الجزائرية، لتطلق حناجرهن أجمل الأغاني عبر ميكرفونات الإذاعة ويوصل صوتهن للمهاجرين في أرض الغربة. الوطن، الحب، الحزن، الفراق، الغربة ومواضيع أخرى كانت عناوين أغاني النا لجيدة التي شكلت من خلال صوتها الشجي أجمل وأروع باقة فنية، ما يزال عشاق هذه الفنانة التي صنعت اسمها من ذهب في عالم الفن القبائلي يتذكّرونها ويردّدونها كلما سمحت الفرصة بذلك، خاصة في التجمعات النسوية، فمن لا يتذكر أغنية «وين أعزيزن، ثاخاثمث» التي كانت الانطلاقة الفعلية لهذه الفنانة التي بدأت مشوارها الفني الطويل قبل أن تعرف حتى ألفاظ الكلمات، وما بالك أن تحفظ كلمات أغاني مكتوبة من فنانين كبار وملحّنة من قبل أكبر الملحنين. حب الفن وعشقها للكلمة الأصيلة واللحن الجميل، وترعرعها وسط كبار أسماء الفن والثقافة الجزائرية سطّر ل «نا لجيدة ثامشطوحث» مسيرة فنية حافلة بالعطاء، يزيد عمرها عن 70 سنة، قدّمت فيه مختلف العناوين رغم الصعوبات والمشاكل التي واجهتها في شبابها، أين كان المجتمع يحتم على المرأة الابتعاد عن عالم الفن، والتفرغ لواجباتها في الحياة والتي يقتضيها عليها المجتمع، الذي كان من أسسه زواج الفتاة والتفرغ للأشغال المنزلية وتربية الأبناء، لتبتعد فترة عن مجالها الذي أحبته حتى النخاع، ولكن عادت إليه سريعا لتشق طريقها مجددا في عالم الغناء القبائلي، ويعود صوتها يناغي القلوب ويرسم تقاسيم الفرح والسعادة في وجوه محبيها، لتغرّد مرة أخرى عبر صوتها المتلألئ، مثل الطائر الحر الذي عاد إلى بيئته، ليبدأ فصلا جديدا في الحياة الفنية لنا لجيدة ثامشطوحث التي زينت عالم الفن والثقافة الجزائرية. نا لجيدة اليوم ورغم مرور السّنوات، لم يغير الزمن شيئا من تفاصيل صوتها الشجي الذي ما يزال متلألئا، فهو أشبه بالصوت الملائكي الذي احتفظ بكل رنّاته، وكأنّها ما تزال في بداية مشوارها الفني، وذلك اليوم البعيد الذي أخذتها عمتها فيه من يديها إلى الإذاعة لتشارك في حصص للأطفال، فمن يلتقي «نا لجيدة ثامشطوحث» ويستمع إلى أغانيها اليوم، سيسمعها كما لو غنّتها أول مرة، فالسّنوات زادت في عمرها فقط ولكنها لم تؤثّر على صوتها الذي يداعب الكلمة عبر ألحان كبار الفن على غرار» شريف خدام، مجاهد حميد وغيرهما». «نا لجيدة ثامشطوحث» ومن خلالها تصريحها ل «الشعب»، أكّدت أنّها لم تندم يوما لدخولها عالم الفن من بوّابة الغناء، ولو عاد الزّمن للوراء، ستخطو نفس الخطوة في حياتها، لأنّ حبّها للغناء وإيمانها بالرّسالة النّبيلة التي قدّمتها طيلة مشوارها الفني خدمة للفن النظيف والثقافة الجزائرية، أكبر من أن تحطّمه ذهنيات حكمت على غناء المرأة بالمحرم، وأنه وجب التبرؤ منها وفقا لعادات وتقاليد الأجداد، كما أشارت إلى أن المرأة في وقتنا الحالي تتمتع بالحرية في دخول عالم الفن، وأنّ العائلات يشجعن بناتهن للمضي قدما في هذا المجال، على عكس ما عاشته هي وقرينتها في السنوات الماضية، أين اضطرت العديد منهن إلى تغيير أسمائهن من أجل دخول عالم الفن، الذي تعتبره حقيقة بالصعب والمتعب خاصة في وقتهن، إلا أنهن سجّلن أسماءهن وسطع نجمهن رغم كل ما عانينه، ليسطّرن طريقا طويلا وعريضا لبنات الجيل الحالي، داعية إياهن بضرورة العمل في إطار منظّم وتقديم أعمال فنية نظيفة بعيدا عن المكسب المادي السّريع، لأنّ الفن عبارة عن رسالة نبيلة يجب أن تصل للجمهور في أجمل صورة لتبقى راسخة في الأذهان، ويسجّلن أسماءهن بحروف من ذهب لتبقى أعمالهن الفنية خالدة، وتتحدّث عن مسيرتهن للأبد