إستراتجية وطنية جديدة للتعاون «جنوب - جنوب» يتوقع الدكتور عبد القادر سوفي، الخبير في الشؤون الدولية، أن تقوم الجزائر بدور محوري ومحرك للتنمية في القارة السمراء، في ظل المكانة التي تحتلها منذ أن كانت قبلة للتحرر إلى غاية زيادة الوعي لدى الشعوب الإفريقية، والعزم والإرادة القائمة من أجل التكامل مع دول القارة الإفريقية، لتغيير حياة الشعوب إلى الأفضل عبر استغلال مختلف المقدرات وكل الثروات المتنوعة المتوفرة بكميات معتبرة. ويرى الخبير، أن عودة الجزائر بعثت الارتياح، لأنه يعول عليها كثيرا في مد يدها لتغيير الواقع إلى مستقبل أفضل وتقديم الدعم المنتظر منها كما أثبتت ذلك في مختلف المراحل وفي مختلف التحديات. تحدث الدكتور عبد القادر سوفي باستفاضة وتعمق عن روابط التعاون وأفق الشراكة بين الجزائر والدول الإفريقية. في البداية عاد ليذكر بآخر خطابات السيد رئيس الجمهورية، عندما تحدث عن الجسر الإفريقي. ولم يخف الدكتور سوفي أنه في الحقيقة هذا الجسر تعبير عن استراتجية جديدة تصب في تجاه التعاون «جنوب- جنوب» والذي تسعى من خلاله الجزائر إلى ربط التواصل والتعاون بكل مداخله وأبعاده، سواء كانت الأبعاد الأمنية، الاجتماعية،الاقتصادية أو التنموية والدفاعية المشتركة وحتى الدبلوماسية. تبني شراكات جديدة.. وإعادة بعث أخرى قديمة لم يخف الخبير أنه ما يطبع الظرف الحالي، ربما أهم بعد، بدأت إفريقيا تتحرر من خلاله، يتمثل في البعد الثقافي على خلفية أنها بدأت تبتعد وتقطع الحبل بينها وبين المستعمر التقليدي. وعلى هذا الأساس، فإن عودة الجزائر إلى الساحة الإفريقية كقاطرة ودينامية جديدة بالنسبة للدول الإفريقية، ستحرر هذه الأخيرة بل وأصبحت الدول الإفريقية، تبحث عن سبل التعاون في جميع الميادين التي ذكرناها، سواء كان ذلك في الجوانب الثنائية أو المتعددة الأطراف وخير دليل على ذلك زيارة الرئيس الأوغندي للجزائر. وقبل ذلك، سجلت زيارة رؤساء دول إفريقية، يضاف إليها اللقاءات التي جمعت رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون برؤساء دول إفريقية خلال القمم الإفريقية الأخيرة وحتى قمم أخرى على هامشها التقى الرئيس تبون بآخرين، وإلى جانب تبني شراكات جديدة أو إعادة بعث شراكات قديمة، ومع إرساء مقاربات تذهب بالاتجاه الذي يجعل الدول الإفريقية تستجيب أو على مستوى طموحات الشعوب اليوم في ظل ارتفاع سقف الوعي الإفريقي أو فكرة إفريقيا للإفريقيين التي ظهرت بشدة، خاصة بعد عودة الجزائر للساحة الدولية، وهذا ما جعل الدول تتجاوب أولا مع الشارع الإفريقي وكذا على مستوى الدول فيما بينها، وبالتالي تتحرر من القيود وتتفاعل مع القاطرة الفعلية. ووقف الخبير على أهمية الحديث عن استحداث مجموعة الأربع على هامش اجتماع «أوبك+» في الكويت ووصفه بالمشروع الجديد وكامتداد لمشروع «نيباد» الذي يجمع بين الأقطاب الإفريقية، أي كل من «الجزائروجنوب إفريقيا ونيجيريا وأثيوبيا». بالإضافة إلى كل ذلك أكد الخبيرعلى نقطة محورية تتمثل في أن كل ذلك يتزامن مع تعافي الاقتصاد الجزائري والإستراتجية التي تبعث على تكريس فكرة الاندماج والتكامل وكذا إنشاء أسواق حرة مشتركة ما بين الدول الإفريقية والتي تسعى من خلالها على وجه الخصوص إلى دفع عجلة التنمية، ويكون المنتوج على الأقل يتحقق فيه الإدماج بنسبة لا تقل عن مستوى 40٪، هذا ما يجعل الشركاء الأجانب، بحسب تقدير الخبير، يجبرون على التعامل مع الدول الإفريقية من حيث تحويل التكنولوجيا والتصنيع في إفريقيا. ويعتقد الخبير سوفي، أنها ربما ستكون ورقة جديدة لصالح الجزائر، مع إدراكها أن التحولات الكبرى والعميقة التي يشهدها العالم حاليا مبنية على التكتلات، سواء كانت إقليمية أو إستراتجية، على غرار ولوج الجزائر مستقبلا إلى مجموعة «بريكس» وكذلك تحالفات استراتجية مع الصين وروسيا والهند واليابان وألمانيا وتركيا، بالإضافة إلى الشركاء التقليديين، لكن أو على الأقل تعد هناك بدائل أمام دول القارة السمراء من حيث الخيارات التي تؤهل القارة الإفريقية أن تذهب في الشراكات «رابح- رابح» وتؤهل المواطنين الأفارقة نحو عملية البقاء والتنمية المحلية، ما يشكل حاجزا هاما في وجه الجريمة المنظمة وظاهرة الإرهاب وكل أنواع التطرف الذي لطالما استثمرت قوى خفية في المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين والمجتمعات الإفريقية. إعادة بعث الحياة فرصة جديدة للنهوض وحول كيف تنظر الدول الإفريقية وشعوبها إلى الجزائر.. قال الخبير إنها نظرة إيجابية تحمل كل الثقة والاطمئنان وعدم التردد في توسيع نطاق التعاون. يضاف إلى كل ذلك، الأفكار الجديدة التي تحملها الجزائر بالنسبة لإفريقيا، من خلال بناء شراكات واستحداث المؤسسة الجزائرية التي ضخت من خلالها 1 مليار دولار لمساعدة الدول الإفريقية على التنمية، وكذا الطريق العابر لموريتانيا وطريق الوحدة الإفريقية وخط «ميغا» مد الغاز من نيجيريا عبر الجزائر والنيجر نحو أوروبا. وأشار إلى أنه من شأن هذا الخط أن ينشئ نقاط تجمع مجتمعات محلية وتنمية مستدامة، وبالتالي تحويل مياه الأودية والأنهار إلى مناطق تصحرت، مما يسمح، بلا شك، بإعادة بعث الحياة فيها من جديد وإنتاج شبكات الغاز ما يمكن من الاستقرار. هذا الاستقرار، حسب تأكيد الخبير، يساعد دول الساحل والصحراء على وجه الخصوص، على التغلب على مشكل تمويل الإرهاب والقضاء على ظاهرة تزويده بالموارد البشرية وبالتالي تحقيق القطيعة وتجفيف كل هذه المنابع، مما يمنح فرصة جديدة لإفريقيا للنهوض الفعلي وهي التي إذا قارناها بالمجتمعات الكبرى في العالم، فإنها ثالث أكبر تجمع سكاني بعد الصين والهند بتعداد سكاني 1.4 مليار نسمة. مركز ثوري وتحرري للشعوب.. من جهة أخرى، ثمن الخبير سوفي كثيرا ما تملكه وتكتنزه القارة السمراء من موارد وثروات. وذكر أنه من حيث الموارد الطبيعية تعد أكبر خزانا للثروات الطبيعية وفوق كل ذلك تعتبر مستقبل العالم في المياه. وعلى هذا الأساس، فالنظرة الاستشرافية الجزائرية بالتوجه نحو الجنوب صائبة، من شأنها أن تعود بالفائدة على الجزائر كدولة قطب ودولة إقليمية وفاعل أساسي إفريقي، سياسيا واقتصاديا وأمنيا وأيضا من شأنه أن يحرر إفريقيا من تبعيات لطالما جعلت إفريقيا والأفارقة يدورون في دوامة الفقر والصراعات الإثنية والعرقية والمجتمعية حول الشيء الزهيد، في حين المؤسسات العابرة للأوطان الكبرى تنخر خيراتها ومواردها البشرية. ومن ضمن أثر الجهود التي تبذلها الجزائر من أجل تجنيد كل الدعم لدول القارة الإفريقية، أوضح الخبير أنه ينبغي أن نتذكر في أول قمة إفريقية في أديسا بابا، حضرها الرئيس تبون وفي أول خرجة له بعد انتخابه، جعلت الأفارقة يستبشرون خيرا ويقدرون العودة والتواجد الجزائري، لأنهم يعلمون أن القاطرة الفعلية والحقيقية بالنسبة إليهم هي الجزائر، لأنها القاطرة التي يمكن الاعتماد عليها إلى جانب أخرى إقليمية مثل جنوب إفريقيا وأثيوبيا ومصر ونيجيريا والكونغو وأونغولا ودول أخرى لها قدرات فعلية، ويمكنها أن تتحول من دول عادية إلى تجمع فعلي داخل إفريقيا. ويعتقد الخبير أنه على هذا الأساس ينظر إلى الجزائر كدينامو فعلي لتحريك الآلة السياسية والأمنية ولأنها في الماضي كانت المركز الثوري والتحرري بالنسبة لإفريقيا، واليوم العودة للجزائر ربما تمثل استقلالا ثانيا لإفريقيا في مواجهة تحديات التنمية وخوض معارك اقتصادية تحقق لشعوبها الرفاه والاستقرار.