أحيت الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، أمس الأول، «يوم إفريقيا'' المصادف للذكرى 51 لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، واختير له شعار «الفلاحة والأمن الغذائي»، في إشارة إلى أهمية مواجهة الفقر والمجاعة وتحقيق التنمية المستدامة لشعوب القارة، إلا أن مقتضيات الظرف تفرض تحديات أخرى جديدة تتمثل أساسا في هاجس الأمن وارتفاع خطر الظاهرة الإرهابية. تغيرت أحوال كثير من الدول الإفريقية نحو الأفضل، بدليل نتائج النمو الاقتصادي التي تراوحت بين المقبولة والمذهلة، خاصة بالجهة الشرقية للقارة، والرغبة الجامحة للدول الأجنبية في القيام باستثمارات ضخمة لإنجاز مشاريع البنى التحتية والقاعدية، تكون أرضية لنهضة محلية شاملة. وعرفت النتائج المحققة على صعيد التقارب والتعاون الثنائي بين دول الاتحاد الإفريقي تقدما حاسما يحسب على الجهود السياسية المبذولة. ولعل أهم ما يبعث على التفاؤل بمستقبل القارة السمراء، أنها أرض خصبة لكل أنواع النشاطات الصناعية والفلاحية والطاقوية المربحة، وذلك رغم تهافت الأزمات بشتى أنواعها. وتبدي بلدان القارة في المقابل وعيا وإدراكا كليا بالمكاسب والرهانات الملقاة على عاتقها، فلا تخلو قمم الاتحاد الإفريقي العادية والاستثنائية من التأكيد على استراتيجيات التعاون وتوحيد الجهود لبلوغ الأهداف المسطرة، على اعتبار أنها جميعها تشترك في ماضٍ أليم وتطمح إلى مستقبل مزدهر. ويحمل شعار: «الفلاحة والأمن الغذائي في إفريقيا» الذي اختير لإحياء الذكرى 51 لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية قبل أن تتحول إلى الاتحاد الإفريقي، مدلولات عديدة، منها ضرورة التعويل على خدمة الأرض، ورفع الإنتاج الداخلي والاعتماد عليه بدل حاويات الصادرات لمجابهة الاضطرابات الدولية التي تظهر من حين لآخر، ناهيك عن التحولات المناخية التي ستكون إفريقيا الضحية الأولى، فالشروع في استغلال الإمكانات الطبيعية أولى الخطوات لتحقيق الأمن الغذائي والشراكة الأجنبية التي تأتي معها بالخبرة والوسائل الحديثة. خطوة أخرى نحو بناء علاقة ندية مبنية على المصلحة المتبادلة مع الشركاء الغربيين أو عمالقة القارة الأسيوية. قد تبدو هذه الأهداف قريبة المنال، خاصة وأن جل بلدان إفريقيا تملك الورقة الرابحة لخوض غمار هذا التحدي والمتمثلة في الموارد البشرية المؤهلة، لكن ما يحمله الواقع على الأرض يعطي انطباعا صادما نوعا ما، فتحدي الأفارقة اليوم ليس الغذاء والإنتاج الداخلي فقط، ولكنه يمتد إلى الأمن والاستقرار وتبعية الأنظمة الحاكمة، خاصة في الجهة الغربية للقارة، إلى الخارج، وعلى وجه الخصوص لفرنسا المستعمِر التقليدي الذي يلهث وراء مجالات حيوية لضمان أمنه الطاقوي. في مالي ودول الساحل، في إفريقيا الوسطى، نيجيريا، جيبوتي، كينيا، السودان وجنوب السودان، توجد بؤر توتر خطيرة مستدامة، تجمع الإرهاب وبارونات المخدرات وتجار الأسلحة وحتى عصابات تهريب البشر والاتجار بهم والقاعدة تقول إنه «لا تنمية من دون أمن». المواصلات الجوية بين دول القارة لا تحمل إلا البعثات الدبلوماسية الطارئة في غالبيتها، لفك خيوط أزمة اشتعلت هنا، ومحاولة منع أخرى من النشوب هناك، أما رحلات المبادلات الاقتصادية والاستثمارات فهي قليلة ونادرة، بل وتنحصر في مقايضات تقليدية عبر الأنهار الرابطة بين الدول. وظلت قضايا الأمن على رأس أولوية القمم السياسية لأعضاء الاتحاد الإفريقي، بينما بدا كل ما يتعلق بالتعاون التجاري والاقتصادي أقرب إلى التمنيات منه إلى أهداف وهذا ما فرضته الهموم والأزمات المتفاقمة. هذا الوضع القاتم لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، فوجود دول قوية تقود مختلف المبادرة الاقتصادية ك«النيباد» والأمنية كقوة الرد السريع على الأزمات التي طرحت العام الماضي كمشروع يسير نحو التجسيد السنة المقبلة. وما تبذله الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا كبلدان رائدة، يعتبر قاطرة نحو إفريقيا جديدة.