في سجن «النقب» الصحراوي، استقبل الأسير علام مطر ملحم شهر رمضان المبارك للعام السابع عشر على التوالي، وسط معاناة وحزن أسرته، كما تروي عمّته ميسر ملحم من بلدة كفر راعي جنوب غرب جنين، والتي قالت «لم يتوقف الاحتلال عن فرض العقوبات التعسفية بحقه، فما زال محروماً من زيارة والدته الستينية أمّ نضال، لأنها لا تمتلك هوية فلسطينية، وعلى كل مائد إفطار تبكي وتعيش الحزن في جميع مناسباتها حتى فقدت معنى وطعم الفرحة». وأضافت: «قدّمت والدته عشرات الطلبات للحصول على تصريح، لكنها حتى اليوم ممنوعة من رؤية فلذة كبدها والاطمئنان عليه، وفي ظل شهر رمضان حالتها صعبة، يغيب اسمه عن لسان والدته التي تقضي أوقاتاً كثيرة واقفة أمام صوره، تتحدث إليه وتناجيه وتتذكّر مواقفه وحياته، وتتمنى أن تعيش حتى يصبح الحلم حقيقة». لم يحتمل الوالد مطر ملحم، ألم الفراق وحكم السجان القاسي، فتوقف قلبه بعد فترة من محاكمة فلذة كبده، بينما تعيش والدته المسنة أم نضال أوجاعاً مضاعفة، بين رحيل زوجها واستمرار اعتقال علام، والأصعب والأقسى حرمانها من زيارته منذ اعتقاله، وأمنيتها الوحيدة أن تعيش لتفرح بحريته وعودته لأحضانها وزفافه. قبل 44 عاماً، ولد علام في بلدة كفر راعي بمحافظة جنين، ليكون الثالث في عائلته المكونة من 6 أشقاء، وتقول عمته ميسر: «بعد ولادته بعامين، انتقل والده مع عائلته لعمان، فظروف الحياة الصعبة والقاسية في الوطن، أرغمته على السفر بحثاً عن العمل وحياة كريمة». وتضيف: «قضت العائلة 20 عاماً في الغربة، عمل خلالها شقيقي في عدة مهن حتى نال منه مرض القلب، ولم يسمح له الأطباء بالعمل، فعاد مع أسرته لمسقط رأسه بلدتنا كفررعي، وعمل في تجارة الثروة الحيوانية». بعد عودته للوطن، تحمل علام المسؤولية، عمل بعدة مهن لمساعدة والده، وتقول عمته: «كرس حياته لأسرته وتفانى لتعيش حياة كريمة، اختلفت حياته عن الشباب، لكن لم نلاحظ عليه أي نشاط أو دور في انتفاضة الأقصى حتى اعتقله الاحتلال». وتضيف: «لاحقاً، تبين أنه كان يؤدي دورا فعالا ونشاطا كبيرا بمقاومة الاحتلال، والمشاركة في المواجهات ببطولة وجرأة». بتاريخ 18-11-2004، غادر علام المنزل بشكل طبيعي متوجها لمدينة رام الله، وانقطعت أخباره أكثر من 20 يوماً دون أن تعلم عائلته شيئاً عن مصيره، مما أثار الخوف لديها، حتى علمت عن طريق مركز «الشكاوى» في القدس، أن الاحتلال اعتقله عن حاجز طيار خلال عودته من رام الله. تروي عمته، أنه خلال فترة التحقيق، عانت العائلة بسبب عزله ومنع المحامين من زيارته على مدار 100 يوم، قضاها في أقبية سجن الجلمة، وبعدها تنقل بين عدة سجون لمنعه من الاستقرار والزيارات، وبقي موقوفاً على مدار 3 سنوات، حتى حوكم بالسجن الفعلي لمدة 21 عاماً، بتهمة الضلوع في تنفيذ عملية فدائية مع زميله الأسير سائد صلاح الذي حوكم بالسجن المؤبد. لم تنتهي معاناة عائلته في ظل ممارسات التعسفية بحقه، وتوضح العمة ميسر، أنه في بداية اعتقاله، لم تكن تراه عائلته إلا عن طريق المحاكم، وتقول: «كنّا نتألّم ونحزن أكثر كلما شاهدناه مكبلاً بالسلاسل الحديدية في يديه وقدميه وسط حرماننا من الحديث إليه أو مصافحته». وتضيف: «اعتقاله شكّل صدمة كبيرة لوالديه، فالجميع لم يكن لديه أي معلومات عن نشاطه السري في مقامة الاحتلال، وازدادت مشاعر الألم بعدما أصدرت محكمة سالم حكمها التعسفي بحقه». خلف القضبان، صمد علام لكن والده لم يحتمل الصدمة، وكان الأكثر تأثراً خلال وبعد جلسة النطق بالحكم، فعاد للمنزل حزيناً وباكياً، وتقول ميسر: «تميزت علاقة علام بوالده بشكل كبير، دوماً يردد اسمه وحزن كثيراً لاعتقاله، وبعد عام من الحكم، توفي ولسانه يردّد اسم علام، الذي لم يتمكن من زيارته وحرمه الاحتلال من وداع والده». وتتابع: «ما زال يتألم وحزيناً على وفاة والده، وبعد فترة تجددت الأحزان عندما توفيت جدته التي كانت تتألم دوماً لفراقه وتفتقده، فقد كان الأحب لقلبها، وبكى علام بشدة عندما علم بخبر وفاتها». كل موعد إفطار وسحور، تتجدّد الأحزان خاصة لوالدته، لا تتوقف عن الحديث عنه لحظات اعتقاله وتقول: «نبكي ونتألم على فراقه القسري، لكن لا نملك سوى الصبر لنكون أقوى من السجن والسجان وعتمته، فلابد أن يأتي يوم نفرح فيه بتحرّره وزفافه، ونصلي ليكون موعد الحرية القريب العيد القادم».