أسفرت نتائج الطلب الرسمي الذي تقدمت به الجزائر إلى منظمة اليونسكو لتسجيل الراي موروثا شعبيا خالصا للجزائريين المؤرخ في مارس2021، عن قرار رسمي في 27 أفريل 2023 مفاده تسجيل الراي غناء شعبيا جزائريا في قائمة التراث العالمي غير المادي للإنسانية، حيث جاء الطلب عقب إيداع ما قبله في 13 مارس 2016 الذي تمّ سحبه من طرف وزارة الثقافة في 07 ديسمبر2020 بعدما لاحظت نقصا في العناصر المكونة للملف المودع، وهو ما أضعف أسباب نجاحه، لتقرّر تدعيمه بعناصر جديدة تتوافق مع الاجراءات التقنية التي تشترطها الهيئات الاستشارية لليونسكو. كسبت الجزائر رهان استرجاع موروث فني لامادي، ألا وهو طابع "الراي"، وبالبنط العريض، وبالتالي أسكتت كل المزاعم والدعايات المغرضة حول حقيقة انتماء جذوره وموسيقاه المستمدة من الأغنية البدوية لمناطق الغرب الجزائري، على غرار وهران وسيدي بلعباس، أين كانت بدايتها على أيدي "الشيخات" و«الشيوخ" (مغنيين محليين)، أما الشهرة فنالها نجوم الجيل الجديد الذين يطلقون على أنفسهم "الشاب" و«الشابة"، تميزا عن الجيل المؤسس، ونظرا للشهادة العالمية الرسمية من منظمة اليونسكو التي باتت واضحة وضوح الشمس والقمر والنجوم المنصفة لمطالب الجزائر البلد المؤسس لهذا الطابع، لابد من رفع القبعة لكل من وقف وناضل وجابه بشرف الناهبين، الذين حاولوا سرقة طابع "الراي" المصنف كتراث غير مادي جزائري الأصل والتاريخ والجغرافيا، واستماتوا في صناعة الأكاذيب من أجل نسبته إلى تاريخ غير تاريخه، وموروث لا ولم ولن يكون لهم مهما حاولوا. يعتبر يوم 27 أفريل 2023 يوما تاريخيا، وذلك بدءا من اللحظة التي تسلم فيها الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، عمار بلاني، شهادة تسجيل "الراي"، غناء شعبيا جزائريا، في قائمة التراث العالمي غير المادي للإنسانية من طرف منظمة الأممالمتحدة للعلوم والثقافة (يونسكو)، والتي سلمها له السفير المنسق المقيم لنظام الأممالمتحدةبالجزائر. كما سيبقى في أذهان شرفاء العالم، ويكون بمثابة وسام شرف استحقه فعلا وقولا شعب يشهد له العالم بأنه "سليل الشهداء"، يوم استلام النسخة الأصلية لشهادة إدراج الراي، غناء شعبيا جزائريا، في قائمة اليونسكو التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، إذ تتعزز بذلك قائمة الجزائر بالعنصر العاشر بعد تسجيل كل من أهليل قورارة، ولباس العرس التلمساني (الشدة) بما فيه خيط الروح، والاحتفال بالسبوع بزاوية سيدي الحاج بلقاسم بتيميمون، وركب أولاد سيدي الشيخ (الفنتازيا) في البيض، والسبيبة بجانت وغيرها من العناصر". لقد سمحت موسيقى الراي الشعبية ذات العلاقة بشيوخ الأغنية البدوية كالشيخ حمادة وعبد القادر الخالدي من ترسيخ نفسها كعنصر أساسي في موروثنا الثقافي، ومنه نستنتج أنّه لا يمكن إلا أن يكون كل ما تمخض من مساعي الانتصار في قضية ثقافية إنسانية إلا نقطة حاسمة في تاريخ الفن الجزائري الأصيل. ولطالما أكد السيد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، حرصه على هوية الأمة وتراثها الثقافي من خلال العمل على ترقيته وحمايته من الاندثار، وذلك من خلال دعوته إلى حماية التراث الجزائري من التقليد ومحاولات الاستيلاء على مكوناته من قبل مزوري التاريخ، حيث أنه لم يسلم أي عنصرٍ من عناصر هذا التراث الثري من محاولات التحريف والسرقة بدءا بالزليج مرورا بالحايك وخيط الروح والبلوزة الوهرانية والقندورة القسنطينية وسروال الشلقة والكاراكو بل امتد حتى إلى الصور التراثية وسجل الأغاني للشيخين القديرين رابح درياسة وعبد المجيد مسكود، بل ولم تسلم أسماء علماء جزائريين أصلا، أراد لهم المتلاعبون بالتاريخ أن لا يحتفظوا بأمجادهم. ومن جانب آخر، يعود كسب الرهان إلى محاولات الدفاع عن التراث إلى جميع الفاعلين في المشهد الثقافي والدبلوماسية الجزائرية، وحتى الشباب المنتشرين عبر المنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي الذين يواجهون كل من يتجرأ عبثا على الاستيلاء على تراثنا الثقافي والاستحواذ على عناصر الهوية الوطنية الجزائرية، والماضين قدما نحو حماية التراث الثقافي بجميع مكوناته وبكافة أشكاله، لنقله بكل أمانة سالما معافى من أي تزييف أو تحريف للأجيال القادمة ليكون مصدر إلهام للموسيقيين في العالم أجمع. المساعي الحثيثة لوزارة الثقافة والفنون التي عقدت العزم على أن تكسب الرهان، وستواصل مسلسل انتصاراتها لأنها الأحق والأصل والمنبع، حيث تتابع عن كثب عملية جرد الموروث الثقافي غير المادي بمختلف الصيغ حسب المواصفات العلمية الدولية، علما انها أودعت رسميا مؤخرا ملفا لتصنيف "الزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري، معارف ومهارات متعلقة بخياطة وصناعة حلي التزيين القندورة والملحفة". تجدر الإشارة، أن اليونسكو كانت قد أدرجت الراي، غناء شعبيا جزائريا، في قائمتها للتراث العالمي غير المادي للإنسانية، شهر ديسمبر الماضي، وهذا خلال الاجتماع 17 للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي لليونسكو، فهنيئا للجزائر انتصاراتها.