يعد ضمان حماية وصون عناصر التراث الثقافي المادي واللامادي، قصد إفشال محاولات السطو عليه والتشكيك فيه، من بين القضايا الهامة التي توليها الحكومة الجزائرية اهتماما كبيرا اليوم. حيث لا تنفك مند السنتين الأخيرتين في ترسيخ كل الجهود والإجراءات والقرارات القانونية والتنفيذية من أجل رفع كبريات التحديات في هذا الشأن.. على اعتبار أن قضايا التراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي تمدّ بصلة وطيدة للهوية الوطنية والانتماء التاريخي والثقافي للشعب الجزائري. وضعت الحكومة الجزائرية العديد من الإجراءات للحفاظ على التراث الوطني المادي واللامادي،سيما المعماري منه، حيث عزّزت خلال السنتين الأخيرتين «منظومتها التشريعية بمشروع قانون، مكمل لقانون حماية التراث الساري منذ سنة 1998، يتعلق باستغلال الأملاك العمومية، والذي يشدّد العقوبات على أي مساس بالتراث الثقافي». برنامج قوي ومدعم تسهر على تنفيذه والتقيد بكل محطاتها وزارة الثقافة والفنون، الممثل للحكومة الجزائرية داخل وخارج الوطن، حيث تمّ في الآونة الأخيرة الإعلان عن برمجة العديد من المشاريع الخاصة بترميم المعالم التاريخية من قصور ومعالم مصنفة «تراثا وطنيا» وعلى مستوى القطاعات المحفوظة، حيث تمّ تصنيف 22 مدينة عتيقة وإخضاع تسييرها واستغلالها وتهيئتها إلى شروط صارمة تضعها، والحرص على تطبيقها من قبل وزارة الثقافة والفنون وتلتزم بها الجماعات المحلية، مع إشراك المجتمع المدني في العملية كشريك داعم لسياسة الحكومة في هذا السياق. وتنصبّ كل هاته الجهود في إطار الحفاظ على هذا المخزون التراثي القيم من الاندثار من جهة، وتثمينه وتوظيفه في إطار تنمية اقتصادية ثقافية مستدامة من جهة أخرى. مشاريع تصنيف المكونات الوطنية في الطريق الصحيح تترجم مساعي الحكومة الجزائرية في هذ السياق على أرض الواقع، من خلال اشتغال قطاع الثقافة الملموس والمتواصل على قضايا تصنيف الموروث الثقافي المادي وغير المادي تراثا وطنيا وإرثا عالميا للإنسانية. والجدير بالذكر، أن الجزائر نجحت في تصنيف العديد من عناصر التراث الثقافي اللامادي في القائمة التمثيلية لليونسكو، كان آخرها أغنية الراي.. وجاء هذا التصنيف ليعزّز القائمة التي تشمل «الشدة» التلمسانية والسبيبة وركب سيدي الشيخ وكيالين الماء.. وعناصر أخرى في إطار مشترك مع دول أخرى كطبق الكسكسي والخط العربي. إضافة إلى تقديم الكثير من ملفات التصنيف الأخرى، على غرار ملف «المداحات» الذي طرح للتصنيف على طاولة اليونسكو، وعدد من الملفات الأخرى توجد قيد التحضير، مثل ملف الأغاني الشعبية في الجزائر و»السراوي» بمنطقة سطيف و»الآشويق» بمنطقة القبائل و»الأياي» بمنطقة الأطلس الصحراوي و»المالوف» القسنطيني وغيرها من الطبوع الموسيقي الشعبية. ناهيك عن ملف الزي النسوي للزفاف من الشرق الجزائري الذي سيقدم لاحقا للتصنيف. وقد تمّ في هذا السياق إنشاء على مستوى المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الانسان والتاريخ، وحدة بحث تعنى بالتراث الثقافي اللامادي والمتكونة من فرق بحث متخصّصة تعمل على ملفات التصنيف، إضافة إلى فرق بحث أخرى تشتغل على ملفات الملحون والحكاية الشعبية الأمازيغية. ومواكبة لتحديات العصرنة والرقمنة، وُكّلت للمركز المذكور أعلاه مهمة مرافقة مديريات الثقافة بالولايات والجامعات في مشروع «تشكيل بنك معطيات للتراث الثقافي اللامادي». اللباس التقليدي تاريخ وهوية ورمز الماضي والحاضر والمستقبل إن تعدّد وتنوع وثراء الأزياء التقليدية عبر مختلف مناطق الوطن، هو من بين الركائز التي تضعها الحكومة الجزائرية في صلب مخططاتها وسياساتها وبرامجها للحفاظ على التراث الثقافي. الأمر الذي ترجم على أرض الواقع من خلال تعدّد المهرجانات والملتقيات المحلية والوطنية والدولية، حيث كانت من مخرجات الآونة الأخيرة في هذا السياق: «وضع قاعدة بيانات خاصة بالزي التقليدي الجزائري وكل ملحقاته، إلى جانب بوابة الكترونية تعنى بكل أشكال التراث الثقافي اللامادي والعمل على تسجيل اللباس الثوري في قائمة التراث الثقافي اللامادي لليونسكو». وفي سياق متصل لا تذخّر الحكومة الجزائرية أي جهد في مجال مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية وحمايتها، فهي تسهر على التكوين المتواصل لفرق الأمن الوطني في مجال الآثار والتراث الثقافي مع تشديد القوانين الردعية وتطبيقها. كما تمّ إطلاق دليل مصور وقاعدة بيانات الكترونية، تستخدم كأداة عمل من طرف أعوان الجمارك وشرطة الحدود، والفاعلين في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية. وبخصوص حملات محاولة السطو على تراث الجزائر، أشارت الوزيرة إلى أن أحسن حل هو تثمين مكونات هذا الموروث في الصناعة والخدمات والسلع وحسن تسويقها.. إضافة إلى دعوة الهيئات العلمية والمؤسسات الثقافية والمجتمع المدني المتخصّص في الثقافة والتراث لتكثيف الندوات والملتقيات الوطنية والدولية، للتعريف بتراثنا وإنشاء أفلام وثائقية بغرض الترويج لها ولوجهة الجزائر إقليميا وعربيا وعالميا. تعزيز التنمية المستدامة في المجال الثقافي للإشارة «يندرج توظيف الثقافة من أجل التنمية المستدامة في إطار المقاربة الاقتصادية الجديدة للتراث الثقافي المنتهجة من قِبل الحكومة الجزائرية، والتي ستساهم إلى حدّ بعيد في تطوير السياحة الثقافية وتثمين مكانة المواقع الأثرية والمعالم التاريخية في الديناميكية الاقتصادية، باعتبارها رافدًا من روافد التنمية المستدامة».. هو الخطاب الذي تعتمده الحكومة الجزائرية اليوم للتعبير عن خططها وسياساتها الرامية لتعزيز هذه المقاربة ميدانيا يوما بعد يوم خاصة في السنتين الأخيرتين.