اعتبر كل من الأستاذ أحمد زغب، والقاص حركاتي لعمامرة، والكاتبة حورية عمران، أن الرواية أحيانا قد تؤدّي دورها وإن كان بنسبة ضئيلة في كتابة التاريخ، وأحيانا أخرى قد لا تكاد تفعل، مرجعين ذلك لما تتميز به الرواية التاريخية من قابلية للتأويل، ومن خلالها يستطيع الكاتب أن يعيد صياغة الأحداث بقالب فني بحت. يرى الأستاذ أحمد زغب أنّ للكاتب مجموعة من المعطيات الثقافية والاجتماعية والسياسية والتاريخية يوظفها من أجل رسالة تتلاءم مع أيديولوجيته أو رؤيته التي يختارها، مشيرا إلى أن كتابة التاريخ والتوثيق له، يكون من خلال الوثائق التاريخية، وليس من خلال الرواية، وقال: "إنّ الرّواية عمل تخييلي بالدرجة الأولى، حيث أنّ هناك مراجع كثيرة ورسائل دكتوراه عالجت هذا الموضوع وتوسّعت فيه، وإذا تكلّمنا عن الوثائق التي يعتمد عليها الكاتب بغرض توظيفها في بناء الرواية، فأرى أنّه حسب الرّسالة التي يريد أن يرسلها إلى القراء، فهو ينتقي من الوثائق ما يخدم رسالته". ويضيف الأستاذ زغب: "على ضوء من يؤيّدون فكرة أن التاريخ لا يقتصر فقط على المؤرّخين، وأنّ هناك روائيين نجحوا في كتابة التاريخ، أجزم على أنه مهما يكن من أمر، فالعمل الأدبي عمل تخييلي حتى لو استمد بعض أحداثه من الواقع التاريخي"، واستدلّ بقراءته لرواية "الأمير" للروائي واسيني الأعرج، واعتبر أنّها عمل تخييلي أدى فيه الروائي رسالة التسامح في الثقافة العربية الاسلامية من خلال شخصية الأمير عبد القادر، "وعلى العموم الكاتب يستثمر التاريخ واللغة والاجتماع والثقافة لصالح الخطاب الادبي الذي هو الرواية". وختم الأستاذ زغب حديثه قائلا: "يمكن للرّواية أن تؤدي دورا هامشيا جدا لا يعتدّ به، كمن يستدل ببيت من الشعر على حدث تاريخي أي في كتابة التاريخ"، موضحا "ليس من شأنها التاريخ، إنما للرواية أدوار تيمية وجمالية وأيديولوجية". دور المؤرّخ يختلف عن دور الأديب من جهته، قال القاص حركاتي لعمامرة: "في الحقيقة طُرح هذا الإشكال من قبل وتباينت الآراء، حيث كان الإجماع على أنّ الرّواية التاريخية لا يمكنها أن تعوّض الكتابة التاريخية، وعلى العكس تماما، فالأديب لا يمكنه أن يكتب التاريخ بأدواته، والمؤرّخ بإمكانه أن ينتج نصا أدبيا". وأضاف "الكتابة التاريخية تحتاج إلى أدوات تجعل منها حجة يستشهد بها، بينما الرواية التاريخية فهي قابلة للتأويل، وتفتقد إلى الحجج الدامغة، فهي تعج بالأفكار والأساليب الجمة التي تزيدها متعة ويزداد قارؤها إمتاعا، وخاصة إذا كانت الرواية ضاربة في أعماق التاريخ، وإن كانت تشيد ببعض البطولات المعروفة أو تنقل وقائع تاريخية، وعلى العموم، يبقى دور المؤرخ مختلفا عن دور الأديب قطعا، وتبقى هذه رؤية شخصية حول الموضوع الذي لم يعرف لليوم وقفة وسطية". الرّواية التّاريخية..جنس أدبي في قفص الاتّهام ذكرت الكاتبة حورية عمران، أنّ التاريخ هو سلسلة من الأحداث وقعت في زمن ما، وتجسيد التاريخ كرواية أو ما يسمى بالرواية التاريخية أمر في غاية الصعوبة، مشيرة إلى أنّ الكاتب يعتمد بالدرجة الأولى على خياله واسقاط القيم التاريخية وفق ما يراه ووفق قناعاته الشخصية، وهو ليس مؤرخا يستنطق الوثائق والاحداث والآثار، بل هو فنان يطير بأخيلته ويبدع فيما يراه الأنسب لفكره وأيديولوجيته وقناعاته وتصوراته. وأضافت أنّه برأي البعض فهو يتناول هذه الأحداث من وجهة نظر ذاتية ويغلب عليه العاطفة، "فمن بين الاتهامات لكتاب الرواية التاريخية التضليل والبعد عن المصداقية والتشكيك في أمور تاريخية، في حين يرى البعض الآخر أن الرواية التاريخية هي تاريخ بحد ذاته تستطيع القول ما عجز عنه في إظهار بعض الحقائق". باعتقادي - تضيف محدّثتنا - الرواية نافذة على التاريخ تعيد رسمه في قوالب فنيّة بعيدا عن الجمود، بالرغم من المساوئ التي تتخللها نظرا لطغيان أيديولوجية وفكر وعاطفة الكاتب، في حين يبقى التاريخ مادة دسمة تحتاج للكثير من الحبر. وفي ذات السياق، أشارت محدّثتنا إلى الموضوع من جانب أكثر ميلا لمن يؤيد فكرة أنه يمكن للرواية أن يكون لها دور فعال في كتابة التاريخ، حيث قالت: "مهما تكلّمنا عن سلبيات الرواية التاريخية، فإنها تبقى جزءا لا يتجزأ من التاريخ، فيوما ما تصبح تاريخا في حد ذاته لما تناولته من أمور وأحداث تاريخية ما في حقبة ما، لكني أقول، يبقى التاريخ للكتاب والروائيين، والتأريخ للمؤرخين وذوي الاختصاص". وأضافت: "ما بين مؤيّد ومعارض للرواية التاريخية، تبقى أمور كثيرة مبهمة لا المؤرخ ولا الكاتب يستطيع تفكيك شفراتها، نحن نقف أمام معضلات تاريخية، والسؤال المطروح: هل نستطيع أن نطلق تسمية المؤرخ على الكاتب والراوي؟، وهل الرّواية التاريخية ستأخذ مكان التاريخ؟ وعليه فأولا وأخيرا، باعتقادي، تبقى وظيفة المؤرخ التدقيق والتمحيص وسرد الاحداث التاريخية، في حين الكاتب يعيد صياغة هذه الأحداث بقالب فني بحت مع الإثارة والتشويق، ويبقى التاريخ مادة تلهم الكتاب لنسخ ونسج قصص من أحداثه