ثم أغمض عينيك حتى تراني: الشاعرجورج جرداق الرواية و إعادة كتابة التاريخ: لا يتأسس النص الروائي، في حتمية منطقه السردي، من منظور التصادم التراجيدي بين الواقع والتخييل فقط. كما أنه لا يتأسس من منظور المفارقة الإبداعية التي تعيد إنتاج تشظيات الحادثة التاريخية أنتاجاً متأدّبًا. إن النص الروائي إعادةُ كتابة للتاريخ من وجهة نظر المؤلف، و لذلك، فإنه ليس إعادة قراءة لهذا التاريخ من وجهة نظر المؤلف فحسب، و إنما هو إعادة تشكيلٍ للحادثة التاريخية وفق ما يقتضيه الوضع الهشّ الذي يتمتع به المؤلف الذي يحاول أن يحصر التاريخ في المسافة الفاصلة بين هشاشة وضعه، وهو يعايش الحادثة التاريخية أو يستعيدها، و بين هشاشة وضعه وهو يعيد صياغة هذه الحادثة مُحاوِلاً حصرها فيما يملك من أداة هي الوحيدة الكفيلة بتحقيق حلم بقائه في التاريخ، وهي اللغة. إن امتلاك سلاح اللغة هو الذي يجعل الروائي يميل إلى أحد خيارين هو الأقرب لهذا السلاح: إما أن يكون بطلا حقيقيا (وهذا أمر مستحيل لأنه مناقض لدور المؤلف المتخفي وراء الكتابة)، أو أن يكون صانعَ أبطالٍ يعتقد أنهم حقيقيون لكثرة إيمانه بهم، في حين أنهم ليسوا كذلك أصلا، ولن يكونوا كذلك إطلاقا. ما الذي يجعل الروائي رجلا ''كذّابا'' بامتياز؟ هل هي هذه الهشاشة نفسها التي يعيش من أجلها لمجرد اقتناعه بأن الكثير من القراء قد بدؤوا يتعاملون فعلاً مع بطل روايته (وفيما بعد: مع أبطال رواياته) وكأنه بطل حقيقيّ (أو كأنهم أبطالٌ حقيقيون)؟. و كيف يستطيع الروائي أن يتوهم أن التاريخ، وهو يؤسس لخطوات التغيير الضرورية في أي مجتمع، إنما يجب أن يستعير من الرواية الحلقات التي يبدو أن الواقع قد ألّح (أوْ يلّح) على إفسادها إفساداً مُتعمّداً، حتى تكتمل الصورة التي يجب أن تُقدَّم عن التاريخ، والتي لا تتم إلا بموافقة الروائي؟ لماذا الحادثة التاريخية؟ لا يستعير الروائي الحادثة التاريخية من أجل أن يُشفي غليلَهُ من عقدة تغييبه عنها أو تغيُّبِهِ عنها، و إنما يستولي على الحادثة التاريخية من أجل أن يُعيد صياغتها من وجهة نظَره هُوَ، نظراً لاعتقادهِ أنه الوحيد القادر على إعادة صياغتها صياغةً ممتعة، وذلك بإعادة تشكيلها تشكيلا أدبيا، لأنه يعرف جيداً أنه من غير الممكن أن تُصاغَ الحادثة التاريخية بصورة ممتعة كالتي تُقدّمُها بها وجهةُ النظر الأدبية. ولذلك كذلك، كان دور الروائي هو تقديم توعكات الحادثة التاريخية بصورة ممتعة وفي قالب مقبول، أي بلَبوسٍ أدبيٍّ يحاول أن يغطّي بأبآت التاريخ (Beguilements de lhistoire) و تشنّجاته ومراراته، وأحداثه المتسارعة التي لم يعد في وسع المجتمع أن يستوعبها بالطرق المفروضة عليه فرضاً، على الرغم من مشاركته المباشرة أو غير المباشرة في صنعها. وربما لهذا السبب كان الروائي يلجأ إلى اختصار الأمة في جماعة واحدة، و المجتمع في شخص واحد، والشعب في بطل الواحد. 1 - الواحدية التاريخية : قد يجمع التاريخ كلّه في رواية واحدة، لأنه قادر على تحويل كل ما هو جماهيري إلى نخبوي، و تذكير الناس بالشمولي من خلال الاستحضار الأيقوني للأزمنة المتعاقبة، حتى و إن بدا لمن يعارضون موقفه هذا، بأن مآل الجماهيرية الحتمي هو الشعبوية. 2 -النخبوية : وأن النخبوية بإمكانها أن تنتهي إلى فردانية تيوقراطية تؤدي بالبطل الثوري (وكلّ بطل هو ثوريّ) عموما إلى نهايةٍ يُغيِّبُ فيها الحضور الجماعي، و يَقطَعُ دابرَ المعارضة الإبداعية، لاعتقاده المطلق بأن كل الروايات يجب أن يكتبها روائي واحد، وأنه من المستحيل أن يكتب كلُّ الروائيين رواية واحدة بوجهاتِ نظرٍ مختلفة. وربما لهذا السبب كذلك، يعتقد الروائي اعتقاداً جازما أنه الأجدر بتولّي دور المثقف في المجتمع، لأنه الأجدر بتولّي تصحيح ما يصيب التاريخ من توعكات بمباركة من تسببوا في هذه التوعكات، أو من أخفوها، أو من سكتوا عنها، حتى يزداد المجتمع إيمانا و ثقةً أن ثمة من يستطيع أن يقرأ التاريخ قراءة غير التي لم يؤمن بها على الإطلاق، أو لم يعد يؤمن بها نهائيًّا.. يقول الأعرج واسيني، وهو يتحدث عن تجربة الطاهر وطار، بخصوص هذا الدور الذي يجب أن يقوم به المثقف عموما: ''فمن خلال إبداعاته الروائية عموما، نستنتج، أنه في المرحلة الوطنية الديمقراطية، مرحلة التحولات نحو الاشتراكية لا يجب خلق المقدمات المادية والاجتماعية فحسب، و إنما يجب كذلك خلق المقدمات الإيديولوجية، ويحدد ذلك، أهمية الوظيفة الإيديولوجية لدولة الاتجاه الاشتراكي الموجهة إلى رفع الوعي السياسي للجماهير العريضة و إلى تثقيف وتربية الشعب بروح الاشتراكية و المساواة القومية والديمقراطية وصداقة الشعوب. ذلك هو السلاح المتين و الدائم، بل الأبدي، لضرب مصالح الإقطاع المتمثل في (بولرواح) في رواية (الزلزال) و تحطيم القوى التي يعتمد عليها (ابن القاضي) في (ريح الجنوب)، و إفشال لعبة (الإرهاب الديني عند كل من (رضوان) و(مصطفى) و غيرهما في (العشق و الموت في الزمن الحراشي)''. 3- دور المثقف: إن دور المثقف، كما يقدم له أحد رواد الجيل السبعيني في الرواية الجزائرية ، وهو يتحدث عن أهم ممثل لجيل الستينيات من الروائيين الجزائريين، إنما يجب أن يكون في مستوى المعلّم الأكبر الذي من المفروض أن يلقّن الدروس لهذا الشعب الأميّ، و يُربّيهِ تربيةً إيديولوجية هي الوحيدة القادرة على إخراجه من براثن التخلف والجهل اللذين يتخبط فيهما. وهو، لهذا السبب يرى نفسه الوريث الشرعيَّ، والمكلف الرّسمي لتمرير الرؤية الأيديولوجية إلى العقول البسيطة التي بإمكانها أن تتحرك في أية لحظة لصناعة حادثة تاريخية جديدة، فلا تجد من ينير لها الطريق غير رؤية المثقف الجديرة بأن يُستنار بها في كل الأزمنة. ولا يختلف دور المثقف في الواقع عن دور المثقف في الرواية، ذلك أن أول الأقنعة التي يجب أن يتقنّع بها الروائي هو استعمال الفضاء السردي من أجل تقديم الرؤية الأيديولوجية عن طريق البطل المثقف. فمن الناحية المبدئية، لا يختلف دور المثقف وهو يمارس دوره على مستوى الواقع عن دور المثقف وهو يمارس الدور نفسه على مستوى السرد. و ربما كان الدور الثاني أكثر أهمية بالنسبة للروائي، لأنه يضمن له تحقيق كل الأحلام التي لم يستطع تحقيقها على مستوى الواقع، بما فيها الخيبات السياسية والمكبوتات الأيديولوجية المتعلقة أساسا بحرية الجهر بالمواقف والدفاع عنها. ولأن هذا الدور كذلك يكفل للروائي تمرير الرؤية الأيديولوجية تمريراً سلسا يضمن عنصر الصراع و المواجهة والبوح بالمكبوتات الأيديولوجية التي يقوم بها البطل المثقف على مستوى السرد، بينما يتخفّى الروائي (السارد) في طابق التموقع الفوقي بالمفهوم الغرامشي. ذلك أن ''هذا المثقف ظل حضوره محايثا لحضور الرواية، فمعظم النصوص الروائية الجزائرية تتخذ من شخصية المثقف محورا تدور حوله مختلف الأحداث، فالمثقف هو المبشر بالتغيير القادم في رواية السبعينات وهو المنتقد لواقعه والناقد للتاريخ والهوية في رواية الثمانينات, وهو المأزوم والمهزوم تحت وطأة الواقع في رواية التسعينات من القرن العشرين''. 4- علاقة التاريخي بالإيديولوجي: ويتخذ الروائي من حالات البطل المثقف، و هو يعْبرُ الأزمنة المعاصرة للدولة الوطنية المفجوعة بصدامية الحادثة التاريخية وتشنجاتها، مركبةَ عبورٍ دائمةً يتلبّس فيها الأقنعة المناسبة لهذه المراحل على مستوى السرد، و يجعل من تمظهراته الوجودية طاقيّة إخفاءٍ لتجليّاته المستقبلية على الرغم من تغيّر الأزمنة وتعاقبها. ومن هنا يحاول الروائي المثقف أن يرتبط بالتاريخ ارتباطاً فوقياً يعتمد على التعالي الإيديولوجي الناجم عن تعالي المثقف وهو ينظر إلى حركية المجتمع في تقدمها نحو المجهول. ولذلك فإن ''تاريخ الإنسان المثقف في البلاد المختلفة بصفة عامة، والمتخلفة التي خضعت لثقافة أجنبية بصفة خاصة، يدفع إلى زيادة وعي المثقف بأبعاد مواقفه الحضارية والسياسية العامة، حيث نرى أغلب المثقفين في البلاد المتخلفة أو النامية، التي خضعت لثقافة أجنبية، عادة ما يلمّون جميع الصفات التي عرضها عليهم التاريخ الذي كوّنهم، فإذا هم يضعون أنفسهم رأسا في أفقٍ عالمي''. 5 -غطاء الأدبية: و بناء عليه، يعتقد الروائي بأنه الأجدر بالبقاء عندما ينسحب السياسي والمؤرخ من الوعي الجمعي للأمة، و يُستبدَلُون بسياسيٍّ ومُؤرِّخ آخَرَينْ سيلعبان الدورَ نفسَه الذي لعبه من سبقهما . وسيقوم الروائي الحريص على البقاء مرة ثانية بتقديم توعّكات الحادثة التاريخية إلى المجتمع بصورة ممتعة وفي قالب مقبول، أي بلبوسٍ أدبيٍّ يحاول أن يُغطّي بأبآت التاريخ مرة أخرى بغطاء الأدبية من خلال''خلق المقدمات الإيديولوجية''. التي تمكن الروائي من'' تثقيف و تربية الشعب بروح الاشتراكية والمساواة القومية والديمقراطية وصداقة الشعوب. و لعلّه لهذا السبب، ولأسباب أخرى كذلك، يبدو الروائي و كأنّه أطول عمراً من الجميع: من السياسي ومن المؤرخ ومن الأيديولوجيّ ومن الأنظمة ومن الثورات ومن الحروب ومن الانهزامات ومن الانكسارات ومن الانتصارات. وأطول عمراً كذلك من أبطاله، لأنه قادر على تغيير أسمائهم وأعمارهم وأفكارهم وعصورهم، بل هو قادر على قتلهم في رواية وإعادة بعثهم في روايات أخرى وفقا لمتطلبات المراحل التي يضع فيها الروائي حيواتهم، و يسطّر مساراتهم، ويحدد أدوارهم، و مهمّاتهم. 6 مجايلة الروائي : ومن هنا، يبدو أن مشكلة الروائي الكبرى هي في مجايلته لجميع الثورات والأنظمة والحكام والأيديولوجيات. وهي مجايلةٌ تتعدى الطابعين الزمني والمكاني، ويذهب فيها الروائي بعيداً لسبر أغوار التاريخ واستعمال الأحداث القديمة وفق آليات إبداعية معاصرةٍ، بل سابقة لأوانها. كما يذهب بعيداً في خلط الواقع بالمتخيل، ومزج الحقيقي بالوهميّ، تماماً كما فعل هوميروس وهو يحاول أن يفوز بالبقاء (ولو على المستوى الأسطوري) من خلال التلاعب بتاريخ طراودة. ولعل هذا ما ''مكنه(*) من ممارسة دور المثقف الناقد الداعي إلى التغيير والتجاوز، حيث نجده من خلال تبعثر آرائه عبر مجرى النص، ما يفتأ يشرح وينتقد ويحكم على الظواهر والأصوات الأيديولوجية، ولا يترك موقفا يمرّ دون أن يسجل رغبته العارمة في المعارضة و النقد و الإدعاء''. 7- الروائي متقنِّعا ببطله: لم يكن همّ الروائي في يوم من الأيام التأريخ للظاهرة الاجتماعية في تراجيديتها من خلال التأريخ للحادثة التاريخية، حتى وإن بدا له أن ذلك من دوره أصلا. لأن التعامل التاريخي مع الحادثة التاريخية هو في نهاية الأمر، خيانة للمعطى الأدبي الذي يحاول الروائي أن يستغلّه للدخول إلى عالم البقاء في الواجهة، والتماهي مع مجريات التاريخ. ومن هنا كان الروائي من أكثر المثقفين الجزائريين مراوحةً بين أيديولوجية السلطة و سلطة الإيديولوجيا، ومن أكثرهم تطبُّعاً مع المتناقضات التي بإمكان الظرف التاريخي أن يُنتجها، والتي تُشكّل خطراً على المجتمع وعلى ركائزه الفكرية والمعنوية من دون أن تُشكّل خطراً عليه بالضرورة. ومن هنا كذلك، كانت الإيديولوجيا هي المنقذ الحقيقي للروائي من السقوط في التضحية الحقيقية، واستبدالها بالتضحية المدروسة التي يتحمل مسؤوليتها البطل مهما كان التوجه الذي يضعه فيه الروائي، و يقوم بها في حدود ما تسمح به حساسية المرحلة، ومساحة النقد التي توّفرها أيديولوجية السلطة للأديب وهو يمارس سلطة الإيديولوجيا. ولا بأس إذا لم يجد الروائي من يسانده في تحقيق التضحية على مستوى الكتابة، لأنه عند ذلك سيردّ قلّة الحيلة و ضعف القوة إلى أن الناس لم يفهموه. ولذلك فهو لا يكتب للأجيال التي تُعاصرُه بطريقة خلافية، و إنما يكتب للأجيال المستقبلية التي يجايلها منذ مدة. وهو في كلّ الحالات سيضفي البعد الاستشرافي التنبئي على مسيرات أبطاله الذين يضحّون في مكانه، ومن أجله، ولعل هذا ما يفسر حالةَ التماهي التي يقوم الروائي متقنّعا ببطله، ومن ثمة بأبطاله، وهم يعيدون إنتاج حالات الروائي النفسية بكل ما تحمله من تناقضات و''يعانون حالة من عدم التلاؤم مع الواقع أو عدم الفهم له، ويعكس هذا التشظي في وعي الأبطال التقطيعات على بنية السرد التي أخذت تجسد شيئا فشيئا الحالات الذهنية للبطل المهزوم نفسيا و إدراكياس 8 -هل يسلم الروائي من مقولات أبطاله؟ وهل يستطيع الكاتب أن يحقق المسافة الفاصلة بين نبوءاته وهو يفكر للمجتمع ومن أجل المجتمع وفي مكان المجتمع، و بين نبوءات أبطاله وهم يعيدون صياغة اللحظة التاريخية صياغة روائية؟ كيف ينفلت البطل من يد الروائي ليعبر عمّا يختلج في بطن الروائي من مخاوف تتعلق أساسا، وبصورة مبدئية ، بانكشافات تصاعدية للفاجعة، والتي عادة ما يطرحها التاريخ عقبة مثلى في وجه الروائي؟ طالما أفرز الروائي الجزائري خطابات على المقاس، هي في صلب المغامرة التي يستقي منها العجينة الأساسية التي يُشكّل بها أبطاله، و يهيّئهم تهيئةً أيديولوجيةً للدفاع عن مصيره أولا. ولشدّة حرص الروائي على صناعة البطل على المقاس، فإن الأبطال عادة ما يكونون أوفياء بصورة عمياء لأيديولوجية الكاتب، لا يخرجون عنها و لا يحيدون. وهم في وفائهم هذا، إنما يعبّرون عن مدى الهوّة التي تفصل صانعيهم الروائيين عن الواقع وهو ينزلق من بين أيديهم، صانعاً للحادثة التاريخية، ومُشكِّلاً لها من عناصر جوهرية عادة ما تُخفي أبعادها الدرامية بطريقة لا ينتبهون إليها أثناء اشتغالهم على حتمية مزج أنفسهم بما يعتقدون أنه البطل الأنموذجي المُمثّل لحركية التاريخ. 9 -التوظيف الروائي للحادثة التاريخية : و بإمكاننا أن نلاحظ من خلال التمعّن في المسارات السردية التي ترسم تحركات العديد من الأبطال الذين سبق ذكرهم عند العديد من رواد الفترة السبعينية، الفارقَ الجوهري بين الحادثة التاريخية و بين التوظيف الروائي لهذه الحادثة. وهو توظيف عادة ما يعتمد على القراءة الأنانية المغلّفة بالتواطؤات المرحلية للمثقف مع سلطة المرحلة. و يسكن الروائي في كل سلطةِ مرحلةٍ الفراغات الكبرى الفاصلة بين وجهتي نظرٍ متخاصمتين و صانعتين للحادثة التاريخية. وعادة ما كان هذا الدور الذي يقوم به الروائي دورا مائلا للفراغات الإيديولوجية لسلطة المرحلة ، مدافعا عنها، حاميا لهشاشاتها، شارحا لانشغالاتها. غير أنه دور يخدم الروائي أولا- أو هكذا يبدو-، لأنه يمنحه فرصة التخفّي وراء أبطاله تخفيّا ذكيّا يقدم فيه الدرس الأساسي للأمة على لسانهم من دون أن يدفع ثمن التضحيات الكبرى التي يقومون بتحقيقها على مستوى السرد .لقد كان تقنين دور المثقف ومساحة تحركه، من صلب اهتمامات أيديولوجية الدولة الوطنية المستقلة. و لعلّنا نجد لهذا التصرف تبريراً في السياقات الفكرية الخلافية للنخبة الماقبل/ثورية التي أسّست القراءات الانفرادية للجذور التاريخية للأمة، و صاغت مواثيقها الأساسية بطريقة متسرعة و عشوائية ،و كان لا بدّ أن يتم كل ذلك إما عن طريق التغييب، و إما عن طريق الترويض.