خمسة أيام طويلة عاشها قطاع غزة لخصت فيها الحركة الصهيونية كل تاريخها وكثفت كل إرهابها المتجذر في العقل التلمودي منذ معازل بلاد الفراعنة وحتى غيتوهات أوروبا وقبالة ذلك كله وقف شعبنا يُقاتل بالأجساد العارية والأرواح العالية، صحيح أن في غزة فصائل مقاومة تمتلك شيئاً من السلاح وصحيح أيضاً أن هذه الفصائل ضربت العدو وأدمته وبددت هيبته التي لن تعود أبداً، ولكن ماذا في الحرب أيضاً غير جنون العدو وصمودنا وغير إرهابه الذي يواجه ببطولة ثوارنا وأهالينا.. في الحرب أطفال يُتموا ونساء رُملوا وفيها الكثير من الثكالى.. وفيها قصص كثيرة عن أوجاع ومآسي استوطنت أرواحنا وفجيعة فقد لأبطال لا نعرفهم عاشوا في الظل طيلة أعمارهم التي كان انتهاؤها إشهار لبطولتهم وإعلان عن تاريخهم الطويل... في الحرب قصص لأبطال من سرايا القدس قاتلوا العدو طويلاً وكانت أرواحهم كالزئبق تنجو من الموت وتراوغه ولكنهم في النهاية مضوا شهداء، وفيها قصص عن مقاتلين من كتائب تحمل اسم أبو علي مصطفى والمفارقة أن جُل هؤلاء المقاتلين جاؤوا للدنيا بعد أن غادرها أبو علي ولكنهم مضوا يحملون اسمه ويُقاتلون.. أحدهم كان يُطلق قذائف الهاون صوب أوكار المحتلين حافي القدم لتصبح هذه الصورة أشهر وسم (تريند) على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الحرب.. وواحد أخر والده أسير محرر أمضى في السجون 15 عاماً وثالث والده أيضاً أسير وأخواله شهداء بينما أشهرهم وإسمه علم يحمل إسم رفيق لوالده استشهد في الإنتفاضة الأولى (علم الدين شاهين).. مشكلة الحرب ليس في صدمة بدايتها ولا في الألم الذي نُعانيه خلالها ولا في هلع أطفالنا من تفصيلاتها مٌشكلة الحرب في إنتهائها عندما نخرج للشوارع نتلمس الحياة فلا نجدها مشكلتها في أننا نرى الحزن على من رحل في الوجوه ونقرأه على صفحة بحر غزة وسمائها.. ومشكلتها في أن خيارنا يمضون شهداء بينما يتقاسم شرارنا دمائهم ومجدهم ليسفحوه على طاولات أنظمة العرب والعلاقات السياسية الأخوية والبريئة معها.. نحن على هذه الأرض لا نزال أحياء وندعو الله أن نظل وأحبتنا كذلك لنشهد كنس المحتلين عن أرضنا ونبني في كل شارع تمثال لإياد الحسني وجهاد غنام.. ولنشيد في كل مدينة نصباً تذكارياً للمقاتل حافي القدم، ولنسن في برلماننا الوطني ما بعد التحرير قانونا نصه أن كل من يريد أن يتولى قيادتنا يجب أن يُمارس طقوس التطهر عبر زيارة تماثيل الشهداء وتقبيل قدم المقاتل الحافية ووضعها على جبينه.