يشكل أدب الرحلة أحد الأنواع الأدبية المهمة التي ما تزال في حاجة إلى اهتمام أكبر وعناية، حيث يمكنه أن يسهم، من خلال نصوصه، في خدمة عدة قطاعات اقتصادية وسياحية بامتياز، كما يرى الكاتب عبد القادر مسكي الذي قدم عبر هذا النوع الأدبي مؤلفين اثنين، في انتظار أعمال أخرى قيد التأليف، تطرقنا في حوار معه للعديد من المميزات التي تخص أدب الرحلة وواقعه في الجزائر ودوره السياحي والترويجي الهام. الشعب: في البداية عرفنا بالكاتب عبد القادر مسكي؟ عبد القادر مسكي: كاتب وشاعر جزائري من مدينة أرزيو ولاية وهران، بدأت الكتابة في سن جد مبكرة، كما اشتغلت على عدة ميادين فنية أخرى كالتنشيط والتمثيل والإخراج المسرحي والكتابة المسرحية والنحت، وكتبت في عدة أجناس أدبية كالمقالة والخطابة والرسالة، اندمجت مع مختلف أنواع الشعر وتحصلت على عدة مراتب أولى وطنية، لكنني تفرغت في الأخير إلى جنس أدبي تتداخل فيه الأجناس الأدبية، ألا وهو أدب الرحلة، حيث أشتغل عليه دراسة وكتابة، وصدر لي فيه بعض الأعمال، منها "رحلة الخدمة الوطنية" (نشرت في الجرائد الوطنية) و«رحلة الواحة الحمراء" الصادر عن دار كلاما 2020 و«رحلة تندوف في زمن الكورونا" عن دار خيال 2021 والذي تحصلت على المرتبة الثالثة عربيا عنه في المسابقة الدولية لأدب الرحلة، بالإضافة إلى أعمال أخرى قيد التأليف منها "موسم الرحلة نحو الجنوب" و«رحلة الصدف" ومجموعة شعرية كبيرة متنوعة. - الرحلة.. حدّثنا عن هذا النوع من الأدب؟ لحقيقة أنني عُرفت شاعرا لمدة تفوق 22 سنة ولكن أدب الرحلة هو أدب مهمل، ضئيل، نادر ومندثر، عندما توغلت في أعماقه دراسة وكتابة، وجدته أدبا ماتعا يحمل من الزخم المعرفي الكثير وفي مكنونه كنوز لا يمكن حصرها من جهة، ومن جهة أخرى فإن تداخله مع الأجناس الأدبية الأخرى يعطيه قيمة خاصة إذ يمكن اعتباره أدبا جامعا.. لقد قرأت أدب الرحلة وقرأت عشرات النصوص الرحلية واستمتعت بها ووقفت على بعضها دارسا، فوجدت أنه ينبغي إحياء وبعث هذا اللون الأدبي، ولكن بقالب وأسلوب جديد ومميز حتى ينجذب إليه القراء، فكتبت نصوصا لاقت رواجا كبيرا، في ظل هيمنة الرواية على إصدارات الكتاب، خاصة بعد أن زرت كل الجزائر تقريبا وجعلت من هذه الزمردة القارية فضاء لكتاباتي الرحلية، وفعليا يقبل الكثير من الدكاترة وطلبتهم على هذه النصوص بغية دراستها بطريقة علمية حداثية وهذا ما زاد في نجاح كتاباتنا الرحلية عن الجزائر، إذ صنفت ضمن ما يمكن أن نسميه بالأدب السياحي. - صف لنا واقع أدب الرحلة في الجزائر من وجهة نظرك؟ في الواقع، الكتابة الرحلية في الجزائر مازالت محدودة للغاية لعدة أسباب ذاتية تتعلق بالكتاب ذاتهم من جهة، ولأسباب موضوعية تعود إلى عدم الاهتمام بهذا اللون الأدبي وإعطائه حقه من العناية والدراسة، ولكن هذا لا يعني عدم وجود كتّاب رحلة في الجزائر، فثمة أسماء لابد من الإشادة بها أمثال الكاتب ابراهيم بن ساسي من ورقلة وفوزي مصمودي من بسكرة وعبد الرزاق بوكبة من برج بوعريريج وياسين قلوش من عين صالح والحاج أحمد الصديق من أدرار وبشير خلف من الوادي وغيرهم ممن يتعذر علينا ذكر أسمائهم.. ومع ذلك، لابد من الإشارة إلى أن هذا لا يقاس بما تلاقيه الرواية من اهتمام خاصة وأنها لا تتطلب سفرا أو مشقة، لذلك فإن أدب الرحلة في الجزائر مازال - في رأيي - يحتاج إلى عناية أكبر من الدارسين والنقاد من جهة، وإلى التفاتة جادة من الكتاب لهذا الفضاء الزاخر بفكره وقيمه. - هل يمكن تطوير هذا الأدب حتى يحقق بعض الأهداف الأخرى المرتبطة به، على غرار الأدب السياحي والترويجي لمختلف المناطق عبر تراب الوطن؟ طبعا يمكن تطويره وبلوغ العالمية به، فأدب الرحلة الجزائري ليس بجديد فقد عرف منذ القدم، بل ومنذ مراحل تأسيسه إلى يومنا هذا رواجا كبيرا وروادا كثر، سواء في النثر الرحلي أو الشعر الرحلي ولنا في ذلك أسماء وقامات تفخر بها الجزائر لا مجال لذكرها ولكن نشير إلى بعض منها أمثال الوارجلاني وبن الفكون القسنطيني الأول والوارثيلاني وبن حمادوش والمصعبي وبن عمار والناصري والبشير الإبراهيمي وأبو القاسم سعد الله والقائمة تطول بمن حملوا مشعل هذا الأدب الزاخر في الجزائر. وبالتالي وفي وجود كتاب على قلتهم وفي حال وجد أدب الرحلة في الجزائر اهتماما، فالأكيد أنه سيحقق غايات أسمى وأبعد مما هو عليه وسيخدم عدة قطاعات اقتصادية وسياحية بامتياز. - من خلال أعمالك في أدب الرحلة، كان للعديد من المناطق في جنوبنا المعروفة بطبيعتها الصحراوية حصة الأسد، لماذا وقع اختيارك عليها؟ طرحكم صائب تماما، لأنني أولا وجدت في الجنوب الجزائري ملاذي ومتاعي ومتنفسي من جهة، كما وجدت أنه لم يحظ باهتمام الكتاب على ما فيه من سحر وعظمة وجنات لا يدركها من لم يزرها من قبل، بل هو يتبدى لمن هم دونه أرضا خالية قاحلة يستحال العيش فيها، وهو خلاف ذلك وإن قست طبيعته.. شخصيا عندما توغلت في أعماقه انبهرت انبهار المفتون المأخوذ إلى عالم العجائب، فافتتنت بما تحوز عليه هذه المناطق من طبيعة صحراوية خلابة، وأخذت من عقلي ما جعلني أجعلها محور فضائي الإبداعي. - كيف تعتبر هذه المناطق مسرحا واقعيا لأدب الرحلة وما هي التفاصيل الملهمة في ذلك؟ من الطبيعي أن يكون جنوبنا الجزائري مسرحا لأعظم أحداث الرحلات عبر الزمن ولست الأول في ذلك، فعظمة وجمال صحرائنا بخيراتها وطبيعتها ومعالمها دفعت الكثير من الكتاب حتى الأجانب للكتابة عنها. وبالإضافة إلى كونها أعظم متنفس رحلي بعيدا عن ضوضاء المدن وزحامها، تحوي الكثير من الأسرار والعجائب مما لا عين رأت ولا أذن سمعت. وقد عشت من عجبها ما جعلني أهيم بها، فهي مناطق سياحية بامتياز ويكفي أن أسرد لمعلم واحد حتى أجعل عشرات المتلقين يقبلون على المكان. - ينبثق عن هذا النوع الكثير من المجالات كما سبق وحدثتنا، كيف يمكن الاستثمار في الأعمال الأدبية برأيك، حتى تؤدي دورها في الترويج السياحي؟ نسعى بطبيعة الحال إلى الترويج السياحي من خلال كتاباتنا الرحلية التي تتخذ من الجزائر موضوعا لها، كيف لا والجزائر قارة سياحية بامتياز ولا تنازعها في ذلك دولة لما تملكه من مقومات السياحة الفعلية، فنحن نبزر تلك العظمة من خلال نصوص تشويقية هادفة تدفع بالمتلقي - كما أشرنا آنفا- دفعا إلى زيارة الأماكن الموصوفة بأسلوب أدبي يحمل كل قيم الجمال والجذب السياحي. وكأننا نرسم السياحة أدبا. - بالعودة إلى أعمالك الأدبية، كان قد صدر لك مؤلفان وأنت بصدد التحضير لعمل جديد، هل من تفاصيل حوله؟ لقد صدر لي مؤلفان مطبوعان كما ذكرت ذلك في بادئ الأمر، ومؤلفات لم تطبع ونصوص قيد التأليف، مثل مدوننا الموسوم ب "موسم الرحلة نحو الجنوب"، الذي خصصته لرحلة دامت 39 يوما، زرت خلالها كل مدن الصحراء الجزائرية تقريبا، بدءا من ورقلة إلى إليزي فجانت فتقرت فالوادي فغرداية، ثم تمنراست إلى عين صالح فالمنيعة وورقلة مجددا إلى متليلي فالأغواط. وكانت في ظروف استثنائية بفعل تزامنها وانتشار وباء كورونا وانعدام النقل وغير ذلك. هذا المدون يختلف عن سابقيه من حيث الأسلوب وما حدث في الرحلة من عجائب وغرائب يصعب تصديقها، ولكنه ينصب في عظائم روعة الجزائر وصحرائها، كما كانت تجربة رحلية راقية جدا وعظيمة لا تقل أهمية عن سابقاتها، بل هي أعظم رحلة خضتها لمسافة فاقت 16 ألف كلم. - هل تحظى هذه الأعمال بنوع من الاهتمام من طرف القراء والنقاد، وكيف يمكن تطوير هذا الجانب لفعالية أكثر؟ بطبيعة الحال إن أعمالنا الرحلية أصبحت محل اهتمام الكثير من الدارسين والنقاد، وقد لقيت رواجا كبيرا خاصة في الآونة الأخيرة، بعد أن سعت فضاءات الجامعات الجزائرية إلى العناية بالأدب السياحي والرحلي والنهوض بهما في المجال الاقتصادي. ومن جهتنا يدفعنا هذا الاهتمام إلى المضي قدما نحو التأسيس للأدب الرحلي الجزائري المعاصر وفق معطيات سردية تتناسب ورغبة المتلقي.