صبيحة الثالث من حزيران وقبل أيام من حلول ذكرى النكسة، وفي سيناء أرض الطور والعبور، أعطى واحد من خير أجناد الأرض للشهر الكئيب لوناً آخر غير ألوان الهزيمة. جندي من أولئك الذين غنّى لهم الشيخ إمام رائعته (عبد الودود)، قرّر أن له دور آخر في إطار المعركة القومية، وأن دماء رفاق سلاحه التي ساحت على أرض سيناء وأثمرت نصراً ستثمر انتصارات أخرى. جندي واحد ببندقية كلاشينكوف وبضع مخازن ذخيرة، أوقف دولة بأكملها على رؤوس أصابعها، وألقم مخابراتها وإعلامها حجراً، وعند قدميه ركع جنرالاتها الذين تقاذفوا الاتهامات فيما بينهم. لم يُفصح عن اسم الجندي بعد، وأتمنى ألا يُفصح فالقمر الذي نعرف كان إلها معبوداً، ومحط قلوب العشاق عندما كان بعيداً، وعندما هتكت أستاره وكشفت أسراره بات جسماً فضائياً معتماً لا معنى له.. ونحن نريد لبطلنا أن يظل مجهولاً لتتخيّل كل عاشقة من بنات أمّتنا أنّ حبيبها هو البطل، وليعتقد كل الآباء أن أولادهم هم قمر سيناء، ولسيناء التي ظلمناها كثيراً وألصقنا بها تهم التخلي والخذلان، وأنها أرض خلقت لتشهد ضياع الأنبياء وذهابهم للقتال وحدهم أن تتساءل هل حقاً ما قاله عنها نزار قباني بأنها شهدت تخلينا عن جمال الأمة وتركه في قعرها يقاتل وحده.. إنّ سيناء أرض البرزخ الإعجازية في وقوعها بين قارتين وبحرين تكتب اليوم للأمة وعدوها فصلاً جديداً، وتعلق على شاطئ الفيروز جرساً كبيراً يوقظ من نام منا أو تخاذل ليفهم معنى الدم على ترابها ومغزاه، ولتؤكد صواب ما تقوله أمي والناصريون القدامى أبناء جيلها الذين يعتقدون حد الإيمان أن بلاد النيل يوم تفيض سوف تكنس المحتلين ومشروعهم عن كامل التراب العربي. وسيناء بجرسها تقلع عين المحتلين لتتركهم على شاكلة مسخهم المنتظر بعين واحدة وذهن يجب أن يعمل كثيراً، ويتساءل إن كانت بندقية حلوان واحدة ضربت مشروعهم في مقتل فماذا يفعل زحف البنادق حين يسيل من أسوان حتى البحر. ثم أين كل الصلف الذي خبرناه في عدونا الذي صمت طويلاً ثم انتظر بيان الجيش المصري، فقرأه وبلع لسانه ولم يهدد أو يتوعد وحتى لم يُعلق.. إنّ لسيناء وبطلها في أعناقنا أمانة يبدأ الوفاء بها بالسؤال: من أين جاءت بنت السّماء هل هي زوجة أيّوب كي تكيد لضفائرها النّساء…؟ هل بحرها من دمع يعقوب جاء..؟ هل جريمتها أن الشمس سجدت لحسنها أم أن النجوم بنات حزنها…؟ ثم من أين أتت بفيروز عينيها؟ ومن ذا الذي قاد البحر لقدميها؟ أعيدوا لسيناء خديها حرّروا من السّجن مقلتيها وأعطوا كل صحاريكم سكاكين وأعرضوها عليها سوف تنتحر المدن وتقطع الصحاري يديها وتفوز سيناء بقلب امرأة العزيز وجنتيها ثم تنتحر كل أصنامكم في المعابد ليموت فينا الشك وتحط الأقمار بدير كاترين لتهمس لصحرائنا هذا تأويل رؤياك بالحق هذا تأويل رؤياك بالحق.