هل سبق أن شاهدتم الجماهير العربية تنزل إلى الشارع دفاعا عن رجل سياسة عربي؟ هل سبق أن شاهدتم مختلف فئات وشرائح المجتمعات العربية متفقة كل قضية واحدة، من دمشق إلى نواقشوط؟ أليس من عادتنا، نحن العرب، الاتفاق على الاختلاف؟ أن نتفق على عدم التراضي؟ ولكن، لأول مرة، حدث الاستثناء. فالاستثناء يؤكد القاعدة وفيروز واحدة من رموز وطن عربي، يرفض جميع القواعد، وينزف منذ أكثر من خمسين سنة. صنعت الاستثناء لما حركت، شهر جويلية الماضي، مشاعر كل العرب الذين عبّروا، كل واحد بطريقته، عن دعمهم لصاحبة ''القدس في البال'' عقب منعها، من طرف القضاء اللبناني، من تأدية مسرحية ''يعيش يعيش'' بكازينو لبنان، بسبب دعاوى قضائية تتعلق بميراث عائلة الرحباني رفعها أبناء منصور الرحباني (شقيق زوجها عاصي الرحباني) الثلاثة. يمكن أن تصمت فيروز، لكن العالم كله سيتحدث باسمها. دعوة قضائية حركتها ضدها عائلة شقيق زوجها منصور الرحباني، تتعلق بالملكية الفكرية، نالت تفاعل القضاء وأثارت سخط الشارع العربي. قضية ساهمت في رفع أسهم جارة القمر وليس العكس. انتظر، حينها، العشرات من العشاق، فرصة إعادة رؤية فيروز، مجددا، في ''الكازينو'' بضاحية جونيه، ولكن سلطة القضاء كانت أقوى والتزمت فيروز الصمت وتركت ماضيها يتحدث عنها. صحيح أن فيروز مغنية ولكنها مغنية بسمعة رئيس جمهورية أو أكثر. فنانة حتى النخاع ومتشبعة بالالتزام وتدرك دورها ومكانتها وحجم حريتها. لما صمتت صاحبة ''الليل والقنديل'' تحدث الشارع باسمها. تلونت بيروت بوجهها واحتضنت تجمعا شعبيا صامتا، بالدان تاون، شاركت فيها كثير من الأسماء الفنية، القادمة من مختلف البقاع العربية. صام الجميع عن الكلام حينها ورفعوا فقط أغانيها في مكبرات الصوت. يكفي أن نسمع صوت فيروز كي تخشع القلوب. فرضت المحكمة منطقها ولم تؤد فيروز ''يعيش يعيش'' ولكنها استشعرت آمنا وأعادت اكتشاف حب الناس لملحمتها الحية. من الممكن أن لا يتفق أحد مع فيرو لكن أبدا لا يمكن أن يتنكر لها ولحنكتها وثقتها ونزاهتها. يكفي أن ندرك فقط أنها، رغم الشهرة الواسعة التي بلغتها، لم تغن وتذكر يوما في أغانيها الرؤساء والملوك العرب. فيروز ملاك في عالم الشياطين. رفضت سنة ,2006 عقب حرب تموز، الغناء والاستجابة إلى كل الدعوات التي تلقتها كي لا تحسب لصالح تيار ضد آخر في لبنان، كانت تصنع واجهتها الانقسامات السياسية. تؤمن بأن لبنان، على شاكلة الوطن العربي إجمالا، يعيش تقطعا داخليا لذلك قررت، البقاء في وطنها الأم وعدم هجره، محاكية تحولات حياة بيروت الشغف وسلطان الحب، والعيش في بيتين، تنتقل بينهما، واحد في الضاحية الشرقية، حيث تقيم الطائفة المسيحية وآخر في الروشة حيث تقيم الطائفة المسلمة. تعرف أن كل خطوة تقوم بها من الممكن تأويلها سياسيا. حذرة وغير عابئة بالتأويلات الذاتية، خصوصا الحروب التي يقودها ضدها أبناء منصور الرحباني. فيروز رفضت أن تنخرط في مسيرة رفيق الحريري يوم كان الرجل الأول في لبنان، يوم كان يحمل لقب ''الملك''. رفضت إغراءات الرئيس إلياس الهراوي وبقيت فيرز ''متفردة'' تردد ''تراتيل الميلاد''. فيروز التي شهدت ميلاد الجزائر الجديد سنة 1968 طالب منصور الرحباني، قبل وفاته، باعتقالها. لكنها واصلت الطريق وصارت تعد اليوم الملايين من العشاق، عبر العالم، وهي تقترب من عيد ميلادها الخامس والسبعين في التاسع عشر من الشهر المقبل. مناسبة ستحتفل بها بيروت الخالدة مع إصدار ألبومها الجديد الموسومئ''إيه في أمل'' (فيروز بروديكسيون)، الذي أصدرته بالتعاون مع نجلها زياد. ألبوم غنت فيه ''الله كبير''، ''الأرض لكم''، ''ما شاورت أحد'' وأغنية ''إيه في أمل''. نعم! سيجمع بيننا الأمل. نعم يا صوت الحياة. أنت فيروز وأنت الأمل بيننا.