تعمل الفرق البحثية بوحدة "البحث اللساني وقضايا اللغة العربية" بورقلة والتابعة لمركز البحث العلمي وتطوير اللغة العربية على العديد من المشاريع البحثية الهامة، حيث منذ افتتاحها في سنة 2014، أنجزت الوحدة عدة مشاريع بحثية ميدانية في مجال اللسانيات، وواقع اللغة العربية في الجزائر من ناحية السياسة اللغوية، التخطيط اللغوي والتعليمية، كما أكد ل«الشعب" مدير الوحدة عبد المالك بريحة. ذكر عبد المالك بريحة أن منذ سنتين أنجزت الوحدة "مشروع الأطلس اللساني"، وهو مشروع ضخم انطلق البحث فيه عام 2016، وتمّ استكماله سنة 2020، حيث أصبح بعدها لكل فرقة بالوحدة مشروعها البحثي الخاص، مشيرا إلى أن وحدة البحث اللساني وقضايا اللغة العربية تعمل على تقديم قاعدة بيانات لعدة هيئات وقطاعات، على غرار قطاع السياحة والاقتصاد والثقافة، كما تصدر عنها مجلة نصف سنوية يطمح فريق العمل لتصنيفها، خاصة أنها تتوفر على كل الشروط المطلوبة للتصنيف. وخلال زيارة "الشعب" للوحدة تعرّفنا على مختلف الأقسام الموجودة والبحوث الجاري العمل عليها في الوقت الحالي، وفي هذا السياق كان لنا حديث مع الدكتور حميد غويرق أستاذ باحث في وحدة "البحث اللساني وقضايا اللغة العربية" ورئيس قسم اللسانيات وقضايا المصطلح والترجمة والمعجمية، فصّل في المشاريع البحثية للقسم الذي يتفرعّ عنه أربع فرق، منها موسوعة اللسانيات العرفانية وهو مشروع يحاول أن يوضح مفهوم اللسانيات العرفانية ومدى علاقتها بالمجال اللغوي، بالإضافة إلى فرقة الدراسات السوسيولسانية في الجزائر والتي تهتم بدراسة كل ما يتصل باللغة في المجتمع، وقد نظمت هذه الفرقة حسبه ملتقى دولي في الدراسات السوسيولسانية في الدول المغاربية، قدم دراسات هامة في هذا المجال. أما الفرقة الثالثة وهي فرقة اللغة المحلية في ورقلة وعلاقتها بالفصحى، تهتم باللهجات والأداءات اللسانية في منطقة ورقلة ومحاولة بيان علاقة هذه اللهجات باللغة العربية الفصحى والفرقة الرابعة فرقة الألعاب اللغوية وصلتها بالناطقين بها، تهتم باستحداث ألعاب لغوية وتركز على الجانب الرقمي الذي يمكن أن يساهم في الجانب التعليمي لأبنائنا. موسوعة لمفاهيم اللسانيات المعرفية وفي لقائنا مع الدكتور عبد الكريم جيدور، رئيس فرقة موسوعة مفاهيم اللسانيات المعرفية وتعليم اللغات، كشف من جانبه أن مشروع إعداد هذه الموسوعة يشمل قسما يتعلق بعلوم الإدراك وعلوم الأعصاب والدماغ وعلاقتها بالمجالات الحيوية كتعليم اللغات، حيث لا يرتكز هذا المشروع على إعداد قاموس للكلمات فقط، بل يجتهد أعضاء الفرقة لتوفير مفاهيم أشمل، من أجل توفير الاكتفاء للطلبة والأساتذة والباحثين. وأوضح المتحدث بأن الفرقة انطلقت في دراسة البيانات الموجودة في بعض الموسوعات العالمية، ووجدت أنها توفر خدمات مهمة جدا، إلا أن القسم المتعلق باللغة العربية كان ضئيلا، إضافة إلى المغالطات الموجودة فيه. وباعتبار هذا المشروع البحثي يضمّ جانبا يتعلّق بالعلوم المعرفية وآخر لتعليم اللغات، فإنه سيبحث في الكثير من المجالات المرتبطة بالموضوع، بهدف جعل اللغة العربية ناطقة بلغة العلم الحديث، مشيرا إلى أن الموسوعة ستكون في شكل موقع رقمي أيضا. توظيف الألعاب اللغوية في تعليم العربية من جانبه الدكتور حسام الدين تاوريريرت، رئيس فرقة توظيف الألعاب اللغوية في تعليم اللغة العربية للناطقين بها، ورئيس تحرير مجلة "قضايا لغوية"، قدّم توضيحات حول هذا المشروع الذي يعدّ من بين المشاريع البحثية الهامة، حيث يهتم بدراسة الألعاب اللغوية ودور تقنية اللعب في تحسين أداء المتعلمين وتقديم نتائج مُرضية لعملية التعلم. وتسعى الفرقة من خلال هذا المشروع لتصميم دليل لاستخدام الألعاب اللغوية في عملية تعلم اللغة العربية لمرحلة التعليم الابتدائي كما ذكر، موضحا بأن ذلك يدخل في إطار جملة من المراحل والتي تشمل مرحلة العمل الميداني، من خلال الاطلاع على السوق والأعمال المتوفرة في هذا المجال وبعض الأعمال المتعلقة بالتصميم والتدقيق والمراجعة، إلى غاية إصدار العمل النهائي وتصميم الدليل، إضافة إلى عمل مرتبط بالشق الرقمي والتقني وحتى الجانب اليدوي يسمح بالتعرف على مختلف الألعاب اللغوية، ومنها ألعاب لغوية ورقية ويدوية وألعاب لغوية رقمية والتي يتمّ التعامل معها عن طريق الأجهزة الذكية أو السبورات التفاعلية وسيتم التطرّق من خلال هذا البحث لكل نوع من هذه الأنواع وإبراز دوره في عملية التعلم. ويشهد هذا المشروع البحثي كما ذكر الدكتور تاوريريت مراحل متقدّمة من الإنجاز، مشيرا إلى أنه جرى العمل على أكثر من جانب، خاصة ما تعلق بإحصاء المراجع المتوفرة والاطلاع على السوق وأهم النماذج والعينات في شكل دراسة مبدئية وصفية، بالإضافة إلى التحضير لبعض الدورات التكوينية وفعاليات في هذا المجال. وعن بعض الصعوبات التي يواجهها أعضاء الفرقة، أشار المتحدث إلى الحاجة إلى التكوين والتمويل، بالإضافة إلى ضيق المقر الذي لا يلبي الاحتياجات، ورغم ذلك يبدي الباحثون اهتماما كبيرا لهذا المجال البحثي الخصب والواسع. وبالعودة إلى سوق الألعاب، ذكر الدكتور حسام الدين تاوريريت أن نسبة الألعاب التعليمية في السوق العربية في ارتفاع كبير والأولياء أصبحوا أكثر اهتماما بالألعاب التعليمية للطفل، معتبرا أن السوق الجزائرية والصناعة المحلية لهذا النوع من الألعاب التعليمية مازالت تشهد خطوات أولى ومبادرات لا تلبي احتياجات السوق الوطنية، لذلك فإن هذا المشروع البحثي مشروع ذو بعد اقتصادي ومن الجيد التركيز عليه، خاصة أن الدولة الجزائرية توفّر أموالا ضخمة لدعم البحث ولابد أن يكون لهذه البحوث مردودا اقتصاديا واجتماعيا حسبه. مجلة قضايا لغوية من ناحية أخرى، تطرّق الدكتور تاوريريت خلال حديثه معنا إلى مجلة طقضايا لغوية" التي يعد رئيس تحريرها، حيث ذكر بأنها مجلة علمية، أكاديمية ودولية محكمة، تعنى بمختلف قضايا اللغة واللسانيات، تمّ إصدارها سنة 2021 وتصدر مرتين في السنة، إضافة للأعداد الخاصة عن وحدة البحث اللساني وقضايا اللغة العربية التابع للمركز العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية. تقدم المجلة كما أوضح أعمالا باللغات الثلاث العربية والفرنسية والإنجليزية، كما تهتم بنشر أبحاث في عدة لغات في مجال اللغة واللسانيات، ومن أهدافها تقريب الصلة بين القراء والكتاب والمساهمة في نشر المعرفة المرتبطة باللغة وتطوير البحث اللساني، ومواكبة تطور البحث اللغوي، من خلال تشجيع الأبحاث التي تعالج مواضيع حديثة وكذا توفير محتوى علمي، يمكن الاعتماد عليه كسند مرجعي في إعداد البحوث الأكاديمية. من بين أهم المجالات التي تطرح من خلالها: اللسانيات المعرفية والكمية والوظيفية والبصرية والاجتماعية والإحصائية والتنموية ومجال تنشيط اللغة وتطويرها وتوثيقها واكتساب اللغة وعلم اللهجات، وتهتم أيضا بأحدث الأبحاث في مجال اللسانيات لأن العلوم ممتدة ومرتبطة فيما بينها. وبهذا الصدد، أكد محدثنا أن اللغة العربية مجال خصب وبالإمكان إنشاء أرضية أفكار جديدة ومشاريع بحثية في الجزائر، وتحقيق الريادة عبر استثمار اللغة في مجال الذكاء الاصطناعي ومجال الحاسوب، خاصة أن اللغة العربية لم تأخذ حقها من البحث يقول كما كان الأمر بالنسبة للغات الأخرى، خاصة بالنظر لها كمصدر دخل اقتصادي، مثل بقية اللغات الأخرى، سواء في مجال التعليم، التسويق أو صناعة القواميس. وعن المشاركات في مجلة قضايا لغوية، قال المتحدث إن باب المشاركات مفتوح أمام طلبة الدراسات العليا والأساتذة والباحثين من داخل الوطن وخارجه، مضيفا أن المجلة أصدرت 8 أعداد وهي متوفرة رقميا من خلال موقع إلكتروني خاص بها وموجودة عبر تطبيق إلكتروني يعرض أعداد المجلة ومختلف إصدارات الوحدة. وفي حديث مع رئيسة قسم اللسانيات والتداولية سليمة عياض، أوضحت أن هذا القسم يضم أيضا أربعة فرق وهي المدونة اللسانية لتعريب وثائق الإدارة الجزائرية ومدونة الأخطاء اللسانية في الخطاب الإشهاري واستراتيجيات التعلم النشط، بالإضافة إلى الأطلس الرقمي للمصطلحات التجارية بمنطقة ورقلة. ويشتغل هذا القسم على مجموعة من المشاريع تتعلّق بقضايا اللغة العربية المستعملة، ومواضيع كلها تستهدف وصف اللغة في استعمالاتها في الواقع، وتصويب الأخطاء اللسانية الشائعة وتطويرها وكل هذه الأبحاث في مرحلة البحث الميداني. مشروع الضعف اللغوي في المؤسسات التعليمية ومن بين هذه الفرق البحثية، "فرقة استراتيجيات التعلّم النشط" التي تعمل على مشروع الضعف اللغوي في المؤسسات التعليمية في الجزائر في مرحلة التعليم الابتدائي كعينة وفاعلية استراتيجيات التعلم النشط في علاج هذا الضعف اللغوي، وفقا لما أشارت إليه الدكتورة سميرة بن موسى رئيسة الفرق. ويجري العمل لإنجازه عبر ثلاث مراحل، منها دراسة نظرية لكل القضايا التي تمسّ المشروع على غرار الضعف اللغوي مفهومه، أسبابه ومظاهره ومجموعة من الحلول للحد من هذه المشكلة والقضاء على هذا الضعف في المرحلة الابتدائية وختم المشروع باستكتاب جماعي ضم مجموعة قيمة من البحوث تعد مرجعا مهما بالنسبة للباحثين. ثم تأتي بعد ذلك المرحلة التطبيقية ويتبعها جمع كتب المرحلة الابتدائية وإعادة وضع طريقة لإلقاء الدروس باستخدام استراتيجيات التعلم النشط، بما يسمح بتطبيق هذه الاستراتيجيات في الميدان وملاحظة إذا ما حققت النتائج المتوقعة منها في الواقع. ويهدف هذا المشروع البحثي إلى توفير خارطة للمعلم تمكنه من إلقاء الدرس باستخدام هذه الاستراتيجيات بهدف محاربة الضعف اللغوي. أما الدكتورة جمعة زروقي رئيسة فرقة مشروع الأطلس اللساني الرقمي لألفاظ الزراعة والصناعة بمنطقة ورقلة، كشفت أن هذا المشروع البحثي يسلط الضوء على أهم المجالات للمصطلحات الزراعية والصناعية، ويهدف إلى رصد التنوعات اللسانية بين مناطق ولاية ورقلة وبلدياتها ودوائرها، كما يرصد الفروق والاختلافات اللسانية ويركز على الفروق الصوتية والدلالية في هذا الحقل وما تشابه وما اختلف من أسماء النباتات ومعدات الزراعة ومواعيد البذر والحصاد والجني، وأسماء البذور والمنتجات الزراعية، خاصة التمور، أصنافها ومشتقاتها بحكم أن المنطقة منطقة فلاحية وتشتهر بإنتاج التمور. وفي المجال الصناعي يرصد البحث أوجه الاختلاف والتشابه في مجال الصناعات التقليدية والعصرية وأسماء المنتجات الصناعية وأسماء الصنائع، المهن وفي السياحة يحاول رصد كل الألفاظ المتعلقة بالتشابهات والاختلافات في مجال السياحة والفندقة، وفي المحروقات يتمّ التركيز على مسميات المعدات والمنتجات والمصطلحات الخاصة بهذا المجال. وبعد جمع الألفاظ في جداول تعتمد لإصدار معجم خاص بالألفاظ الاقتصادية، ومن ثمّة تمثيلها في خرائط لسانية ترصد الاختلافات، لتصبح بذلك الخرائط تمثل أطلسا والجداول معجما، وقد تمّ الانطلاق في الجانب التطبيقي الميداني لهذا البحث الذي سيوفر مادة علمية قيمة للباحثين وسيصبح مرجعا معتمدا للطلبة والباحثين في بحوث مماثلة. أما الدكتور بركات رئيس فرقة مدونة اللسانية لتعريب وثائق الإدارة الجزائرية، فقد أشار من جانبه إلى أن أهمية هذا المشروع تنبثق من الجانب القانوني المتمثل في الدستور والقوانين التي تدعو لتعميم اللغة العربية في الجزائر، حيث إن وثائق الإدارة الجزائرية يعد جانبا مهما، "مع العلم أن الكثير من الإدارات عرّبت وثائقها وبالتالي فإن الدراسة ستهتم بوصف ما هو موجود ومساعدة بعض الإدارات في التصويب اللغوي، من ناحية المصطلحات، خاصة المترجمة بصورة غير دقيقة للخروج بمعجم للمصطلحات الإدارية". وفي سياق آخر، تجدر الإشارة إلى أن للوحدة إصدارات علمية من بينها "مباحث في اللسانيات التطبيقية" والندوة العلمية الأولى حول "تعليمية اللغة العربية في المرحلة الثانوية بالجزائر"، كما نظمت ملتقيات وتظاهرات علمية، ناقشت عدة إشكاليات ومواضيع مطروحة في مجال البحث اللساني، على غرار "مكانة اللغة العربية بين اللغات الأخرى في المجال الاقتصادي في الوطن العربي" حسب ما ذكرت الدكتورة حميدة بوعروة. وعالج الملتقى الذي نظمته الوحدة كما أشارت، واقع السياسات اللغوية والتخطيط اللغوي في الدول العربية وأثرهما في النمو الاقتصادي وسبل تطوير مناهج اللغة العربية، وطرائق تعليمها لجعلها لغة اقتصادية فاعلة، وأهمية وضع سياسة لغوية ناجعة تتضمن بعدا اقتصاديا للغة العربية في الوطن العربي. وأشار الدكتور محمد العمري من جانبه إلى أهداف هذا الملتقى التي تمثلت في ضبط علاقة اللغة العربية بالاقتصاد، باعتبارها أداة فاعلة في تنشيط حركية الاقتصاد في الدول العربية وإبراز دور اللغة العربية في الدراسات الاقتصادية، كونها عنصرا هاما في التعاملات الاقتصادية والمساهمة في توجيه السياسات والتخطيطات اللغوية في الوطن العربي، لجعل اللغة العربية لغة للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.