يحقّ للجزائريين أن يفخروا بقيادتهم الحكيمة والرائدة على مواقفها الجريئة، ولا سيما وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني ونضالاته وقضيته الذي يتعرض يومياً لأقسى أشكال العدوان والغطرسة الصهيو-أمريكية. يحقّ للجزائر وهي تحيي ذكرى استقلالها الواحد والستين من أطول استعمار عرفه التاريخ وهو الاستعمار الفرنسي الذي احتل أرضها لأكثر من 130 سنة، أن تفخر بنضال أبنائها الشهداء والأسرى والمناضلين وهي بلد المليون ونصف شهيد. لم تكتف الجزائر بوقوفها إلى جانب الشعوب المقهورة في نضالها الوطني التحرري وخاصة الشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال الصهيوني، والوقوف سداً وحصناً منيعاً في وجه توسيع إطار «تحالف أبراهام» لدمج العدو الصهيوني في التحالف الإقليمي بالمنطقة العربية، بل تخطّت ذلك بدعمها اللامحدود لفلسطين، حيث أعلنت الجمهورية الجزائرية منح مساهمة مالية بقيمة (30) مليون دولار للمساعدة في إعمار مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة الفلسطينية بعد عدوان همجي وإجرامي صهيوني استمر أكثر من 48 ساعة متواصلة. هذا العدوان الصهيوني المدعوم أميركياً وبتواطئ دولي وتنديد وشجب عربي وأدى لاستشهاد 11 فلسطينياً وإلحاق دمار في البنية التحتية وتضرر نحو (429) منزلاً ومنشأة، وتشريد العشرات من العائلات الفلسطينية تاركين منازلهم بحثاً عن ملاجئ آمنة، لم يسعف الجزائر الصمت على إرهاب الدولة المنظم وجرائم الاحتلال الصهيوني والاكتفاء ببيانات الشجب والتنديد، بل دفعها لإدانة العدوان قولاً وفعلاً بقرار من رئيس الجمهورية الجزائرية الرئيس عبد المجيد تبون تقديم منحة كمساهمة مالية بقيمة (30) مليون دولار للمساعدة في إعادة إعمار جنين ومخيمها. ولم يتوقّف الرئيس الجزائري عند الدعم لجنين ومخيمها، بل أعلن عن وقوف الجزائر إلى جانب الشعب الفلسطيني وفي نضاله في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وحقّه المشروع في المقاومة بكل أشكالها لنيل حقوقه الوطنية وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف. شكراً للجزائر شعباً وقيادةً وجيشاً على وقوفها الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني، فهي التي ألهمت بثورتها المجيدة التي يحيي شعبها اليوم ذكرى انتصارها، ألهمت الشعب الفلسطيني بإطلاق مقاومته بكافة الأشكال ضد الاحتلال الصهيوني، والذي رأى في انتصار ثورة الجزائر بُشرى لانتصار ثورة فلسطين، ومثالاً يحتذى به في الصراع مع المحتل الغاصب لنيل استقلاله. هذه المواقف الشجاعة لجمهورية الجزائر لم تتوقف عند ذلك، بل تتميز بأصالتها فهي من احتضنت الثورة الفلسطينية وتحت ظلال صنوبرها في الخامس عشر من تشرين ثاني (نوفمبر) عام 1988 أعلنت فلسطين استقلالها، وهي من احتضنت «إعلان الجزائر» للم الشمل الفلسطيني العام الماضي، ومن على أرضها صانت القضية الفلسطينية في اجتماع جامعة الدول العربية في نوفمبر 2022، وهي أول من اعترفت بدولة فلسطين وأقامت علاقات دبلوماسية معها، وصوّتت لصالح قرار يمنح فلسطين صفة دولة مراقبة غير عضو في الأممالمتحدة عام 2012، وتسعى لنيلها عضوية دائمة في الأممالمتحدة. إن الدعم السخي للجزائر لم يتوقف يوماً، حيث قدمت في نهاية عام 2021 لفلسطين نحو (100) مليون دولار، إلى جانب الحفاظ على مساهمتها المالية السنوية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» في الوقت الذي تتخلى العديد من الدول والمنظمات العربية والمسلمة والدولية عن دورها في دعم الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع. لقد أصاب ملهم الجزائرين الرئيس الأسبق هواري بومدين بعبارته الشهيرة «نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة»، وكان يردد دوماً أن «قضية فلسطين هي الاسمنت المسلح والقنبلة المفجرة للأمة العربية، وهي القضية المركزية التي وجب الالتفاف حولها في جميع الظروف». ويحقّ للجزائر أن تفخر بدورها السياسي والمحوري الذي لعبته في المشرق العربي والإقليمي، وبدورها المميز في القارة الأفريقية وتعليق عضوية دولة الاحتلال الصهيوني في الاتحاد الأفريقي، واسهامها كعضو في منظمة عدم الانحياز أن تكون نموذجاً مُلهماً لمستقبل حركات مناهضة الاستعمار والعنصرية حول العالم، واحتضان الثورة الفلسطينية وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، واستضافة جولات الحوار الوطني الفلسطيني لإنهاء الانقسام، وانفراد إعلامها بطرح قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال في صُحفها اليومية والأسبوعية والشهرية من خلال ملف تعده سفارة فلسطين في الجزائر. إن الجزائر ابنة الثورة البطلة، كلمة ترتبط بالاعتزاز الوطني والشموخ.. حين نتذكر التاريخ ونرى الوقائع، ندرك أن الفجر قادم لا محالة لفلسطين وانتصار مقاومتها على العدو الصهيوني إن طال الزمن أو قصر. مرة أخرى، نشكر الجزائر شعباً وقيادةً وجيشاً، على هذا الدعم السخي واللا محدود لشعبنا الفلسطيني ونضاله وحقّه المشروع في دولة مستقلة سيّدة على أرضها وشعبها وعاصمتها القدس، ونهنئ الجزائريين في ذكرى انتصار ثورتهم المجيدة والذي يحقّ لهم الفخر والاعتزاز بتاريخهم المشرّف، وحضورهم الواسع في قلب ووجدان كل فلسطيني وحركات التحرّر الفلسطينية والعربية والدولية، وفي كافة المحافل الدولية.