يعرف الوضع في سوريا انزلاقا باتخاذه أبعادا إقليمية وهو ما كان متوقعا جراء العدوان الحربي الذي شنه طيران قوات الكيان الصهيوني على موقع حيوي سوري في عملية بالغة الخطورة وإن كانت ليست جديدة بعد أن كانت سوريا في مراحل سابقة هدفا مركزيا في مخطط العدو الإسرائيلي سواء بالقصف أو بالاغتيال لشخصيات بارزة. وجاء هذا العدوان المخالف للقانون الدولي ليكشف مدى تورط هذا الكيان الغريب عن المنطقة برمتها في أزمة سوريا التي تئن تحت وطأة اقتتال أهل الدار والأجنبي يحصي المكاسب. بلا شك أن سوريا في الوضع الراهن لا يمكنها الرد بالمثل على الخطوة الخطيرة التي قام بها الكيان الاسرائيلي بفعل الأزمة الداخلية التي تمزق البلاد وتشتت العباد نتيجة الاقتتال الذي يبدو أن أكثر من طرف يلعب في ميدانه بما في ذلك عناصر لقوى ذات نفوذ إقليمي وعالمي الأمر الذي يوفر المناخ الملائم لإسرائيل لتشرع في تطبيق مخططها. بعد سنتين من دخول سوريا في حرب داخلية، وبتأكد العدو التاريخي من تصميم الإخوة الأعداء على رفض الجلوس الى طاولة الحوار كان من الطبيعي أن يحصل عدوان من هذا النوع ذلك أنه لا توجد فرصة مواتية مثل هذا الظرف ليربح المتربص بعدوه مزيدا من النقاط، فيتركه في موقع المتلقي للضربات غارقا في أزمته التي يزيد من وطأتها وتعقيداتها أبناء الوطن أنفسهم. لكن لا يبدو أن سوريا تستمر في التزام سياسة الترقب واعتبار ما حصل لها من خرق لحرمة السيادة والاعتداء الحربي المباشر عملا عارضا ومن ثمة من حقها بل من واجبها أن تضع كل الخيارات على الطاولة بما في ذلك الرد المؤلم وفي الوقت المناسب، كما من واجب المعارضة الوطنية الصحيحة غير المتورطة في المشروع الإسرائلي المرتكز على مخطط الشرق الأوسط الجديد التعبير عن موقفها الصريح برفض ما أقدمت عليه الدولة العبرية وتأكيد ذلك حتى بالانضمام الى خندق الوطن الجريح. غير أن أفضل ما يمكن للسوريين الرد به على المغامرة الاسرائيلية التي تهدد بانفجار الوضع في المنطقة بكاملها بما يعصف بالأمن والسلم الاقليميين وجر مناطق مجاورة أخرى إلى أتون حرب تأتي على الأخضر واليابس قلب حسابات العدو من خلال التوافق على خيار الجلوس حول طاولة الحوار السياسي الداخلي من أجل تمكين الشعب السوري المعني الأول والأخير من ممارسة حقه في تحديد الخيار المستقبلي بعيدا عن أي تأثير أو ضغط من أي كان ومن ثمة تمكين سوريا الدولة من التزود بالطاقة الشعبية التي تردع المعتدي وتجبره على إعادة قراءة الوضع. ولا تزال مثل هذه الفرصة قائمة في ظل تشكل رأي عام عربي مناهض للعدوان الصهيوني مثلما عكسته ردود الفعل الرسمية والشعبية ويزيدها أملا عودة الحديث في صفوف جانب هام من المعارضة عن خيار الحوار والجدوى السياسية المرجوة من ذلك، كون الوطن برمته يوجد في فوهة بركان أكبر من ذلك التي تسببت فيه معاول الهدم السورية، مثلما تؤكده التطورات الأخيرة، وهنا لا يتطلب الموقف دهاء فائقا لتوقع الأهداف من القصف الجوي الصهيوني والتي تجتمع حول التوصل إلى كسر دعائم القوة لهذا البلد وإلحاق الضرر الكبير بمقومات المقاومة بشكل ينهي حالة الخوف من المفاجأة وربما محاولة اختبار مدى متانة الترسانة العسكرية السورية. قد يكون من الجور اتهام كافة السوريين بالمسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في قلب الشام، لكن على الأقل كافة المتورطين المباشرين في الأزمة العنيفة يتحملون مسؤولية تعريض بلدهم وشعبهم لعدوان لم يجد من يقطع دابره بما في ذلك حزب الله بلبنان الذي يبدو أنه تراجع عن سطوته المقاومة، علما أنه يدخل ضمن قائمة المصنفين في مشروع الفوضى الخلاقة، فهل يقف بحزم أم يكون له مسار مغاير، علما أنه فقد سابقا في سوريا أحد أبرز قادته عماد مغنية ولم يلقن إسرائيل الدرس الموعود. في الواقع تقف سوريا اليوم أمام خيار البقاء أو السقوط في المجهول وليس لها من سبيل سوى الإصرار على الموقف الثابت لرفض الانكسار أمام التهديدات الصهيونية وفي نفس الوقت تنمية تصور للحوار السياسي الوطني يجمع كافة القوى التي لا تؤمن بالأمر الواقع الإسرائيلي وتتمسك بالمقاومة لاسترجاع الحقوق الأصلية وأولها الجولان الذي تستنزفه الإدارة المحتلة، مثلما تستنزف أرض فلسطين السليبة.