لم تكن للإنسان مقدرة على إبداع الأساطير إلا مع تطور الحياة البشرية»، تكون المجتمع، فنشأ تدريجيا إشباع عن طريق «التخييل». يرى «يونج» أنّ الأساطير هي رواسب نفسية لتجارب ابتدائية لاشعورية لا تحصى، شارك فيها الأسلاف في عصور بدائية، وقد ورثت في أنسجة الدماغ - بطريقة ما - فاللاوعي الجماعي يختزن الماضي الذي ولد الأبطال الأسطوريين «البدائيين»، وما يزال يولد «أخيلة فردية « مشابهة للرجل المتمدن نجد تعبيره في رمزية تتجاوز حدود الزمان، غير أنها غير مألوفة نسبيا، وهي «رمزية ما تزال تتكرر دوما. تصوّر الأساطير «كفاحا» بين الذات الفردية المؤمنة بخلودها، وبين الذات السلالية المجسدة في الإيديولوجية الجنسية التي تنبذ الخلود الفردي في سبيل الزواج والأولاد، وهو معروض في أسطورة «أوديب» بطريقة رمزية كنزاع خارجي بين الأب و الابن. يرى «بريك فرم» أنّ الأسطورة «الأوديبية» لا تفهم كرمز للعلاقة المحرمة، بل كثورة من قبل الابن ضد سلطة الأب في العائلة البطريركية، حيث يسيطر الأب، مما يعني انتزاع الابن كل ما كان يمتلكه الأب بما في ذلك زوجته، ولقد ظلت الآراء النفسية حول الأسطورة تشغل بال القدماء، في سبيل تفهم الإنسان والكشف عن عقله الباطن، وعن مورثاته البعيدة. مفهوم الأسطورة الشّعبية الأسطورة هي مجموعة من الصور الشعرية المركبة «التي تصور قوى الطبيعة نار - ماء - هواء - تراب (وعواطف الإنسان - الطمع - الغضب ..) مثل: زيوس على سبيل المثال، ما يشير إلى زعم أن زيوس هو القوة التي بواسطتها يجري كل شيء، أي إنه القوة الواهبة للحياة. توصل ماكس مولر إلى «أن الأسطورة نشأت نتيجة قصور في اللغة، ممّا أدى إلى أن تكون للشيء الواحد أسماء متعددة، كما أن الاسم الواحد يطلق على أشياء مختلفة». إنّ «الأساطير اليونانية «و»الأعمال الأدبية مستوحاة من الكتب المقدسة، كانت الأمم الأولى تفكر بالشعر، وتتحدث بأساطيرها، وتكتب خطا «هيروغليفيا». إنّ الشاعر وصانع الأسطورة يعيشان في عالم واحد، لديهما (موهبة أساسية واحدة) هي القدرة على التشخيص، ولا يستطيعان تأمل شيء دون أن يمنحاه حياة داخلية، وشكلا إنسانيا، وكما يرى شكري عياد «الأسطورة لا تتعارض مع العقل، لأنها ليست خليط أوهام، أو مجموعة من هذيان العواطف وخبل الرؤى وهواجس الظن والخرافة..إنّ للخيال في الأساطير منطقه الخاص»، ومنه نستنتج أن الشعر والأسطورة وسيلتا تعبير جمالية تهب الحياة لما لا حياة فيه، وتشخص الأشياء بقدرة عالية في البيان، وتسمو بها إلى عالم الفن والخيال. يرى الباحثين «ريتشاردز» و»كولريدج»، بان الأساطير العظيمة ليست أوهاما، بل هي منطوق النفس الإنسانية كلها، وهي ليست متعة أو ملاذا للهرب حتى تطلب للراحة والفرار من حقائق الحياة القاسية إنها صيغة للتوافق بين الإنسان وبين العالم وعليه فإن للأسطورة علاقة بالعقل، وبالنفس البشرية، وبالعالم، وهي ليست وسيلة للتسلية، ولا هي أوهام بعيدة. ويفرق محمد عبد المعيد خان بين الميثولوجيا mythology والأساطير MYTHES فالأول هو علم الأساطير، وهو علم من العلوم الحديثة، لم يكن معروفا عند العلماء الأقدمين يبحث في التفكير ومناهج النظر، يرينا كيف شرع الإنسان الأول بالتفكير في نفسه وفي الرابطة بينه وبين الموجودات معنوية كانت أو مادية. ويبدو أن في هذا التقديم إشارة إلى «الميثولوجيا» كعلم يبحث في الأساطير، مما يستخلص أن التفكير الأسطوري يعتبر بداية أو أساس كل تطور فكري، حتى أن الباحث في ميدان يكاد يسئ الظن بالأوائل ويتهمهم بالقصور الفكري، ولو أتيحت لنا فرصة العيش في زمنهم، وعلى نمط حياتهم، لبدا لنا أن فكرنا هو القاصر، فالتفكير يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ومدى تأثير أصحابه به. يبرز الدكتور خان أن العلماء قد ذهبوا في تعريف الأسطورة مذاهب شتى: يعتقد زينوفانس أن الأساطير حكايات القدماء في الدين، ويرى سقراط أن صفات الآلهة يمكن اكتشافها من تحليل أسماء الأصنام. ومنهم من ذهب إلى استنباط فلسفة الأولين منها، وهناك الذي سلك مسلك أصحاب التشبيه والمجاز، فقال مثلا إن الأحداث ليست حقيقية، بل يعبر بها عن التنازع بين عناصر مختلفة كالهواء والماء والنار والتراب، أو بين عواطف نفسانية كالحب والعداوة. أما هوميروس، فهو يرى أن الأسطورة تاريخ في صورة متنكرة. وقد زاد ماكس مولر أن الأساطير مرض من أمراض اللغة، ومن خلال هذه الآراء يتضح أن هناك اتفاقا حول مفهوم الأسطورة كفلسفة في الحياة: وسيلة من وسائل التعبير الفني يقصد أصحابها إبلاغ رسالة إلى المتلقي، إلا أنها تبرز أن كل واحد من هؤلاء المفكرين انحاز إلى نوع من أنواع الأساطير وعلاقتها حسب منظوره الشخصي، لكنهم لم يضعوا لها تعريفا جامعا مانعا، وذلك بحكم قربهم من منبع الأساطير آنذاك. ومن الذين اهتموا بدراسة الأساطير أيضا، رايتسن سميث، يرى أن الاسطورة هي تفسير لشعائر الدين، وقواعد متعلقة بالعادات، في حين يذهب لليوساسبنس إلى أن الأسطورة من أهم عناصر الذين القديم، استخرجت من العادات والتقاليد أما أندري لانج فيقول: «إن التصور الديني ينبعث من ذهن الإنسان في حالة التفكير السريع الذي يطرأ عليه ويحمله على عبادة كل شيء مخيف أو مفيد، لكن الفكرة / الأسطورة تنشا من حالة غير التي ذكرناها، أو بعبارة أخرى، إنها تنبعث من حالة ذهنية يلعب فيها الوهم والوسواس بالنفوس لا يستطيع المرء التعبير عنها بكل دقة نظرا لسرعة الحدث والتفكير السريع فيه. وبالرجوع إلى الدكتور عبد المعيد خان نجد أن الأسطورة ليست هي الفولكلور، ولا هي القصة، إنها شيء مختلف عن ذلك تماما، وهو يؤكد على أن الأسطورة - خاصة عند العرب - هي آراء البداوة التي تطرق ذهن الجاهلي وتخطر بباله، وتختلج في قلبه لحل معتقداتها، فهي قديمة العهد وبعيدة عن الوضوح ومحتوية على عناصر عدة، إلى حد أنه من المستحيل أن نرى فيها سببا لكل ناموس من نواميس الحياة الفكرية». ومن الملاحظ أن عبد المعيد خان قد استطاع وضع أصابعه على تعليل منطقي وتفسير يميل إلى العقل أكثر منه إلى التخصص في مجال علمي دون آخر ولهذا، فإن الأساطير - كما تبدو لنا - مليئة بالحركة والتشويق والرموز يلعب فيها «التخييل» دورا كبيرا، والنفس ترتاح إلى مثل هذا النوع من المتون الحكائية، وإلى حد ما، رغم أن الهدف ليس هو «التسلية». وهذا ما دفع الدكتور خان إلى القول إن «الخيال مفتاح أبواب الخرافة وأساس توليد الأساطير. ومن هذا المنطلق، ندقق النظر في مفهوم الخيال، دون التوسع فيه لما تكتنفه من الصعوبات. ونتوقف مع ويليام جيمس في اعتباره الخيال قسمين: خيال تصوري وخيال إبداعي. يربط عبد المعيد خان دراسته للأساطير العربية بين الأسطورة العربية وبين الخيال التصوري، ويستنبط من فكرته هذه أن الأساطير العربية بنيت على التصور أكثر مما بنيت على الإبداع، أي أن الأسطورة مستقاة مما يتصوره الإنسان العربي الجاهلي، لا مما يسعى إلى إبرازه وإظهاره كعنصر جديد لم يسبق إليه، وقد بين خان أن تفكير الأمة العربية مر بأطوار حسب علماء الميثولوجيا، وهذه الأطوار هي: ما قبل المذهب الحيوي، المذهب الحيوي، المذهب الطوطمي.. وغيرها. تطوّرات الأسطورة الشّعبية من خلال الأنواع الأدبية حدثت تطورات مهمة في أنواع أدبية رافقت القصة والرواية والألوان المسرحية الأخرى، والتي كانت من بين الأنواع التي تناقلت الأسطورة، ولهذا وجب التركيز على هاته التطورات في البداية. التراجيديا هذه استعملت للدلالة على أن الشاعر المتسابق للحصول على أفضل عمل درامي، فهو نوع مسرحي تطور عن طقوس ديونيسوس التي كانت تجري في شهر مارس، ويدور موضوعها حول البعث والموت، وهي استعراض لطقوس قديمة، حيث ارتبطت بالحركة الدينية، مصورة آلهة الرومان واليونان في الأحقاب البائدة، وتطورت عند اليونان من دينية إلى جمالية في شكل نشيد شعري تنشده جوقة من الكهنة في احتفالات ديونيسوس، وعند أرسطو تعتبر التراجيديا فنا نبيلا بلغة ذات إيقاع وتتم المحاكاة بين أشخاص، ما يؤدي إلى التطهير من هذه الانفعالات بغرض إحداث تنقية على المستوى الجسدي والعاطفي، أي بمعنى تفريغ شحنات العنف الموجودة داخل الإنسان. ارتبطت الأسطورة منذ القدم بأنواع تراجيدية كتراجيديا الانتقام التي تدور حول انتقام البطل لموت عشيقته أو التراجيديا البطولية التي تظهر البطل كفارس لا يموت ثم تراجيديا الخليط التي تتناول كل الإشارات المتداولة في المجتمع ثم التراجيديا الكوميدية التي يقترن بها المحزن بالمضحك. الدراما هي فن من الفنون التي قدمتها الأسطورة القديمة لكل الوقائع التي تحمل الإشارة، وهي تدل على المسرح كفن وكتاريخ وتعني أيضا العرض والأداء، ففي كل الأحوال تعالج مشكلة من الحياة على أساس يثير الخوف والشفقة ونهايتها تبقى مفتوحة كحال حكايات التي تحكيها الجدة، والفرق بين الأعمال الدرامية تظهر في كونها خيالية أكبر منها حقيقية، فالدمويات التي كان يأتي ذكرها في مختلف الأساطير والقصص الخرافية، إنما تذكرها تلك القصص من باب إثارة الخوف والشفقة، فلو أطلقنا على القصص الخرافية التي جمعها الأخوين «غرام» على الدراما، لوجدنا أن اغلبها يرمز إلى مفاعل الخوف والإثارة والشفقة، وهو ما يؤكد أن الطابع الدرامي كان أحد سمات القصص الخرافي، ولعل ما يعطي ذلك أحقية في الطرح هو ما صورته القصص الخرافية في عصر الركوكو من مبالغات دموية أخلطت كثيرا بالأعمال السحرية وهذا في الأصل عند النرويجيين تشابك الحكايات الخرافية المسافرة من جيل إلى جيل ومن وطن إلى وطن، فكان أكثرها قد استقر في بلاد غريبة ولا غرابة أن نجد قصصا بوذية أو هندية تروي في جنوب إفريقيا ومرد ذلك إلى التشابه الذي حدث بين التصورات العقائدية الواردة في الأسطورة. وهناك كثير من المفاهيم الأدبية التي تتشابه إلى حد كبير بالأسطورة، والتي يجب الإشارة إليها لتوضيح بعض الفرو قات التي تميزها عن الأسطورة. الرّواية ارتبطت الحكاية قديما بالأدب الكلاسيكي، فهي تعني عرضا مفصلا لأحداث مرت بها الإنسانية، حيث حملت أفكار المجتمعات القديمة وجعلت منها صوانا صالحا لكل زمان ومكان، فخلاف على أنها محملة للتجارب صورت بطولات القدماء ومغازي المعاصرين، حافظت أيضا على تطور الأحداث التاريخية، ذلك أنها نقلت أحداثاً شتى للأجيال، وبذلك يمكن أن توصف الحكاية بأنها روح التاريخ الإنساني. الرواية هي صورة من الصور الأدبية نثرية في طرحها للمواضيع، وهي ترادف كلمة قصة وبعد القرن 17 أخذت معنا خاصا سمي بالقصة النثرية لحادث خيالي، ولعل الشيء الذي طور القصة النثرية هو الخيال الواسع الأسطوري، حيث بدأ الناس يصورون في حياتهم أشياء أغرب من الخيال لا صلة لها بالواقع عكس الزمن المعاصر، حيث آمن الناس بالتنوع في الحياة فقاموا بكسر طابو الشعر، حتى يسهل لهم الاقتراب من الواقع، وعند هذا الحدث تولدت الروايات المختلفة العاطفية المغامرات التاريخية، وقد صور جورج لولانجه لرواية بأنها عاشت عصورا حديثة وموضوعها هو المصير الرديوان، أبرز سمة شكلية تميز الرواية عن الأنواع الكلاسيكية هو اعتمادها على اللغة النثرية. القصّة تعتمد القصة على السرد ونقل الحوادث من صورتها الواقعة إلى صورة لغوية مركبة، حسب التكوين الثقافي لكل إنسان، وهي في كل الحالات تعبر عن مجموعة من الوقائع بشخصياتها في إخطار الرأي العام بمجموعة من الوقائع المختلفة التي يعيشها الإنسان، ورغم أن القصة المروية تختلف من إنسان إلى آخر، فهي تعكس نظرة الكاتب اللغوية والمعرفية عكس الإنسان العادي الذي لا يملك مؤهلات لغوية وما يتيسر - في هذا الصدد - هو توفر الحبكة أو البناء القصصي، فلا تشترط أن تكون هناك علاقة بين الوقائع لأن الإشارة يحددها البطل بينما يشترط أن تكون علاقة بين الهدف أو النتيجة، فإذا كانت حيزية تريد الزواج من سعيد رغم منافسة سعيد، فإنها إما أن تنجح أو تفشل، والنجاح والفشل هما النتيجة ومن أجلها سيواجه سعيد مصاعب كبيرة.