انطلق اجتماع قادة العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك بهدف إحياء "أجندة 2030" للتنمية المستدامة المُتفق عليها عام 2015، بعد أن واجه تطبيقها تحديات لا تزال مستمرة، وذلك وسط غياب رؤساء. قال الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش، إن 140 من قادة العالم سيجتمعون في الدورة 78 للأمم المتحدة، في وقت تواجه فيه الإنسانية تحديات هائلة نتيجة تفاقم حالة الطوارئ المناخية وتصاعد النزاعات، مضيفا أن الناس ينتظرون حلّا من قادتهم للخروج من الأزمات. وأبدى غوتيريش أسفه على أن العالم "المُنقسم جيوسياسيا" يقلّص من قدرتهم على التعامل مع الأزمات، في إشارة منه إلى تداعيات حرب روسياوأوكرانيا على العالم، لا سيما الأمن الغذائي. وأكّد غوتيريش أنه سيحاول إقناع روسيا بالعودة إلى اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود لأهميته الحيوية للغذاء العالمي. غياب رؤساء يغيب عن اجتماع الجمعية العامة رؤساء فرنساوروسيا والصين، فضلا عن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، في حين سيحضر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وبذلك ستكون الولاياتالمتحدة، بحضور رئيسها جو بايدن، العضو الوحيد الدائم في مجلس الأمن الممثَّل على أعلى مستوى. واعتبر دبلوماسيون غياب رؤساء الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن مؤشرا سيئا على التزام الدول بأهداف التنمية. لكن غوتيريش شدّد على أهمية التزام حكومات الدول المعنية، بمعزل عن غياب رؤسائها أو حضورهم. أهداف الاجتماع المطلوب خلال اجتماع دورة الأممالمتحدة أن تتعهد الحكومات بالتحرك السريع لإنقاذ الأهداف 17 للتنمية المستدامة لعام 2030، التي عُرقل تنفيذها بسبب الأزمات المناخية، ووباء كوفيد-19، وحرب أوكرانيا. وسيُناقش خلال الاجتماع مشروع يدعم إصلاح المؤسسات المالية الدولية، كما عرض غوتيريش خطة نهوض بقيمة 500 مليار دولار سنويا حتى عام 2030 لبلوغ أهداف التنمية المستدامة، كانت مجموعة العشرين رحبت بها في قمتها الأخيرة. وكانت الدول الأعضاء في الأممالمتحدة تبنت 17 هدفا للتنمية المستدامة عام 2015، ترمي إلى بناء مستقبل أفضل لجميع الدول حتى نهاية العقد الراهن. وتتضمّن الأهداف القضاء على الجوع، وتأمين الوصول إلى مياه الشرب، وتحقيق المساواة بين الجنسين، والأمن الغذائي العالمي، والقضاء على الفقر، ومكافحة التغير المناخي، وتسهيل الحصول على التعليم والطاقة والخدمات الصحية. أزمات عدّة حذّرت الأممالمتحدة من تقدم بطيء جدا على صعيد تحقيق غالبية أهداف التنمية المستدامة، مما يقلص الأمل في إحراز نجاح حتى عام 2030، مضيفة أن بعض هذه الأهداف سجلت تراجعا مقارنة بعام 2015 وصولا إلى اختفائها من قائمة الأولويات. وكانت جائحة كوفيد-19 عطّلت التوجه نحو خفض الفقر المدقع، ومع استمرار الوتيرة الراهنة، فإن 575 مليون شخص سيظلون يعيشون في ظروف مماثلة عام 2030، معظمهم في القارة الأفريقية. كما يضاف عبء الديون العالمي إلى الأزمات التي تواجه أهداف التنمية المستدامة، من حرب أوكرانيا والتغير المناخي ووباء كوفيد-19. ويؤكّد باحثون أنّ أهداف التنمية المستدامة مترابطة مع بعضها بعضا، فتحقيق هدف واحد من شأنه التأثير إيجابيا على تحقيق هدف آخر. ملفات شائكة على الطّاولة هذا، وتناقش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الثامنة والسبعين، ملفات شائكة وخلافات عميقة تبحث عن حلول عاجلة لتأثيرها البالغ على الأمن العالمي، ولمساهمتها في تشكل توازنات وواقع جيو سياسي وجيو استراتيجي جديدين، تحكم أطره وحدوده تحالفات عسكرية ومصالح اقتصادية لم يألفها المجتمع الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في أربعينات القرن الماضي. ويترقب الرأي العام العالمي ما ستفضي إليه نقاشات الزعماء والرؤساء حول الأزمات البسيطة والمركبة التي يواجهها المجتمع الدولي، وما سينتج عنها من تفاهمات وتوجهات علها تخلص البشرية من واقع يتوجه عاما بعد آخر نحو القطبية والعودة إلى الحرب الباردة والمزيد من الصراعات المسلحة التي تدفع، للأسف، شعوب تكلفتها دون أن يكون لها أي دور فيها. وتتصدّر الحرب الأوكرانية وتبعاتها الكارثية على الأمن والسلم الدوليين جدول أعمال الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد تنبّه العالم منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية، إلى أن الجميع سيدفع فاتورة الحرب عبر اضطراب سلاسل التوريد، ومواجهة الأسواق الدولية صعوبة بالغة في التزود بالحبوب الأوكرانية، التي تستحوذ على ما نسبته 9 بالمئة من حاجة السوق العالمية، وتعالت الأصوات المحذرة من استمرار الأزمة لتنامي المخاوف من توسع دائرة المجاعة عالميا، وارتفاع أسعار الحبوب إلى مستويات قياسية، وهو ما حصل بالفعل على مدى الأشهر التي تلت اندلاع الحرب. ولن تقتصر نقاشات المشاركين في أعمال الجمعية العامة على الحرب الأوكرانية فحسب، فثمة ملفات أمنية أخرى لا تقل أهمية نظرا لحجم تأثيراتها على ملايين البشر، لاسيما الوضع في منطقة الساحل، دون التغافل عن الأزمة السودانية التي تزداد احتداما من شهر للآخر، متسببة بأزمة إنسانية كبيرة داخليا، وعلى حدود البلاد مع جيرانها. كما تبرز ظاهرة الهجرة غير الشرعية بدورها كبند قائم الذات في نقاشات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الجاري، وملف الطاقة نظرا لما رافقه من أزمات متكررة على مدى السنوات الثلاث الماضية، وبعيدا عن صوت المدافع وآلة الحرب وأزيز الطائرات وتضارب المصالح الاقتصادية، تلوح قضية الاحتباس الحراري والغازات الدفيئة على قمة اهتمامات الرأي العام العالمي بلا استثناء، وفي صدارة الانشغالات، خاصة بعد أن شهدت الكرة الأرضية هذا الصيف أعلى مستويات حرارة على الإطلاق، وما رافقها من حرائق مستعرة في جميع أنحاء الدنيا في شمال الكرة الأرضية البارد كما في جنوبها الحار، مثلما شكل ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات والبحار نذير خطر حقيقي يتهدد الكوكب والحياة عليه.