أوضح أمس الباحث والسينمائي أحمد بجاوي فيما يتعلق بمسألة التحويل الوثائقي وترجمة التاريخ لأعمال سينمائية أي ما يسمى بالاقتباس، أن الثقافة الجزائرية تهتم بشكل خاص بالأدب، كما أن المخرجين يلجئون الى كتابة فردية سواء متعلقة بالمجتمع والمحيط أو بالتاريخ، ما عدا بعض الأفلام التاريخية كالأفيون والعصا للكاتب مولود معمري وريح الجنوب لابن هدوقة، متسائلا عن سبب عدم اقتباس السينمائيين من القصص الصغيرة للأديبة آسيا جبار التي تصلح لعمل سينمائي ونهلة لرشيد بوجدرة، وقصص الطاهر وطار.وفي هذه النقطة اعتبر «ضيف الثقافي» أن فيلم نوة المقتبس من قصة الطاهر وطار من أكبر النجاحات وهي الرواية السليمة للتغطية التاريخية، كونها تصور مسيرة كفاح الشعب الجزائري وهو إبداع جيد. وأضاف بجاوي الذي كان «ضيف الشعب» في رده عن سؤالنا حول سبب قلة الأفلام الثورية أن البؤس الثقافي للسينما الجزائرية تجعل المخرجين يفضلون كتابة السيناريوهات وهم غير مؤهلين أو متخرجين من مدارس متخصصة، ولا يطلبون من أدباء كالأمين الزاوي أو غيره الاقتباس ما عدا عز الدين ميهوبي المتخصص في كتابة السيناريو التاريخي، ويرجع ذلك حسب محدثنا لأسباب اقتصادية، حيث أن بعض المخرجين يريدون الربح السريع لتعويض تكاليف الإنتاج . وأشار في هذا السياق، الى أن المخرج الذي لا يستطيع كتابة السيناريو التاريخي فإن الخطأ الذي سيرتكبه أثناء الكتابة سيعمقه في الإخراج، وبالتالي لا يعكس القيمة التاريخية لتضحيات شعب. وفي ذات الشأن، حمل بجاوي المسؤولية للمؤرخين الذين لم يقوموا بكتابة التاريخ بموضوعية للانطلاق منه في إنتاج الأفلام الثورية خوفا من التصادم في بعض المحطات التاريخية التي لم يفصل فيها بعد، وبالمقابل، ينبغي على الدولة توفير الإمكانيات اللازمة لخلق مخابر وتقديم منح للحصول على وثائق من الخارج للقيام بالبحث. مشددا على ضرورة وجود الإثبات التاريخي لإنتاج الأفلام الثورية، وكباحث وسينمائي ومثقف يرى بأن الثورة الجزائرية نادرة من نوعها الى جانب مقاومة الفيتنام و شكلت شخصيتنا تستحق أن ينتج عنها أفلام وأن القضية لا تنحصر في ميزانية ضخمة، كما يقول البعض بل الإبداع والحاجة لإنتاج أفلام في مستوى عظمة الثورة، لاسيما التركيز على الصورة لأنها خطيرة مثل فيلم نوة وياسمينة الذي عرض لأول مرة سنة 1957 بالقناة الأمريكية ڤسي بي ياسڤ رغم أننا كنا تحت الاستعمار، والذي مكن العالم من التعرف على الشعب الجزائري. مؤكدا أن السينما لعبت دورا تاريخيا، وكذا فيلم «الليل يخشى الشمس» الذي أنتجه التلفزيون الجزائري بإطارات جزائرية، وللأسف لم يعرض كثيرا على شاشات السينما . وقد أعطى مثالا عن المخرج الايطالي الذي شارك مع ياسف سعدي في إخراج فيلم «معركة الجزائر»، حيث فضل عدم ذكر الأسماء كي لا يصطدم بالتاريخ قائلا على لسان المخرج:« قرأت في نظرة الجزائري أن المكسب الأول له هو الحرية وليس الخبز، مما جعلني بعد الاستقلال أقرر إنتاج فيلم يعبر عن رغبة الشعب في التضحية من أجل الحرية، لانه لا يمكن لثورة بهذا الحجم أن تضيع». نفس الشيء مع فيلم «الخارجون عن القانون» قال «ضيف الثقافي»، فهو يبرز أن الجزائريين هم الشعب الوحيد الذي قام بالثورة وصدرها الى فرنسا ومصداقيته تكمن هنا، في إظهار للرأي العام العالمي بأن الشعب يريد الحرية وأن الثورة شعبية وليست ثورة زعماء. وبالموازاة مع ذلك، أفاد أحمد بجاوي أنه يجب الفصل بين الأفلام الثورية والحربية. كما أننا مازلنا بحاجة الى أفلام تروي الثورة للشباب، متأسفا على أن الفكر الثقافي الاستعماري سنة 1971 أثر علينا في الابتعاد عن إنتاج الأفلام الثورية، وما يزال لحد الآن . وفي ذات الإطار أبدى الباحث السينمائي تخوفه من أن تناول رموز الثورة قد يؤدي بنا الى الجهوية قائلا:«ليس لدينا دراسات كافية ولم نصل بعد الى مرحلة تاريخية لكتابة التاريخ ومن ثم الاقتباس في أفلام ونفضل أن يحكي الفيلم عن كفاح شعب دون ذكر الأسماء».