ترقى الاعتداءات العسكرية الصهيونية على قطاع غزة وسكانه إلى مستوى جرائم الحرب، وترتكب على نطاق واسع في سياق سياسة ممنهجة تتمثل في القتل العمد والإعلان أنه لن يبقى أحد على قيد الحياة، وشنّ هجوم، مع العلم بأنه سيتسبب في إلحاق خسائر في الأرواح بين المدنيين وإحداث معاناة شديدة، أو إلحاق أذى خطر بالجسم أو بالصحة، وتعمّد توجيه هجمات ضد أهداف مدنية ليس لها صفة عسكرية، بقصد إلحاق تدمير واسع من دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية، والتهجير غير المشروع للسكان، واستهداف الأماكن الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو المستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، شرط ألا تكون أهدافا : عسكرية، وتوجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية، وتعمّد تجويع المدنيين أسلوبا في الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم بما في ذلك تعمّد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف في عام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول في عام 1977، ونظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية في عام 1998 . وحدة الدراسات السياسية الحلقة الثانية أفعال قوات الاحتلال الصهيوني في سياق الحرب على قطاع غزة، بوصفها أفعالاً صادرة عن أعلى المسؤولين المدنيين والعسكريين في دولة الاحتلال ترقى إلى درجة الجريمة ضد الإنسانية، كما يُعرفها نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية والتي يجري ارتكابها في إطار هجوم منهجي، أو هجوم واسع ضد السكان المدنيين، مع العلم بالهجوم وبالنتائج التي ستترتب عليه وتتمثل هذه الأفعال، بوصفها جرائم ضد الإنسانية تُرتكب ضد الفلسطينيين في سياق الحرب على غزة في القتل العمد، والإبادة من خلال تعمد فرض أحوال معيشية على السكان، مثل الحرمان من الحصول على الطعام والدواء بقصد إهلاك جزء منهم، وإبعاد السكان أو نقلهم قسرًا من دون وجود مبررات يسمح بها القانون الدولي، ومواصلة اضطهاد سكان القطاع بحرمانهم بصفة متعمدة وشديدة من حقوقهم الأساسية التي يكفلّها القانون الدولي، وذلك بسبب هويتهم الفلسطينية، والفصل العنصري بوصفه جريمة ضد الإنسانية، مرتكبة في سياق نظام مؤسسي قائم على الاضطهاد والسيطرة المنهجيين، لإبقاء الهيمنة على الفلسطينيين وإدامتها، بما في ذلك في غزة. ^ جريمة الإبادة الجماعية عرفت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في عام 1948، ونظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية في عام 1998 عرّف الإبادة الجماعية بأنها الأفعال المرتكبة قصد التدمير الكلي، أو الجزئي. الجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه، إهلاكًا كليا أو جزئيا. في خضم الحرب على قطاع غزة، والتصريحات العدوانية المتكررة للمسؤولين الصهاينة. صدر في 15 أكتوبر بيان وقعه نحو 800 باحث وفقيه في مجال القانون الدولي ودراسات الإبادة الجماعية، بمن في ذلك علماء بارزون في مجال المحرقة، يُحذِّر من احتمال ارتكاب القوات الصهيونية أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في القطاع، في حين كرّر المقررون الخاصون للأمم المتحدة هذا التحذير في 19 أكتوبر، قائلين: «إننا تدق ناقوس الخطر» ... هناك خطر حدوث إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني. سبق أن حذرت منظمات حقوق إنسان فلسطينية ودولية من أن الكيان، بقطعه المياه والكهرباء والإنترنت عن قطاع، غزة ومنع دخول القوافل الإنسانية المحملة بالأغذية والأدوية وغيرها من الإمدادات الضرورية إلى القطاع لبقاء السكان، سيتخذ خطوات عملية لتنفيذ تصريحاته بشأن الإبادة الجماعية للفلسطينيين من خلال أي من الأفعال التالية المرتكبة بقصد تدميرهم، كليا أو جزئيا، بصفتهم مجموعة قومية، من خلال القتل؛ والتسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطر وفرض ظروف معيشية عليهم عمدًا بقصد تدميرهم المادي كليا أو جزئيا. ويبدو أن الكيان الصهيوني يتعمد من خلال حصاره غزة ومواصلة قصفها بصفة وحشية وعشوائية، إلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية وتدمير البنية التحتية وفرض ظروف معيشية على الشعب الفلسطيني وتدميره ماديًا على نحو جزئي أو كلي. في ضوء ما سبق، يمكن الاستنتاج أن الدعوات الانتقامية التي يكررها المسؤولون الصهاينة منذ بدء الحرب على قطاع غزة - ومن ضمنها تصريح نتنياهو - إلى تحويل القطاع إلى أنقاض، وتصريح وزير الدفاع بقطع الغذاء والماء والكهرباء وسائر الإمدادات الأساسية اللازمة لبقاء الإنسان على قيد الحياة في منطقة خاضعة في الأصل لحصار ظالم منذ عام 2007، وتتعرض باستمرار لهجمات عسكرية شرسة تستهدف السكان المدنيين. قد تصل إلى عتبة جريمة الإبادة؛ نظرًا إلى نيّة الاحتلال الواضحة في معاقبة سكان غزة بحرمانهم من كل المستلزمات الأساسية، أو بإلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بهم أو إخضاعهم عمدا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكهم كليا أو جزئيا. ^ تواطؤ الحكومات الغربية وفشل المجتمع الدولي على الرغم من قسوة الجرائم المرتكبة في حق الفلسطينيين التي ترقى إلى مستويات جريمة الحرب والجريمة ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية توفر الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها الغربيون للكيان الغطاء لمواصلة حملته العدوانية هذه ضد الشعب الفلسطيني، إضافة إلى تزويده بالمعدات العسكرية التي يستخدمها في ارتكاب هذه الجرائم من خلال القتل العمد والإبادة، وتعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطر للجسم والصحة وتدمير الممتلكات على نطاق واسع، أو الاستيلاء عليها من دون وجود ضرورة عسكرية تبرّر ذلك، وفي مخالفة واضحة للقانون الدولي وتعمّد تجويع المدنيين أسلوبا من أساليب الحرب، بحرمانهم من المستلزمات التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك عرقلة إمدادات الإغاثة المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف في عام 1949. وتتجاهل الدول الغربية أيضا دعوات القادة والمسؤولين الصهاينة المتكررة إلى تدمير قطاع غزة وارتكاب أفظع الجرائم في حق السكان، بما في ذلك الدعوات الصريحة إلى إبادتهم وتهجيرهم إلى خارجه، التي تقترن بالأفعال منذ بدء العدوان وتواصل هذه الدول انتهاج سياسة المعايير المزدوجة بتسليطها الضوء على الخسائر البشرية في الكيان، ولا تأبه بمحنة المدنيين الفلسطينيين الذين قتلوا وشوهوا نتيجة المجازر والأفعال الانتقامية العسكرية الصهيونية"؛ فقد صدر، في 9 أكتوبر 2023، بيان مشترك باسم الولاياتالمتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة، يدين هجمات حماس، ويدعم «حق الكيان في الدفاع عن النفس!!»: ما يمنحه، بصفته قوة احتلال، تفويضا شاملاً بمواصلة استخدام القوة التدميرية والمميتة التي تستهدف المدنيين في القطاع الذي يقطنه ما يزيد على 2.2 مليون فلسطيني، نصفهم من الأطفال . لم تقف الأمور عند منح الحكومات الغربية الكيان الضوء الأخضر لمواصلة حربه العدوانية على قطاع غزة. بل إنها تعرقل أي مشروع قرار يُقدّم لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أجل وقف إطلاق النار، كمشروع قرار قدمته روسيا وآخر قدمته البرازيل "لوقف إنساني فوري ودائم لإطلاق النار وإدانة كل أعمال العنف والعدائيات الموجهة ضد المدنيين وجميع الأعمال الإرهابية، وإلى تأمين إطلاق سراح الأسرى وتوفير المساعدة الإنسانية وتوزيعها من دون عوائق، وخلق الظروف المواتية للإجلاء الآمن للمدنيين المحتاجين". وقد تذرعت الحكومات الغربية بعدم تنديد مشروع القرار بحركة حماس، فضلا عن إنكار «حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن النفس». وفي هذا السياق، قال مندوب روسيا الدائم لدى الأممالمتحدة، فاسيلي نيبينزيا: لان المجلس ظل رهينة أنانية الوفود الغربية، وهذا هو السبب الذي يفسر عجزنا عن توجيه رسالة صريحة بشأن التهدئة، في وقت نشهد اشتعالاً غير مسبوق في العقود الأخيرة». وفشل المجلس في التوافق على مشروعي قرارين قدمتهما الولاياتالمتحدةوروسيا حول تصاعد حدة الأوضاع والأزمة الإنسانية في قطاع غزة. اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بغالبية مشروع قرار قدمه الأردن في 26 أكتوبر 2023، نيابة عن المجموعة العربية ودول أخرى، عبر عن القلق البالغ من الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة وتداعياته الهائلة على السكان المدنيين، ومعظمهم من الأطفال، وطالب القرار جميع الأطراف بالامتثال الفوري والكامل لالتزاماته بموجب القانون الدولي، وتمكين وتسهيل الوصول الإنساني للإمدادات والخدمات الأساسية إلى جميع المدنيين المحتاجين في القطاع وحماية المدنيين ورفض أي محاولات للترحيل القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين، وإلغاء الأمر الذي أصدره الكيان للمدنيين الفلسطينيين وموظفي الأممالمتحدة، فضلا عن العاملين في المجال الإنساني والطبي بإخلاء جميع المناطق الواقعة إلى الشمال من وادي غزة، والانتقال إلى جنوب القطاع والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدنيين المحتجزين على نحو غير قانوني، وطالب بسلامتهم ورفاههم ومعاملتهم معاملة إنسانية، وضمان حماية السكان المدنيين الفلسطينيين، وآلية أخرى للإخطار الإنساني لضمان حماية مرافق الأممالمتحدة وجميع المنشآت الإنسانية. ولضمان حركة قوافل المساعدات من دون عوائق، ودان القرار جميع أعمال العنف التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين والصهيونيين، بما في ذلك جميع أعمال الإرهاب والهجمات العشوائية، فضلا عن جميع أعمال الاستفزاز والتحريض والتدمير». إن تواطؤ الحكومات الغربية، - بما في ذلك مواصلتها إفشال مجلس الأمن لدوره في حماية الأمن والسلم الدوليين، بحمل الكيان على الوفاء بالتزاماته بموجب القانون الدولي، ووقف حربها العدوانية على قطاع غزة، وحماية المدنيين وتأمين وصول المساعدات - يستدعي من الجمعية العامة اتخاذ تدابير عاجلة في هذا الخصوص عبر إعمال القرار 377 الذي ينص على أنه في حال بدا أن هناك تهديدًا للسلام، أو خرقا للسلام، أو أن هناك عملا من أعمال العدوان. ولم يتمكن مجلس الأمن من التصرّف بسبب تصويت سلبي من جانب عضو دائم، فعلى الجمعية العامة أن تنظر في المسألة على الفور من أجل إصدار توصيات إلى الأعضاء باتخاذ تدابير جماعية لصون أو إعادة السلام والأمن الدوليين. ^ خلاصة يفرض الكيان، بوصفه قوة احتلال، حصارًا جويا وبرياً وبحريًا على قطاع غزة منذ عام 2007، عقاباً جماعياً لسكانه. وقد تخلل هذه الفترة شن الكيان سبع حروب، تسببت في استشهاد آلاف المدنيين الفلسطينيين. ودمرت المباني والمنازل والبنية التحتية في القطاع، بصفة غير قانونية، ومن دون ضرورة عسكرية في معظم الأحيان، ما يرقى إلى فعل الانتقام الجماعي من الفلسطينيين، وارتكاب جرائم شديدة الخطورة ضد المدنيين بسبب أعمال منسوبة إلى حركة حماس. ومع ذلك يفشل المجتمع الدولي في وقف الهجوم وضمان احترام القانون الإنساني الدولي: ما يُساهم في دعم الحرب العدوانية وإدامتها على غزة، بتواطؤ علني من العديد من الحكومات الغربية، بدلا من معالجة الأسباب الأساسية للعنف المستمر بسبب النظام الاستعماري - الاستيطاني والفصل العنصري الذي يواصل الكيان فرضه على الشعب الفلسطيني منذ 75 عاما متواصلة. أخيرا، يتعين على المجتمع الدولي، وبخاصة الحكومات الغربية تفعيل الآليات الدولية المتاحة، وفي مقدمها مجلس الأمن، لوضع حدّ لسلوك الكيان غير القانوني المتمثل في انتهاكاتها المستمرة لقواعد القانون الدولي الآمرة وعدم إرسال معدات عسكرية لقتل الفلسطينيين، وفرض عقوبات عليها، بدلا من مواصلة تقاعسها الذي يفضي إلى إدامة الاحتلال غير القانوني لفلسطين تحت ستار «الدفاع عن النفس». ويتعين أيضًا على مدعي عام محكمة الجنايات الدولية التحقيق الجاد في الجرائم الصهيونية، وفقا لنظام روما الأساسي. ولا سيما الاستهداف العشوائي للبنية التحتية ومنازل المدنيين وقتل عائلات بأكملها، ومحاكمة ومحاسبة كل ضالع في ارتكاب هذه الجرائم، أو كل من أمر بارتكابها، أو خطّط لها، أو سكت عنها.