أكد الباحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة بورغونيا بفرنسا غزال جمال الدين، أن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة خلال الأيام الماضية تصنف كجرائم حرب وفقا لقواعد القانون الدولي الإنساني والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، موضحا في حوار مع "الخبر" إن انضمام فلسطين إلى معاهدة روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية في 2014 يتيح للمدعي العام للمحكمة فتح تحقيقات حول جرائم مفترضة ارتكبت في قطاع غزة الشهر الجاري. ما هو التكييف القانوني للجرائم الإسرائيلية المرتكبة على الأراضي الفلسطينية؟ تشكل الانتهاكات الإسرائيلية أفعالا غير مشروعة، وانتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه تنطبق عليها من ناحية التكييف القانوني الجنائي الدولي، أوصاف بعض صور جريمة الإبادة الجماعية المنصوص عليها في المادة 6 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، جرائم ضد الإنسانية في المادة 7، وجرائم الحرب المادة 8 جريمة العدوان المادة 8 مكرر. وكيف تفسرون الممارسات الإسرائيلية بشأن استهداف المدنيين والمنشآت المدنية في قطاع غزة؟ يعتبر القتل المتعمد من المخلفات الجسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة وفقا للمادتين 146 و147 اللتان تعتبران مخلفاتها من جرائم الحرب، وبموجب المادة 85 فقرة 5 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقية جنيف لعام 1949، وهذا ما أكدته المادة 8 فقرة 2 أ من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1989 التي تعتبر سياسية الاغتيالات التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي عن طريق الغدر والخداع من جرائم الحرب، كما يمكن أن يعتبر القتل العمد من الجرائم ضد الإنسانية بموجب المادة 7 فقرة 1 أ من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ومن جرائم الحرب كذلك تعمد توجيه هجمات ضد سكان مدنيين لا يشاركون مباشرة في أعمال الحرب وتعمد شن هجمات مع العلم أنها ستسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو إصابات بين المدنيين أو أضرارا مدنية، حيث تشير الإحصائيات الأخيرة أنه منذ اندلاع القتال في 10 ماي الجاري سقط أكثر من 230 قتيل بينهم 39 امرأة 65 طفلا وأصيب أكثر من 1900 جريح في القصف الجوي لإسرائيل على قطاع غزة. واعتبرت اتفاقية جنيف الرابعة تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية، من المخالفات الجسيمة لاتفاقية جنيف في مادتها 147 والمادة 85 فقرة 5 للبروتوكول الإضافي الأول كما أشرنا سابقا، وتعد المخالفات الجسيمة لاتفاقيات جنيف جرائم حرب وفق ما أكدته المادة 8 فقرة ا/ 4 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ونصت عليه المادة 52 من البروتوكول الإضافي 1: ''لا تكون الأعيان المدنية محلا للهجوم او هجمات الردع، وهي كافة الأعيان التي ليست أهدافا عسكرية. وماذا عن استهداف المنشآت الطبية وعرقلة وصول إمدادات الإغاثة ؟ نصت المادة 20 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه يتمتع بالاحترام وحماية الأشخاص الذين يعملون بضرورة منتظمة وحصرا في تشغيل المستشفيات الميدانية وإدارتها بمن فيهم الموظفون المنخرطون في البحث عن المدنيين الجرحى والمرضى و حالات العجز والولادة أو في إخلائهم ونقلهم والعناية بهم، وكذلك المادة 12 من البروتوكول الإضافي الأول أنه يجب في كل وقت عدم انتهاك الوحدات الطبية وحمايتها وأن لا تكون هدفا لأي هجوم، واعتبرت المادة 8 فقرة ب/ 24 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشارات المميزة المبينة في اتفاقيات القانون الدولي من قبل جرائم الحرب وهو ما ارتكبته إسرائيل في قطاع غزة مؤخرا، حيث شنت هجمات على الهلال الأحمر القطري ما يشكل انتهاكا جسيما لاتفاقية جنيف الرابعة. ووفقا للمادة 43 من اتفاقية لاهاي لعام 1907، يسمح للسلطة المحتلة فرض إجراءات معينة تقيد حركة التنقل لاعتبارات أمنية، إلا أنها ملزمة بإحداث توازن بين احتياجاتها الأمنية وضمان سير حياة السكان الخاضعين للاحتلال بشكل طبيعي، وقد فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق التوازن في غزة باتخاذ إجراءات تحد حرية التنقل بشكل جسيم لدرجة أنها تعتبر عقوبات جماعية تؤثر على حياة السكان المدنيين، ويمكن تفسير هذا الانزلاق الإسرائيلي على أنه جريمة إبادة جماعية، وفقا لنص المادة 6 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية التي توضح ان المقصود بالإبادة الجماعية هي كل الأفعال التي ترتكب بقصد إهلاك جماعة دينية أو إثنية، أو عرقية هلاكا كليا او جزئية... وإخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها عمدا كليا او جزئيا، كما تعتبر المادة 8 فقرة ب/ 25 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تعمد عرقلة إمدادات الإغاثة للسكان المدنين على النحو المنصوص عليه في اتفاقية جنيف من قبيل جرائم الحرب. بناء على ما سبق، هل يمكن مساءلة ''إسرائيل'' أمام المحكمة الجنائية الدولية؟ تختص المحكمة الجنائية الدولية طبقا للمادة 5 من نظامها الأساسي في جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، جريمة العدوان، ويمارس اختصاصها طبقا لنص المادة 130 من نظامها الأساسي، وتجدر الإشارة إلى أن المدعي العام للمحكمة قد أعلن بتاريخ 3 أفريل 2012 عدم اختصاص محكمته بما يجري في الأراضي الفلسطينية، وما يترتب عنه من صلاحيات المحكمة في النظر بالشكوى التي تقدمت بها السلطة الفلسطينية ضد ودولة الاحتلال بارتكاب جرائم دولية بحق الشعب بالفلسطيني، وذلك بعد دراسة وضعها في الأممالمتحدة (عضو مراقب) ولاحقا أعلنت المحكمة الدولية بتاريخ 16 جانفي 2015 فتح تحقيق حول جرائم حرب مفترضة ارتكبت منذ صيف 2014 في الأراضي الفلسطينية، وكانت الحكومة الفلسطينية قد انضمت إلى معاهدة روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية في 2014 ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ بالنسبة للفلسطينيين 1 أفريل 2015، ما يتيح للمدعي العام فتح تحقيقات حول جرائم مفترضة ارتكبت في قطاع غزة ماي 2021. وهل هناك آليات أخرى لمحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين؟ هناك مجموعة من الوسائل القانونية المتاحة التي يمكن إثارتها لمحاكمة ومعاقبة المسئولين الإسرائيليين عن جرائمهم، أولا: أمام المحاكم الوطنية وفق ما يعرف بمبدأ الاختصاص العالمي وهو إجراء قانوني بإقامة دعوى قانونية فيما يخص جرائم معينة بصرف النظر عن مكان الجريمة ومرتكبها، ثانيا: المحاكمة أمام محكمة جنائية دولية خاصة، إذ تشكل الأفعال الإسرائيلية انتهاكا جسيما لقواعد القانون الدولي الإنساني لا تختلف عن تلك التي ارتكبت في رواندا ويوغسلافيا سابقا والتي كيفتا على أنهما قضايا تمس بالسلم والأمن الدوليين، ما انجر عنه تدخل مجلس الأمن، حسب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة بهما، ولكن لاعتبارات سياسية لم تحظى فلسطين بحكمة جنائية دولية خاصة للنظر في الجرائم الإسرائيلية. ويشار إلى أنه رغم كل ما اقترفته السلطات الإسرائيلية من جرائم ضد الفلسطينيين، إلا أن مسئوليها لم يعتبروها كذلك، بل صنفوا أفعالهم الإجرامية على أنها مسائل داخلية، ولمواجهة المجتمع الدولي صنفت إسرائيل أفعالها في إطار الدفاع الشرعي للحفاظ على أمن 'إسرائيل ومكافحة الأعمال الإرهابية وفصائل المقاومة مستندة على نص المادة 51 من ميثاق منظمة الأممالمتحدة دون مراعاة شروط و ضوابط الدفاع الشرعي.