سؤال وجّهه ضابط صهيوني للأسير الفلسطيني مراد شمروخ من سكان مخيم الدهيشة، وقد وثق هذا الضابط شريط فيديو لاعتقال الأسير المعصوب العينين والمكبّل القدمين واليدين، وبعد أن تعرّض للضرب والإذلال والإهانات طلب منه أن يرقص، ويبدأ الضابط بالغناء والرقص ويدور حول الأسير وهو يركله ويضربه، ارقص أيّّّها الفلسطيني في ليل الاقتحامات والهجوم على الناس، ارقص في برد الاعتقالات والمداهمات والتخريب والجنون الصهيوني، ارقص تحت دعسات بساطيرنا وهراوينا ورفساتنا وبنادقنا، ارقص عارياً وسط صراخك وآلامك، ارقص مع أحلامك المذبوحة ونعاسك المقموع، ارقص ميتاً أو حياً، بين النيران المشتعلة في غزة أو بين قضبان سجوننا ومعسكراتنا، ارقص حتى تنتصر (الدولة العبرية) على غزة ومخيم الدهيشة. لماذا لا ترقص؟ الغارة المقبلة تجعلك ترقص، تطير أشلاء جسدك على شكل دائرة، ترتفع وتسقط، ترقص في الريح والغبار، مصحوبة بموسيقى الانفجار العظيم، وهيجان من التصفيق الحادّ في الكنيست الصهيوني وشوارع تل أبيب، مشاهد ممتعة، جثث تتمزّق وتنصهر وتختفي، ترقص روحك في غزة، وترقص روحك في رام الله، الموت واحد، هنا نقتل الفلسطيني جسدياً وروحياً وأينما يكون، هنا نقتل الوطنية وندمّر الكيانية الفلسطينية، فالذي يحترق في غزة هو نفسه الذي يحترق في جنين والقدس، الجميع داخل أفران المحرقة الصهيونية المرعبة. على المؤرخين والسياسيين والمنظرين أن يعيدوا تقسيم المراحل التاريخية للحياة الإنسانية ويضيفوا عليها مرحلة أخرى هي مرحلة البشاعة الصهيونية التي ابتدأت يوم 7 أكتوبر 2023، وعلى فقهاء القواميس اللّغوية أن يجدوا مصطلحاً يصف الهول الذي يحدث في قطاع غزة، هو أكبر من إبادة دموية جماعية، أكبر من نكبة، وأعمق من تطهير عرقي وتصفية بشرية، ماذا نسميه؟ الهيمنة الصهيونية والحرب على الحياة، أم وباء الصهيوينة الاستعمارية العنصرية، أم الاستلاب والاقتلاع والتذويب والتلاشي، ماذا سنعلّم أولادنا عن هذا العصر، عصر الأشلاء البشرية وغبار الأجساد، أم طوفان الموت والدماء ونهاية التاريخ، أم رقصات الأموات والأحياء بين الأرض والسماء، إنّها الكارثة الوطنية للشعب الفلسطيني، سعار الصهيونية وانحطاط الغرب المتوحّش. لماذا لا ترقص؟ الفلسطينيون أصبحوا مادة بشرية لحفلات الترفيه والوحشية، أسرى عراة في شاحنات وزنازين، الشتم والضرب والقمع، القيود والركوع والسحل والتجويع والعزل والمهانات، شهادات وصور مخيفة، إنّه سلخ الإنسان حياً أمام الكاميرا، تحويل الإنسان الفلسطيني إلى أنقاض إنسان، تهديمه من الأسفل إلى الأعلى، إيصال الضحية إلى أقصى حالات الألم والضعف والتذلّل، فرصة أمام الجمهور للاستعراض والتشفّي وإرهاب الناس واختزال حياتهم وتطلّعاتهم الوطنية والإنسانية. لماذا لا ترقص؟ تحت علمنا ونشيدنا، بين حواجزنا الكثيرة وصواريخنا ومدافعنا، ارقص مذبوحاً ونازفاً، ارتعش وارجف، فمهمتنا نحن الجلادين والسجانين والجنود أن تنصاع وتروّض وتكسر من داخلك، ارقص حتى يتحوّل الشعب الفلسطيني إلى شعب مذعور، لا نريد أن نرى بطلاً في غزة أو جنين، نريد أن ننتشي ونفرغ شحنات اليقظة المكبوتة والانتقام، نريد نحن جيش الكيان الصهيوني أن نكون نجوم الظهر الحالمون بسادية، المستمتعون بغرائزنا العدوانية، إنّها المتعة والحفلة والروعة والمفاخرة، إنّنا المتعطّشون للدماء، نحن الغوغاء، ارقص فأنت جثة، لا قيمة إنسانية لك، لا تصلح للعيش، نحن شعب الله المختار، سنجتثّ جذور المناعة من صدوركم وقلوبكم ونشحذ مخالب الموت. لماذا لا ترقص؟ تقدّم هنا على الحاجز، تأخر قليلاً، انكمش، اشلح ملابسك، أعطنا هاتفك وما تملك من نقود، انبطح على الأرض، ارفع يديك فوق رأسك، نحن حولك، أنت قنبلة موقوتة، أنت نفق، سنفجّرك ضرباَ وتعذيباً حتى تفقع أضلاعك، وإن كنت عنيداً لا تتوجّع سنقتلك، نريد أن يسمع شعب الكيان الصهيوني صراخك عالياً، لماذا لا ترقص؟ انشد نشيدنا الوطني الصهيوني، قبّل علمنا الصهيوني، قل أنا حمار، أنا دابّة، اشتم أبو عمار والسنوار، اشتم أمك التي ولدتك بأوسخ الألفاظ، أنت دابة ونحن نملكك الآن، ارقص فقد حضر المصوّرون والكاميرات، سيكون البثّ المباشر من سجن مجدو والنقب وعوفر ومن معسكرات غزة، الكلّ ينتظر صورة لانتصاراتنا المبهرة، ارقص وتوجّع حتى يذهب الخوف من نفوسنا، نحن خائفون في غزة وخائفون في القدس، وخائفون من الذهاب إلى حائط المبكى، خائفون خائفون، أرض التوراة أصبحت أرضاً للجحيم والمستقبل الغامض، والزمن الصهيوني صار زمناً أجوف، ارقص نريد أن نشعر أنّنا أقوياء ولنا هيبة ورهبة، نريد أن نبقى قديسين وأبطال ونستحق الأوسمة ومباركة الآلهة. لماذا لا ترقص؟ معاركنا الليلية مستمرة، أكوام من الجثث والدماء والدمار، المدافع تطلق القنابل، والطائرات تطلق الصواريخ، الدخان الأسود يرتفع وقنابل الفسفور تشعّ وقنابل الإنارة تنفجر، ما أروع الليل في غزة، لا نريد أن نرى سوى الجثث والأنقاض، الهولوكوست الصهيوني لا يزال مفتوحاً، لا سيادة إلا الموت، نريد غزة مطحنة لحم ضخمة، ونريد السجون مقابر تمتص جدرانها الأسرى، لا نريد السجون أن تصبح معجزة ومشروع حرية للإنسان الفلسطيني. لماذا لا ترقص؟ بن غفير يدعو إلى احتجاز الأسرى في سجون تحت الأرض، ونائب رئيس بلدية القدس كينغ يدعو إلى دفن الأسرى أحياء، نحن في معركة لمحو إنسانية الفلسطيني حتى يرتاح ضميرنا إلى الأبد، لهذا سنشرّح جسد الفلسطيني وعياً وإدراكاً وثقافة، نفحص كلّ نبضة وكلّ عظمة وكلّ رئة، نتحسّس كلّ زاوية وكلّ منعطف، سنقتحم كلّ إحساس وكلّ خيال وقصيدة وأغنية، نريد أن نتأكد أنّ الفلسطيني مات وانقرض هوية وصوتاً وإرادة. لماذا لا ترقص؟ ارقص وفق إرادتنا وعلى وقع موسيقانا الحربية، لا نمانع أن ترقص في الشوارع وتنظم أنشطة الغبرة، لا نمانع أن ترقص بين المؤتمرات الدولية، وتلقي كلّ الخطابات والكلمات المثيرة، ارقص كمشاهد ومتفرّج ومراقب ومتضامن ومعذّب لا كبطل وثائر وفاعل، ارقص بلا خيار وبلا قرار وسيادة، رقص اللطامات في الجنازات، لا نمانع أن ترقص في المسيرات وتدعو إلى الإضرابات دون أن تصل الحاجز العسكري وتقتحم قلعتنا المحصّنة، ارقص وأنت تبحث عن راتبك في نظام السيطرة والهيمنة ولقمة العيش والإذلال، أن تبحث عن المساعدات والإعانات وعلب السردين، لا نمانع من هذه الرقصات، رقصات المهزومين الحائرين التائهين، ارقص كأيّ شيء في مهبّ الريح، ولكن بلا حقوق وكرامة وحق تقرير المصير، ارقص كما تشاء ولكن رقص المنقسمين، رقص اللاجدوى واللامبالاة، رقص المتبلّدين عندما يصبح سقوط الشهداء خبر عادي، فمن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام. ارقص بالضربات واللكمات والصرخات، ولكن لا تقل إنّّ الفلسطيني في غزة هو نفسه الفلسطيني في رام الله، وأنّ الذي يحدث في غزة يهدّد مستقبل الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة، ارقص متأرجحاً منفصماً واترك جيشنا ينهي مهمته التاريخية الكبرى، ارقص من خلف هذا الزجاج الفاصل، بين أنت وأنت، ارقص واطلب الخلاص الفردي، حاول أن ترى نفسك غيرك في مسرحنا الحربي، أمّك المقتولة في غزة ليست هي أمّك في رام الله، وبيتك المهدوم هناك ليس بيتك المهدوم هنا، انسلخ عن أحلامك وخطابك الوحودي الجمعي، وادخل سلامنا العسكري، سلام الدولة اليهودية النقية النظيفة منك دماً وتاريخاً وهوية، ارقص ولكن لا ترقص رقصة الحرية، رقصة الهنود الحمر في مواجهة الإبادة الأمريكية، رقصة أصحاب الأرض وقدوم المطر، ارقص بلا دبكة شعبية وقناع ومقلاع وحجر، ارقص ولا تسر على خطى المسيح عندما حطّم عقيدتنا الظلامية.