أكّدت الجزائر حضورها النشط في مجلس الأمن الدولي من خلال الانتصار للقضية الفلسطينية وللقانون الدولي، واستطاعت أن تبرهن على قدر عال من التنسيق في العمل الثنائي والمتعدد خارج المجلس وداخله من أجل تحقيق الحد الأدنى من التوافقات حيال الملفات العاجلة. لا يمكن وصف الشهر الأول، لبداية ولاية الجزائر في مجلس الأمن بصفة العضو غير الدائم إلا بالمشرّف جدا، ليس فقط بسبب الدعم المطلق والطبيعي للقضية الفلسطينية، ولكن لحرصها على استعادة الأممالمتحدة لمكانتها من خلال ضمان الامتثال للقانون الدولي. وسجّلت الدّبلوماسية الجزائرية أسبوعيا مواقف واضحة وصريحة، من كافة القضايا المعروضة للنقاش أو التصويت أمام الدول الأعضاء، وأخذت الأوضاع في فلسطينوغزة تحديدا، خاصة ضمن عهدتها الجديدة وخلال جلسات مجلس الأمن التي انعقدت لحد الآن، حجر الزّاوية الذي ينبغي الانتباه إليه لمعالجة الأوضاع الخطيرة في الشرق الأوسط، وقالت بشأن هذه الأوضاع إنّها تتّجه نحو الانفجار الكبير في حالة استمرار غض الطرف عن المأساة البشعة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. في مستهل بداية مهمّتها، امتنعت الجزائر عن التصويت على قرار يدين هجمات الحوثيّين على السفن المتجهة نحو الكيان الصهيوني بالبحر الأحمر، وقالت إنّها لا يمكن تشارك في قرار يتجاهل الرابط الموجود بين تلك الأحداث، وما يجري في غزة من جرائم إبادة جماعية. ثم بادرت الجزائر بطلب عقد جلسة لمجلس الأمن، لبحث خطر التهجير القسري للفلسطينيين خارج أرضهم، وأكّد السفير بن جامع أنّه لا ينبغي على المجتمع الدولي السكوت أبدا أمام هذه المخططات القائمة "بالضم، والاستيطان والإبادة والسجن للفلسطينيين"، وقال "إن الصمت هنا تواطؤ". وتبنّى المجلس فيما بعد وبالإجماع، بيانا قدّمته الجزائر من أجل توسيع تدفق المساعدات الإنسانية في غزة، وضمان وصولها لكافة المناطق المتضررة من القصف الوحشي والانتقامي للكيان الصهيوني منذ السابع من أكتوبر 2023. وتنفيذ لتوجيهات رئيس الجمهورية، سارعت البعثة الدبلوماسية الجزائرية في نيويورك إلى طلب عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، لبحث إعطاء الصيغة الإلزامية لقرار محكمة العدل الدولية ضد الاحتلال الصهيوني الصادر في 26 جانفي الماضي، عقب دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا. تحرّك الجزائر السريع لا يتوقف عن كونه نصرة للشعب الفلسطيني، بل أيضا لصالح القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، الذي ضاع تحت أٌقدام الصهاينة الذين ألفوا ضرب الشّرعية الدولية عرض الحائط. وأكّدت البعثة الدبلوماسية الجزائرية أمام مجلس الأمن، أنّ وقت الإفلات من العقاب قد انتهى، ولا أحد فوق المحاسبة أمام القانون الدولي، وطالبت المجلس بإصدار التدابير اللازمة لتفعيل حكم محكمة العدل الدولية، خاصة في شقه المتعلق بالتصدي لكل خرق للبنود المنصوص عليها في اتفاقية مكافحة جرائم الإبادة الجماعية التي أقرتها الأممالمتحدة. وفي الإجتماع الماضي الذي خصّص لمناقشة الضربات الأمريكية ضد كل من سوريا والعراق، دعت الجزائر بكل وضوح إلى احترام سيادة البلدين وسلامتهما الترابية، وحذّرت من أنّ الوضع في الشرق الأوسط قريب من الانفجار أكثر من أي وقت مضى، وأكّدت الصلة الوثيقة بين التطورات الخطيرة في المنطقة وبين العدوان الصهيوني المستمر ضد الفلسطينيين. على صعيد آخر، يلاحظ على التحركات الجزائرية النشطة في مجلس الأمن، أنّها قائمة على التنسيق والعمل الدبلوماسي المكثف، مع الدول الأعضاء داخل المجلس خاصة العشرة الذين لا يتمتّعون بحق النقض (الفيتو)، وكذلك الأعضاء الخمسة الدائمين. وتعتمد على العمل الثنائي والمتعدّد في التحضير للملفات أو مشاريع القرارات، وضمن هذا النطاق يسجّل الاتصال الهاتفي الذي جمع وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف بكاتب الدولة للشؤون الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، أمس الأول، حيث وزّعت الجزائر قبل أيام قليلة مشروع قرار على مجلس الأمن يطلب الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة لأغراض إنسانية، مع منع تهجير الفلسطينيين وضمان دخول المساعدات الإنسانية على نطاق واسع. وتدير الجزائر النقاش حول النّص، من مقاربة ضمان الحد الأدنى من التوافق على الصيغة التي ستطرح في التصويت لاحقا، مع ضمان عدم تعرّضه للفيتو من قبل الخمسة الدائمين. وضمن أجندة مجلس الأمن غير المتعلقة بالجرائم الصهيونية في فلسطين، كرّست الجزائر التشاور الثنائي مع الدول، بخصوص الملفات التي تخصّها، حيث أجرى الوزير عطاف أمس الأول، مكالمة هاتفية مع نظيره الصربي، قبيل عقد جلسة حول قضية كوسوفو داخل المجلس. وتراهن دول أخرى مثل ليبيا والسودان، على حضور الجزائر داخل مجلس الأمن لإعطاء دفع واضح وقوي لمسارات الخروج من الأزمات التي تعاني منها، مستندة لدورها الدبلوماسي وقدرتها على بلورة المواقف.