الرهان على الإستراتيجية الجديدة والعودة إلى الاستثمار الطاقة.. عنصر أساسي في بناء اقتصاد تنافسي وقف الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي محفوظ كاوبي، عند أبعاد محطة حاسمة في تاريخ الجزائر والمتمثلة في تأميم المحروقات، وقال إنها تمثل قرارا تاريخيا، وذكرى فاصلة واستثنائية، حملت اقتصاد البلاد إلى مكانة فارقة، مجسّدة السيادة الطاقوية، ومن ثمّ نجحت في تعبيد الطريق لبناء جزائر قوية اقتصاديا ومؤمنة طاقويا، وكل ذلك مهّد أن تشق الجزائر نهجا جديرا بالفخر، وتحولت - على مدار عقود - إلى أحد أهم مُنتجي ومُوردي الغاز في العالم، وهذا ما جعلها تحتل موقعا استراتجيا في الأسواق الخارجية، وانعكس ذلك على دورها وتواجدها داخل منظمة أوبك، بحكم أنها أحد الأعضاء الذين يهندسون للقرارات الصائبة والمؤثرة في التوازنات الخارجية لمعادلتي العرض والطلب، على خلفية أن السوق يلعب فيه الكبار وتؤثر عليه التغيرات الجيو استراتجية، ودون شكّ فإن هذا الموقع المحقق، لم يكن وليد الأمس، بل جاء على إثر تراكم خبرات وحنكة وعمل كبير متواصل. وعبّر كاوبي عن قناعته بأن سونطراك تعمل وفق منهجية بناءة عنوانها "النجاعة"، وألح على أهمية التركيز على الرفع من معامل التنافسية مستقبلا، ليؤكد أن هذين عاملين رئيسيين في معادلة الحفاظ على المكاسب والزيادة في مستوى فعالية الأداء، من أجل أن تحافظ سونطراك على حصتها من الأسواق العالمية، بعد أداء تاريخي ساطع وتحكم باهر لإطاراتها في التكنولوجيا، جسده تحقيقها للعديد من الاستكشافات المهمة خاصة خلال الفترة الأخيرة، وبالتحديد في عام 2023. وأوضح الخبير كاوبي، أن عملية تسريع وتيرة النمو مرتبطة بالزيادة في حجم الاستثمارات، ويتطلّب الأمر تحسين الحوكمة والزيادة من فعالية التسيير، مقترحا في نفس الوقت التكثيف من حجم الشراكات في المستقبل. وعاد كاوبي، ليشرّح ذلك الوهج والتحدي القائم انطلاقا من ذكرى تأميم المحروقات، ووقال إنه مازال على مساره القويم، يسير بنفس العزيمة، يتناقلها جيل بعد جيل، بهدف مشترك برمي إلى بناء جزائر قوية أمنيا واقتصاديا وطاقويا، معتبرا أن مكاسب كبيرة تحقّقت منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، خاصة الانطلاقة القوية المسجلة خلال السنوات القليلة الماضية في مجال الرفع من إنتاج الطاقة، مسلطا الضوء بكثير من التفصيل على أداء قطاع المحروقات بصفة عامة، على خلفية أنه جسّد العديد من الانجازات، انطلاقا من تأميم المحروقات وبناء قاعدة إنتاجية وتحويلية مهمة، تتصدرها سونطراك وفروعها المختلفة في مجال التنقيب والبحث والإنتاج وكذا النقل وتحويل المحروقات، سواء كان بترولا أو غازا، وكذا استثمارات أخرى في قطاع الطاقات المتجدّدة خلال السنوات الأخيرة على وجه الخصوص.
سونطراك.. أداء احترافي.. ولم يخف الخبير كاوبي، خلال تطرقه إلى إنجازات مجسدة على أرض الواقع، أن هذه المكاسب جلية وظاهرة للعيان، وأفضت إلى جعل الجزائر بلدا متواجدا في الساحة الطاقوية العالمية، سواء في سوق البترول أو سوق الغاز، وزيادة على ذلك، فإن الجزائر تعتبر من بين الموردين الموثوقين ولديها سمعة جيدة، خاصة بعد أن تمكنت سونطراك من فرض ثقلها كشريك، يتحكم في الجانب التكنولوجي، وأيضا كشريك موثوق من ناحية الوفاء بالالتزامات التجارية مع مختلف زبائن الجزائر. بالفعل، يواصل كاوبي، فإن الطاقة عصب التنمية ومحرك الاقتصاديات، ونجاح الجزائر الجديدة التي استدركت ما فات بعد فترة صعبة عاشتها سونطراك من ناحية بطء الاستثمارات، وسجلت نجاحها بعودة ملحوظة وانطلاقة قوية ومستوى أداء احترافي، مازال يشهد منحى تصاعديا، انصهرت فيه كل الجهود المحلية، لجعل سونطراك المجمع الرائد قاريا وإقليميا، أكثر قوة عبر السعي والعمل المتواصل في الميدان، بهدف الرفع من قدراتها التنافسية في الأسواق العالمية، سواء ما تعلّق بحصص البترول أو الغاز. عودة الشركات الأجنبية للاستثمار وركز الخبير كثيرا على الأهداف الأساسية الحالية والتحديات الجوهرية الراهنة الجاري ترجمتها، وفق خطّة فعالة وإستراتجية مدروسة ودقيقة، والمتمثلة في الزيادة من مخزون الجزائر من الغاز والنفط، ولم يخف أن كل المنجزات تطلّبت رصد استثمارات مهمة في مجال التنقيب، وإقامة شراكات هامة مع الشركات الكبرى على المستوى العالمي، ومن الطبيعي أن يتضمن برنامج الاستثمار لشركة سونطراك في الفترة الممتدة بين 2024 و2028، تسخير أزيد من 40 مليار دولار، من أجل تطوير القدرات الإنتاجية وتعزيز قدرات البحث، بالإضافة إلى إقامة شراكات مع أكبر الشركات العالمية، وهو ما يتمّ تجسيده منذ عام 2019، وبعد سنوات من الأداء والحركية، بدأت الشركات الأجنبية تنجذب بقوة إلى الجزائر، بل إنها صارت تمنح اهتماما أكبر للاستثمار والتنقيب في الجزائر، ومن هذه الشركات "إيني" و«كونتينونتال"، إلى جانب شركات أمريكية أخرى رائدة في مجال الغاز والإنتاج البترولي، كونها منذ أشهر، تعمل على دراسة الإمكانات من أجل العودة واقتحام عالم الاستثمار بالجزائر بالشراكة مع مجمع سونطراك بطبيعة الحال. استشراف التحديات المستقبلية وفي ذكرى تأميم المحروقات، تحدث الخبير كاوبي، باعتزاز وفخر كبيرين عن التأميم وما تحقق بعده خاصة الوثبة المسجلة في الوقت الحالي في الرفع من القدرات الانتاجية ومن حجم الاستكشاف وتعزيز مخزون الاحتياطي، ولم يخف بأن الجزائر وبالتحديد سونطراك، تتواجد أكثر من وقت مضى في رواق جيد لتتبوأ مكانة أفضل عبر تكريس المزيد من النجاحات، من خلال الاستمرار في تطوير الإنتاج وبناء اقتصاد عصري. وذكر بالمناسبة أن ما يتحقّق اليوم، لا يختلف عما تحقق بالقرار التاريخي القاضي باسترجاع المحروقات الجزائرية للجزائريين. وقال كاوبي إن الجزائر شرعت في ترجمة الخيارات الجدية في الميدان، فراهنت على الاستراتيجية الجديدة والتنظيم المحكم، وجعلت عنوان الأعمال المرونة والعودة للاستثمار والزيادة من القدرات التنافسية لمجمع سونطراك الرائد إفريقيا، وبذلك عادت إلى سكة الاستثمار سواء في المنبع من خلال القيام باستثمارات مهمة بالشراكة بطبيعة الحال مع شركاء أجانب، نذكر منهم أمريكيين وإيطاليين وصينيين، من أجل الزيادة في القدرات الإنتاجية وعصرنة عمليات الإنتاج، وكذلك تعميق الاستثمار من أجل التقليل من الانبعاث الكربوني، بهدف مواجهة التحديات المستقبلية على مستوى الأسواق الخارجية، إلى جانب الزيادة من قدرات الاسترجاع التي ستمكن سونطراك في المستقبل، من استرجاع كميات مهمة تحرق خاصة في مجال الغاز، وستمكنها من الزيادة من إنتاجها وتدفقه نحو الأسواق الخارجية. وقدم الخبير محفوظ كاوبي قراءته للمنهجية الحالية والإستراتجية المستقبلية لشركة سونطراك، وأشار أنه يمكن القول بأن سونطراك تعمل وفق منهجية بناءة عنوانها النجاعة ورفع سقف التنافسية بهدف المحافظة على حصتها في الأسواق العالمية سواء في مجال النفط أو الغاز بل حتى في الطاقات المتجدّدة. بناء اقتصاد تنافسي ويرى الخبير كاوبي، أن تسريع وتيرة النمو مرتبطة بالزيادة في حجم الاستثمارات وتحسين الحوكمة والزيادة من فعالية التسيير، إلى جانب التكثيف من حجم الشراكات في المستقبل، واقترح سلسلة من المقومات، ينبغي إرساؤها، بينها العمل أكثر وفق منطق برغماتي، بل ومنطق الامتياز، مع التأكيد على أهمية تفعيل الاستراتجيات المجسدة في الميدان. يقول كاوبي: من الضروري أن توجّه القدرات الطاقوية إلى بناء اقتصاد قوي ومتنوع، من خلال تحويل النفط والغاز الجزائري، وجعله عنصرا أساسيا في حلقة بناء اقتصاد تنافسي وبناء صناعة نفطية وبتروكيماوية، ستكون القاطرة للدفع بعملية النمو نحو الأمام، ذلك أن محدثنا ينتظر من كل هذا تحقيق التنوع الاقتصادي والتنوع في المنظومة الصناعية على وجه الخصوص، وكل تلك العناصر - حسب توقعات الخبير وتقديراته - يمنح سونطراك القدرة على أن تبقى في المستوى العالي الذي تحقق لها منذ حظيت بعناية الرئيس تبون، فهي تُعد حاليا من ضمن العشر شركات نفطية الأكبر على المستوى العالمي.