يعرف المجتمع الوهراني بالكرم وحسن الضيافة-كواحدة من أهم المكونات الثقافية والاجتماعية-المتوارثة أبا عن جد، دون أن تفقد وزنها أو بريقها، رغم تغير بعض ملامحها تأثرا بتطور أنماط الحياة، ولعل شهر «رمضان» الأغر، أعظم ضيف حبيب إلى قلوب المؤمنين، عزيز على نفوسهم، يتشوقون لقدومه أشد الشوق ويتألمون لفراقه أعلى درجات الوجع، إيمانا منهم بعظمته وقدسيته. أوّل ما يعلق في وجدان كل زائر إلى وهران، هو مظاهر السعادة والبهجة والفرح والتنافس على تزيين المنزل والتفنن في تحضير موائد الإفطار بكل اللوازم والأطباق، وتجديد الالتزام بالقيم والمبادئ الأخلاقية التي تنبع من أسس العادات والتقاليد التليدة التي تحرص عليها العائلات الوهرانية من باب استقبال هذا الشهر الفضيل المبارك، استقبالا يليق بمكانته ومنزلته العليّة الرفيعة، ولكونه فرصة عظيمة لاستعادة دفء الأسرة ولمة العائلة وتوثيق الصلة بالأرحام. ولعل أكثر ما يلفت الأنظار في هذه السنة بعاصمة الغرب الجزائري، وهران، هو الإقبال الكبير على «زينة» رمضان، التي تعددت أشكالها وألوانها وأسعارها، ما جعل هذه البضائع والمنتجات بنوعيها المحلي والمستورد مطلوبة بكثرة وتباع بسهولة، وخاصة الفوانيس والستائر والأفرشة والأدوات والأواني المنزلية التي تستخدم في العزومات وموائد الإفطار. زينة متنوعة لشهر واحد «الشعب»، حاولت الاقتراب من هذا المشهد الرمضاني المبهج بامتياز على مستوى سوقي المدينة الجديدة ولباستي الشهيرين، مرورا بمحلات الصناعات التقليدية والحرف وفضاءات لوازم الحلويات والأفراح، التي تفننت في ابتكار ديكورات رائعة وجذابة بحلة رمضان البهية، ولاحظنا نوعا من «التباين»، سواء من حيث النوعية أو الأسعار، بما يتيح للجميع اقتناء لوازم زينة رمضان ولياليه المباركة، كل بحسب إمكانياته المادية. كما شدنا خلال نفس الجولة، الأشكال المختلفة، وخاصة الزينة المضيئة بين حبل الهلال والنجوم المتدلية بمختلف الألوان والأشكال وبين الفوانيس، التي تظل من قطع الديكور الأساسية التي تعبر عن هوية رمضان، وتتنوع في الخامات بداية من الأقمشة، والورق، والبلاستيك والنحاس، والأنواع التي تتصل بالكهرباء أو التي تعمل بواسطة البطاريات، ناهيك عن ديكورات الأسطح، ومائدة الطعام والمفروشات والستائر والأواني وغيرها. وأكدد عدد من النساء والفتيات، اللواتي أقبلن على شراء هذه الزينة المتعلقة بشهر رمضان، أنها من مظاهر الفرح بقدوم الشهر الفضيل الذي يكثر فيه الضيوف ولمة الأحباب، المفعمة بالحياة والسعادة، لذا يهتممن بنظافة البيت وتنسيقه وترتيبه وتزيينه، احتفالًا بهذه الأيام المميزة التي ينتظرون قدومها من العام إلى العام كي ينعموا بنفحات من بركاتها. وأوضحت أخريات أنهن أعدن استخدام زينة العام الماضي، التي تحاولن الحفاظ عليها قدر المستطاع إلى ليالي القدر وعيد الفطر المبارك، لاستعمالها مجددا في مختلف المناسبات الدينية، لكونها تضفي أجواء دافئة حميمية تحاكي الطابع التقليدي للمدينة العريقة بالفوانيس والمصابيح الملونة والأكاليل والستائر والمفارش وغيرها من العناصر والديكورات المختلفة، المنقوشة بطريقة أرابيسك والزخارف العربية والإسلامية. وبالمقابل، يفضل البعض الآخر صنعها بأنفسهم، كنوع من الأشغال اليدوية، نظرا لأسعارها المرتفعة، ونساء أخريات، اعتبرت أنها من الكماليات وغير ضرورية، خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة من جهة، والتضامن مع الفئات المعوزة من جهة أخرى. وأفاد صاحب محل لتغليف الهدايا ومستلزمات الأفراح بشارع مستغانم «أن أغلبية الزبائن يصّرون على شراء المصنوعات الجزائرية، مثل الفوانيس الحرفية التي تصنع يدويا، من المواد المختلفة مثل القماش والحديد والنحاس والخشب والبلاستيك والزجاج الملون، نظرا لجودتها ودقة التصنيع وطابعها التقليدي المميز بعبق التاريخ وذكريات الماضي المحفورة في الوجدان». وأضاف أن «المصنوعات المستوردة، خاصة الصينية لها جمهورها، وإن كان قليلا، كونها تتميز بأشكال هندسية مختلفة، تشبه الألعاب أحيانا، مثل الكرات والمكعبات والأسطوانات، بعكس الرائج من المصنوعات المعروفة بالدولة العربية، وخاصة الشرقية، المنفردة بتصاميمها العربية والإسلامية الفريدة مع الشموع المتوهجة أو الكهربائية العالية الجودة.» اقبال متزايد قال أحد كبار التجار في هذا المجال بحي المدينة الجديدة، أن «نسبة الإقبال على زينة رمضان ارتفعت خلال رمضان الجاري، مقارنة مع السنوات الماضية، خاصة زمن «الكورونا» التي ألقت بظلالها وآثارها على المجتمع الجزائري، لما لها من وقع كبير على ارتفاع نسبة البطالة والفقر، قبل أن تضبط الحكومة مجموعة من الإجراءات لتحسين ظروف معيشة المواطن وتقليص الفوارق الإجتماعية، من خلال تثمين الأجور ومعاشات التقاعد وإقرار العمل بسياسة منحة البطالة، وغيرها من التدابير الرامية إلى ضمان استقرار الأسعار وتوفير العيش الكريم للمواطن». واعتبر المتحدث ذاته أنه «بالرغم من أن مثل هذه السلع والبضائع لدى الكثيرين من صور الإسراف والتبذير والبذخ، فإن هناك من يرى أن زينة رمضان ومختلف المناسبات الدينية الأخرى، بما فيها عيد الفطر المبارك، تحدث فرقا عن باقي أيام السنة، وتتركز في كونها وسيلة للتعبير عن الفرح والسعادة وسط أجواء روحانية مليئة بالسكينة والراحة، تحت ظلال دفء الأهل والأحباب ولمّة الأصدقاء في بلاد العز والهناء».