نظام تعاقدي يضمن جمع وتخزين المحصول وتحويله ينطلق برنامج إنتاج الزراعات الزيتية لموسم 2024، خلال شهر مارس ويدوم إلى غاية منتصف ماي بالنسبة للمناطق الشمالية، وابتداء من أواخر جوان إلى غاية جويلية القادم في الجنوب، وقد وضعت الحكومة جملة من التحفيزات للوصول إلى الهدف المسطرة من قبل السلطات العمومية، بذر 45 ألف هكتار، وهي مهمة حسب الخبراء ليست مستحيلة، في ظل توفر الإرادة السياسية والعوامل التقنية لنجاح هذا النوع من الزراعات بعد تجربة مشجعة، أزالت التخوف عند الفلاحين، وأعطت الأمل للمستثمرين بالمساهمة في تحقيق أهداف الدولة، وتحويل الجزائر من سوق مستقبل إلى سوق منتج ومصدر للمواد الزيتية. يواجه قطاع إنتاج زيت المائدة في الجزائر تحديات تتعلق بالتقلبات في أسعار السوق العالمية والحاجة إلى تحديث الآلات والتقنيات، ومع ذلك توجد فرص كبيرة للتوسع والتصدير، خاصة مع الجهود الحكومية لدعم القطاع، فقد تبنّت الحكومة برامج لدعم إنتاج زيت المائدة، بما في ذلك توفير التمويل والتحفيزات للفلاحين والمحولين. وتهدف هذه البرامج إلى زيادة الإنتاج وتحسين الجودة، وكذلك تشجيع التصدير. يعتبر الاستثمار في تقنيات جديدة وابتكارات في مجال إنتاج زيت المائدة من العوامل الرئيسية لتعزيز القطاع، وتشجّع الحكومة على الاستثمارات المحلية لتطوير هذه الصناعة، التي لها أثر كبير على الاقتصاد الجزائري، حيث تساهم في توفير فرص العمل وتعزز الناتج المحلي الإجمالي، كما تلعب دورا في تحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الواردات. وتطمح الجزائر إلى أن تصبح رائدة في إنتاج زيت المائدة في إفريقيا، وتسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتوجه نحو التصدير. ومع الاستمرار في الاستثمار والابتكار، يمكن للجزائر أن تحقق هذا الهدف وتعزز مكانتها في السوق العالمية. ويمثل إنتاج زيت المائدة في الجزائر قصّة نجاح يمكن أن تكون مثالا للقطاعات الأخرى، ويظهر الإمكانات الكبيرة التي يمكن أن تحققها الجزائر في مجال الصناعات الغذائية. ويقدر ما تستورده الجزائر من زيوت مائدة، وبقايا المنتوج الذي يوجّه كأعلاف للمواشي والحيوانات بمليار دولار، يمكن تقليصها بإنتاج النباتات الزيتية في مساحات لا تتجاوز 500 ألف هكتار، علما أنّها تحصي مليوني و500 ألف هكتار أراضي بور، يمكن تخصيص 500 ألف هكتار منها لزراعة هذا المادة، خاصة وأن الأراضي البور حسب الخبراء تصلح تقنيا لزراعة هذا النوع من النباتات، وهو ما سيمكّن البلاد من تقليص فاتورة الاستيراد هذه المواد، ولكن يحتاج الأمر إلى تضافر جهود المهنيين، التقنيين، العلميين، وهو ما ألحّ عليه رئيس الجمهورية في عدة مناسبات، وطالب بإدخال كل ما هو علمي وتقني في برامج تطوير المحاصيل الاستراتيجية لإنتاج حاجيات الجزائر. برنامج واعد نظرا لاستمرار التوترات الجيوسياسية التي أثّرت على أسعار المواد الأساسية في السوق العالمية، أعطت الحكومة الجزائرية تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية وبرنامجه الواعد، الأولوية للزراعات الصناعية، حيث وضعت آليات جديدة لدعم شعب الزراعات الصناعية على غرار النباتات الزيتية، الذرة الصفراء، الشمندر السكري. سمح هذا الدعم بتسجيل نتائج إيجابية الموسم الماضي، حيث تمّ على سبيل المثال لا الحصر، إنتاج زيت نباتي لأول مرة من إنتاج محلي لدوار الشمس، والذي حقّق مردودا ايجابيا سنة 2023، وعلى هذا الأساس تمّ هذه السنة وضع هدف زرع 45 ألف هكتار من النباتات الزيتية. وفي شهر مارس الجاري، تمّ رسميا إطلاق برنامج انتاج الزراعات الزيتية لموسم 2024، وذلك خلال لقاء تقني نظّم على مستوى المعهد الوطني للبحث الزراعي الجزائر، تحت إشراف حميد بن ساعد الأمين العام لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية. ويشمل هذا البرنامج جملة من التحفيزات للوصول إلى الهدف المسطر لبذر 45.000 هكتار، وقد تمّ تنصيب جهاز المرافقة والدعم وفرته الدولة لفائدة الفلاحين والمستثمرين في مجال النباتات الزيتية، حيث تمّ تخصيص منحة دعم قدرها 3000 دينار للقنطار بالنسبة للفلاح المنخرط فرديا في هذا البرنامج، و3500 دج للمنخرطين في تعاونية إضافة الى دعم المحولين. ويشمل هذا البرنامج أيضا نظاما تعاقديا يضمن جمع وتخزين المحصول وتحويله، وهو ما ثمّنه المتعاملون المنخرطون في البرنامج، لأنّ الإجراءات المتخذة من طرف الدولة لتطوير هذا النوع من الزراعات ستعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني وعلى الفلاح، حيث تعتبر من بين أنجع الطرق لتطبيق الدورة الزراعية. عوامل نجاح يندرج برنامج زراعة النباتات الزيتية ضمن استراتيجية الدولة لتعزيز الأمن الغذائي وتقليص الواردات، ويعد مشروع زراعة عباد الشمس حسب رئيس اتحاد المهندسين الزراعيين الجزائريين منيب أوبيري، وجهة العديد من الدول التي تطمح لتخفيض فاتورة استيراد الزيوت من الخارج، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية. وتمنح جغرافيا الجزائر فرصة ثمينة لنجاح زراعة عباد الشمس والنباتات الزيتية الأخرى. يقول أوبيري "فهي تقع في منطقة المتوسط، وتتميّز بمناخها المتوسطي الذي يتميز بالصيف الحار والجاف والشتاء المعتدل والرطب، هذا المناخ يجعل الجزائر منطقة جيدة لزراعة عدة أنواع من المحاصيل الزراعية، بما في ذلك عباد الشمس، حيث يزرع في مناطق تصلها الشمس بشكل كامل وتكون بعيدة عن الرياح، ويفضّل عند زراعة عباد الشمس أن يكون تساقط الأمطار فيها بمعدل 700-800 مم سنوياً أو بمعدل 350-400 مم خلال موسم الزراعة". وأكّد رئيس اتحاد المهندسين الزراعيين الجزائريين في تصريحه ل "الشعب"، أنّ تطوير زراعة عباد الشمس وغيرها من النباتات الزيتية، في الجزائر "خطوة مهمة" في تحقيق الهدف المسطر لتأمين المواد الأولية لإنتاج زيت المائدة وتحقيق الفوائد الاقتصادية والبيئية المرتبطة بهذه الصناعة. فإلى جانب أن تطوير زراعة عباد الشمس توفّر المواد الأولية لصناعة الزيت في الجزائر، سيعزز الإنتاج الزراعي ويوفر فرص عمل جديدة في مجالات مثل الزراعة والتصنيع والتوزيع، وسيساهم في تحسين الأمن الغذائي للمجتمع، حيث سيوفر مصدرًا محليًا لإنتاج زيت المائدة. استثمار بتكاليف منخفضة ولا يحتاج الاستثمار في زراعة عباد الشمس والنباتات الزيتية إلى أموال طائلة مقارنة ببعض المشاريع الزراعية الأخرى، فحسب أوبيري زراعة عباد الشمس هي محصول زراعي سهل وبسيط في العناية به، ويمكن زراعتها بتكاليف منخفضة، بالإضافة إلى ذلك، فإن زراعة عباد الشمس تتميز بكونها محصول زراعي متعدد الاستخدامات، حيث يمكن استخدامها لإنتاج زيت الطعام والعلف للحيوانات، ويمكن أيضا استخدامها في صناعة الأدوية والمنتجات الصناعية الأخرى. ويمكن زراعة عباد الشمس في الصحراء، خاصة في مناطق تتوفر فيها مصادر مياه كافية للري. فعلى الرغم من أن الصحراء تتميز بظروف قاسية وقلة هطول الأمطار، إلاّ أن زراعة عباد الشمس تتميز بتحملها للجفاف وتتأقلم مع هذه الظروف القاسية، مما يجعلها محصولا زراعيا مثاليا للصحراء. ويمكن استخدام تقنيات الري الحديثة والمتطورة مثل التقطير والري بالتنقيط لتحقيق أقصى استفادة من المياه المتاحة، ممّا يجعل زراعة عباد الشمس في الصحراء ممكنة وجدوى اقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، توفّر الصحراء مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، وتتميز بتربة خصبة وجو هادئ وصحي، مما يجعلها منطقة مثالية للزراعة والاستثمار الزراعي. وبشكل عام، يمكن القول إنّ زراعة عباد الشمس في الصحراء تعد فرصة مثالية لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الأراضي الواسعة، وتحقيق الفوائد الاقتصادية والبيئية المتعلقة بالصناعة الزراعية، أما البذور فهي متوفرة في الجزائر بحيث يمكن الحصول عليها من مراكز البذور (المعاهد التقنية) والشركات الزراعية المختصة. مسار تقني رئيس المنظمة الوطنية للفلاحة والأمن الغذائي الخبير كريم حسن، له رأي مغاير، فيما يخص الدورة الزراعية للنباتات الزيتية، التي قال إنّها "أساسية في المناطق الشمالية والسهبية، لكن في الأراضي الرملية بالصحراء تحتاج بشكل دوري ودائم للمواد الكيمائية لأنها ليست خصبة"، وهذا ما يتطلب حسبه تغيير بنية الأراضي عن طريق البحوث الزراعية، مشيرا إلى أن العديد من الدول تطورت هذا المجال وزراعة انواع من الأشجار المقاومة للجفاف بتقنيات علمية يمكن أن تلعب المؤسسات الناشئة الجزائرية دورا في هذا الأمر. وأوضح الخبير كريم حسن، أنّ تطوير المحاصيل الزيتية يتطلب كفاءة عالية في الانتاج واكتساب خبرة من التجارب السابقة، مؤكّدا أن المرافقة والإرشاد ضروريان لأي زراعة جديدة بمنطقة ما، حيث لا يمكن التخلي عن تكوين الفلاحين، لبلوغ هدف تنويع مصادر الزيوت من الصوجا والسلجم الزيتي وعباد الشمس والفول السوداني، وهي زيوت كلها أساسية لإنتاج زيت المائدة، وبالأخص الصوجا وعباد الشمس. ويمكن حسب المتحدث تحقيق الاكتفاء الزراعي من النباتات الزيتية، وتقليص بذلك فاتورة الاستيراد التي أرهقت لسنوات الخزينة العمومية، وهو هدف يمكن تحقيقه، وتوفير زيت مائدة محلي بأسعار مناسبة، ولكن هذا الأمر يحتاج حسبه إلى الاهتمام بزراعة محاصيل وفيرة الإنتاج غير مستهلكة كثيرا للماء، ودعا في هذا الصدد إلى اعتماد برنامج زراعي يعتمد على ترشيد إدارة المياه، لأنّ هناك العديد من الدول استنزفت قدراتها المائية، وأصبحت في عوز مائي وهي الآن تتوجه لزراعات في بلدان أخرى والشراكة وتأخذ أرباحا كبيرة إلى بلدانهم. واعتبر الخبير حسن أنّ التّوجّه إلى الزراعات الواسعة الاستراتيجية على غرار "الصوجا" وعباد الشمس والسلجم الزيتي، سيكون ذو نتائج ملموسة على الاقتصاد الوطني، فقد أثبتت التجارب أنها ذات إنتاجية عالية، إذا ما توفّرت عدة عوامل، من بينها الاستعانة بالمهندسين ومنح الأراضي الفلاحية المناسبة للمنتجين، بحكم أن الانتاج يفرض التحكم في المسار التقني لهذه المحاصيل والاستفادة من البحوث والتجارب، والتوجه نحو تفعيل أوامر رئيس الجمهورية أيضا، والقاضية باستغلال المناطق الصناعية الخاوية لحد الساعة، لإنجاز هذه المصانع ومنح المستثمرين عقارات مناسبة. وإذا تمّ تنويع مصادر إنتاج الزيوت السلجم الزيتي عباد الشمس الصوجا فول الصويا، سيتم استغناء عن الاستيراد نهائيا.