نتوقّف مرة أخرى عند ذكرى عيد النصر يوم 19 مارس 1962 التي أظهرت حنكة الدبلوماسية الجزائرية المعاصرة في التفاوض مع فرنسا الاستعمارية. كانت المفاوضات التي كلّلت بالتوقيع على اتفاقات إيفيان واسترجاع الاستقلال الوطني من أبرز إنجازات الدبلوماسية الجزائرية التي تعدّ مفخرة للجهاز الجزائري وإطاراته. في مثل هذا اليوم صرّح كريم بلقاسم قائلا: ''بموجب تفويض من المجلس الوطني للثورة الجزائرية وباسم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وقّعنا في الساعة الخامسة والنصف عشية 18 مارس 1962 على اتفاق عام مع الممثلين المفوضين للحكومة الفرنسية. وبمقتضى هذا الاتفاق العام أبرم اتفاق لوقف القتال يدخل حيز التنفيذ بكامل التراب الوطني يوم الاثنين 19 مارس 1962 في منتصف النهار بالتدقيق''. وفي هذا الصدد توجّه بن يوسف بن خدة رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بخطاب إلى الشعب أكّد فيه أنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يعتبر نصرا عظيما للشعب، ثم أصدر الأوامر لمختلف قوات جيش التحرير الوطني، بإنهاء العمل العسكري والنشاط المسلّح في كل جهات الجزائر، كما تضمّن خطاب بن خدة أيضا محتوى الاتفاقيات التي أكد بأنّها تتماشى والمبادئ الثورية المعلن والمعبّر عنها. ويعتبر يوم 19 مارس 1962 انطلاقة جديدة لدولة فتية استرجعت سيادتها الوطنية بعد أن سلبها منها الاحتلال الفرنسي ما يقارب 130 سنة، ارتكب فيها أبشع الجرائم الاستعمارية في حق الشعب الجزائري المسالم الذي عانى الكثير، حيث عمدت القوة الاستعمارية إلى طمس معالم الشخصية الوطنية عبر كامل مراحل تواجدها على أرض الجزائر، لكنها لم تنجح. ذكرى 19 مارس 1962 هي اللبنة الأولى في الإعلان عن جزائر حرة مستقلة، أخرجتها إلى الوجود ثورة التحرير الوطنية بتضحيات جسام فاقت المليون ونصف المليون شهيد. وإذ نتذكّر اليوم الاعلان عن وقف إطلاق النار، تعود لأذهاننا تضحيات الشهداء والمجاهدين الأوفياء الذين ما زالوا على قيد الحياة وما تكبّدوه من مطاردات العدو لهم في كل شبر، ومعاناة التعذيب الذي كان يسلّط عليهم حين يتم القبض عليهم، وكيف أنّهم ظلّوا صامدين مقتنعين حد الثمالة أنّ الحرية تؤخذ ولا تعطى.