خصّص العدد الجديد من مجلّة "موازين" العلمية التي تصدرها جامعة الشلف، لإشكالية تعدّد المصطلحات، والصعوبات التي تواجه ترجمتها. وتطرّق باحثون من جامعات وطنية وعربية، في 28 مقالا علميا، إلى هذا التعدّد المصطلحي الذي تحوّل في كثير من الأحيان إلى فوضى مصطلحات، محاولين تسليط الضوء على أسباب ذلك ونتائجه، في مجالات شتى، كاللّسانيات والنقد الأدبي، والترجمة، والطب، وعلم النفس، وتعليمية اللّغة. شهد مطلع الشهر الجاري، صدور العدد الأول من المجلد السادس من مجلة "موازين"، وهي دورية أكاديمية محكَّمة، تصدر عن كلية الآداب والفنون بجامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف، وتهتم بنشر الأبحاث اللّغوية والأدبية، وكذا الأعمال الإبداعية الأدبية كالشعر والقصة وغيرهما. وتطرق العدد إلى المصطلح وإشكاليات ترجمته، حيث تضمّن الجزء الثاني من أعمال الملتقى الدولي "المصطلح اللّساني والترجمة"، الذي أقيم بجامعة الأغواط. وضمّ العدد 28 مقالا، موزّعة على قرابة 400 صفحة، بمشاركة باحثين من جامعات وطنية وعربية. استهلت المجلة مواضيعها بمقال سليمان بن علي (جامعة الأغواط) "إشكالية المصطلحات اللغوية بين التعدّد والتوحّد"، وفيه يلاحظ الباحث أنّ المصطلحات تعدّ لغة ثانية يصطلح عليها أصحاب اختصاص محدّد، وتكون محط اتفاق بينهم للتعبير عن أفكارهم العلمية في مجال تخصّصهم، حتى يتسنى لهم التواصل الفعّال فيما بينهم، والتعبير الدقيق عمّا وصلت إليه أبحاثهم. كما يلاحظ أنّ من أبرز ما قد يشوّش على هذا التواصل غياب اتفاق على مصطلح واحد للتعبير عن المفهوم الواحد، بحيث تتعدّد المصطلحات في المجال ذاته من باحث إلى آخر ومن بلد إلى آخر، وينتج عن ذلك فوضى مصطلحية قد تؤدّي بالباحثين إلى الاختلاف، خاصة في حال المصطلحات الوافدة على بيئة لغوية مختلفة والاضطرار إلى ترجمتها. إشكاليات معاصرة وتطرقت بعض مقالات هذا العدد إلى أهمية ضبط المصطلحات في عدد من المجالات المختلفة، كالتاريخ، والطب، والإبداع الرقمي، والترجمة، وتعليمية اللّغة. وتناولت إيمان بوذراع (جامعة الجلفة) في مقالها "تأثير المصطلح ومدلوله التاريخي في بناء المدرسة الوطنية" المصطلحات التاريخية، وبالأخصّ تلك التي اعتمدها الاستعمار، ودعت الباحثة إلى ضرورة إنشاء مدرسة تاريخية وطنية، بإشراك المتخصّص في اللسانيات مع الباحث في حقل التاريخ، لغربلة تلك الكتابات. أما الباحثان جلول قطاف (جامعة وهران) والعيفة خطوي (جامعة الأغواط)، فعالج مقالهما "المصطلح الطبي بين الوضع والترجمة" ترجمة المصطلح الطبي وتوسّعه المتزايد، مع تراكم المعلومات الطبية الذي يميز الانفجار العلمي الحالي، وما يحمله هذا المصطلح من شحنات دلالية ومعرفية، والطرق المتخذة في وضعه وترجمته. كما نجد مقال "الترجمة وفوضى التعريب في الكتابة النقدية الرقمية العربية مصطلح Digital literature ومصطلح Hypertexte أنموذجاً"، وفيه تطرقت الباحثة فطيمة بلبركي (المركز الجامعي بريكة) إلى الإبداع بالكتابة الرقمية، وانتقالها إلى الثقافة العربية، وركّزت على هذين المصطلحين لبيان حدود الإشكاليات الاصطلاحية وطبيعتها، ومدى تأثيرها على المنجز النقدي العربي الراهن. وتذكر ذهبية بوعلوط (جامعة الجزائر 2)، في مقالها "إشكالية تباين المصطلح وعلاقته بالترجمة"، بأنّ ظهور المصطلح متزامن والتطور العلمي والتكنولوجي، وما ينتج عنه من ثروة مصطلحية يجب على كلّ أمة مواكبتها، ولاحظت الباحثة التباين الحاصل في هذا المجال. وعالجت فاطنة مجيدة بن شريط (جامعة الجلفة) "إشكالية السوابق واللواحق في ترجمة المصطلح"، وأكّدت في مقالها ضرورة أن يكون للمترجم رصيد ثقافي شاسع، وأن يتقن لغات عديدة، لينجح في ترجمة المصطلحات بدقّة. كما نجد مقال "مصطلحات تدريس اللّغة العربية بين التعدّد العلمي والضبط التعليمي - مع نماذج من المصطلحات التعليمية الغربية وتعدّد أشكال النقل إلى العربية" للباحثة عائشة عبيزة (جامعة الأغواط)، ويتتبع هذا البحث مصطلحات تدريس اللّغة العربية التي ظهرت بشكلين مختلفين: أحدهما التعدّد العلمي حسب النظريات والمذاهب المختلفة، والثاني الضبط التعليمي الذي يناسب متطلبات الفهم والاكتساب لدى المتعلّمين. العودة إلى التراث وأشار مقال يحيى شينون (جامعة غرداية) "الدعوة إلى توظيف المصطلح التراثي العربي"، إلى اعتبار بعض الباحثين العودة إلى التراث من أسباب فوضى المصطلحات، وفي المقابل، رأى آخرون بضرورة العودة إلى التراث، فإغفال التراث العلمي العربي من المشكلات التنظيمية التي يعاني منها واضعو المصطلحات. أما حسين قاضي (جامعة خميس مليانة) فعاد في مقاله "وضع المصطلح في ظلّ نظرية النحو العربي الأصيلة بين التوحّد والتعدّد" إلى نظرية النحو الأصيلة، لاسيما في القرن الهجري الثاني، وباعتبار المصطلحات مفاتيح العلوم، كان لزاما على النحاة حينها، وعلى رأسهم الخليل وسيبويه، الاهتمام بالمصطلح وضعا وضبطا ونقدا، وقد كانت ثمرة ذلك أن اشتد عود النحو، واستقرت مصطلحاته. وتطرق محمد بن قويدر (جامعة الأغواط)، في مقاله "المصطلح النحوي العربي القديم بين الائتلاف والاختلاف"، إلى المصطلحات النحوية التي اتفق أو اختلف عليها النحاة العرب، فبرز المصطلح النحوي البصري، والكوفي، ثم التوافقي الذي تبنته المدرسة البغدادية. من جهته، يندرج بحث عبد الوهاب حنك (جامعة خنشلة) بعنوان "الاصطلاح والترجمة نحو نظرية جديدة" فيما يُعرف بالمراجع الحضارية التي يقوم عليها المصطلح في العربية، بل في اللّغات ككلّ، والتي يُفترض أن تجعل من أمر ترجمة المصطلح العلمي في مجالات العلوم الإنسانية يسيرة تستند إلى حصره ضمن مرجعه العام المتواتر، والذي يملك خصوصية ثقافية وحضارية. المصطلح في اللّسانيات والنقد الأدبي ومن المقالات المنشورة نذكر "مشكلات التعدّد الترجمي للمصطلح اللّساني والنقدي في الوطن العربي - بين المرجعية المصطلحية وتعدّد البنيات الثقافية" للباحثة عليمة حمزاوي (جامعة خنشلة)، التي رأت في التعدّد المصطلحي نتاجا لاجتهادات فردية وقناعات ذاتية وثقافات متباينة، تسعى كلّ واحدة منها إلى استخدام ترجمتها وفرضها على الأخرى، في غياب التنسيق المنهجي والعلمي بين الهيئات المختصة. من جانبها، اقترحت زاهية لوناس (جامعة البويرة) مقالا بعنوان "ترجمة المعرفة اللّسانية عند الأمة العربية، من النزعة الفردية إلى الفوضى المصطلحية"، لاحظت فيه أنّ من جهود الأفراد في الترجمة اللّسانية، ظهرت فوضى مصطلحية بداية بتسمية علم اللّسانيات، وصولا إلى المفاهيم الأساسية وغيرها من المصطلحات، ممّا صعب من مهمة تلقّي هذه المادة الجديدة. وفي مقالهما "ترجمة المصطلحات اللّسانية"، سلّطت الباحثتان فوزية طيب عمارة وياقوتة لزرقي (جامعة الشلف) الضوء على تعدّد المقابلات العربية للمصطلح الأجنبي الواحد، وعدم التزام الواضعين بمنهجيات التقييس والتوحيد التي أقرتها المجامع العربية. من جهته، عالج مقال محمد زميط (المركز الجامعي تيبازة) بعنوان "المصطلح اللّساني وإشكالية توحيده مقاربة نصية" تعدّد المصطلحات التي تعبر عن المعنى الواحد في مجال اللّسانيات النصية. أما مريم منصوري (المركز الجامعي مغنية) فترى في مقالها "إشكالية ترجمة المصطلحات المعجمية عند اللسانيين العرب المحدثين"، أنّ التباين في ترجمة المصطلحات المعجمية إلى المقابل العربي عائد إلى اختلاف مشارب مترجميها من العلماء، وكذلك تعدّد النظريات اللسانية الغربية التي نهل منها هؤلاء. وحاول مقال كلّ من العربي بوعمران بوعلام وعيوش نعيمة (جامعة خميس مليانة) "أزمة الجهاز المصطلحي والمفاهيمي للّسانيات بين واقع التعدّد وحلول للتوحّد"، رصد أهم مظاهر تعدّد المصطلح اللّساني العربي، وتبيان أسباب ذلك، من خلال دراسة تطبيقية على حقل لسانيات النص. وكذلك فعلت ليندة زواوي (جامعة بجاية) في مقالها "إشكالية تعدّد المصطلح اللّساني العربي"، حيث اعتبرت مهمة وضع المصطلح من أصعب ما يواجه اللّغوي، الذي يجد نفسه بين خيارين: إما الوضع أو النقل، كما أنّها تتطلّب تمكّنا من المادة، وفقها في اللّغة، وإحاطة بالتاريخ، ووقوفا على النشاط العلمي المعاصر. وتساءلت عويشة دحمان بونوة (جامعة غليزان)، في مقالها "الخلط بين ترجمة مفهومي اللّغة واللّسان ومدى تأثيره على الفهم الصحيح للّسانيات في الوطن العربي"، عن الفرق المفهومي بين مصطلح اللّغة واللّسان والكلام، وحدود كلّ مصطلح من المصطلحات المذكورة. وطرح كلّ من حنان مخلوفي وبلقاسم غزيل (جامعة غرداية) "إشكالية تعدّد المصطلح اللّساني العربي"، ولاحظا أنّ الرصيد المصطلحي العربي يشكو عقبات حقيقية لغياب رصيد اصطلاحي مشترك يوحّد اللّسانيين ويؤلّف بينهم. من جهتهما، عالج الباحثان عبد الجليل ضيف ويوسف منصر (جامعة عنابة) "إشكالية المصطلح اللّساني في الثقافة العربية الحديثة"، ولاحظا أنّ الإسقاطات لم تراع الأبعاد الفلسفية للنظريات اللّسانية الحديثة، والدراسات اللّغوية العربية القديمة. ودرس مقال محمد أمين باكري (جامعة البليدة 2) "أثر الترجمة في تعدّد المصطلح النقدي العربي الحديث" أثر الترجمة في التعدّد المصطلحي، من خلال بعض النماذج الاصطلاحية ضمن حقل الخطاب النقدي العربي الحديث. وفي دراسة "إشكالية المصطلح السيميائي في النقد المغاربي"، لاحظت رتيبة نواصرية ومعها سمية خلفة (جامعة المسيلة) أنّ المشروع السيميائي الغربي في الخطاب النقدي المغاربي شكّل تحديا كبيرا على المستوى التنظيري، وعلى مستوى الجهاز المصطلحي والإجرائي. ويحاول مقال فريد زغلامي (جامعة أم البواقي) "اضطراب ترجمة المصطلح في الخطاب النقدي المغاربي المعاصر" تشخيص إشكالات ترجمة المصطلح، مثل تعدّد المصطلحات للمفهوم الواحد، والتداخل بين المصطلحات والكلمات العادية، وذاتية الاجتراح الاصطلاحي، وإلصاق مصطلح أجنبي معرّب بمصطلح عربي أصيل. مقالات علمية بأقلام عربية من الأقلام العربية في المجلة، نذكر الباحث عبد الله علي حسن الغبسي (جامعة ذمار، اليمن)، الذي تطرّق إلى "الأسباب اللّغوية المؤدّية إلى اضطراب المصطلح العلمي العربي"، ومن النتائج التي توصّل إليها هذا البحث، أنّ الأسباب اللّغوية المؤدّية إلى اضطراب المصطلح العلمي العربي، لا تقتصر على العربية وحدها، بل منها ما يعود إلى اللّغات الأجنبية التي أخذت عنها العربية تلك المصطلحات. كما يُعدّ الترادف في العربية، وكثرة مفرداتها من أبرز الأسباب التي أدّت إلى تعدّد المصطلح العربي، نتيجة لتعدّد المترجمين، واختلاف مستوياتهم في معرفة المقابل العربي الأدقّ والأنسب للمصطلحات الأجنبية. كما نذكر مقال "أهمية معرفة معاني مصطلحات المحسوسات وظروف استعمالها في تفسير القرآن الكريم، وترجمة معانيه وبيان إعجازه مصطلح (المنّ والسّلوى) نموذجا" لصلاح خليل عبد العال سرور (جامعة القاهرة)، ومصطلحات المحسوسات في أيّ لغة لها معان متفق عليها بين أهلها، ولها معان تأثيرية في المتحدثين بها، وجاء هذا البحث لدراسة أسباب تعدّد معاني مصطلح (المنّ والسّلوى) في القرآن الكريم عند المفسّرين. ونجد في مقال "الاقتراض اللّغوي وتداخل المصطلحات" لعبد الوهاب محمد عبد العالي (جامعة مصراتة، ليبيا) محاولة لتحديد مفاهيم مجموعة المصطلحات التي تدخل تحت ظاهرة الاقتراض اللّغوي، من خلال مصطلح عام للظاهرة، وإحداث مقاييس لتحديد مفهومية كلّ مصطلح منها، وتخصيصه لشريحة لغوية من المقترض اللّغوي. وفي مقالهما "إشكالية التعدّد المصطلحي في ميدان العلوم النفسية: قراءة في اضطراب هوية الاصطلاح وفوضى توليد المصطلحات مع دراسة نماذج" ركّز الباحثان يوسف سليمان وأمل غنايم (جامعة قناة السويس، مصر) على واقع المصطلحية النفسية وما يعتريها من تعدّد "راح ينحرف بمساراتها الدلالية أبعد ممّا في احتمال التصوّر المنهجي المتخصّص تنظيرا وتطبيقا"، حسب الباحثين الذين طرحا مشكلة تعدّد المقابلات العربية للمصطلح النفسي الأجنبي الواحد، تعدّد وصل إلى درجة غير معقولة أو إلى حدّ الفوضى، يؤكّد الباحثان.