أكّد النائب العام لمجلس قضاء بومرداس عبد النور قاسي في كلمة خلال اليوم الدراسي التحسيسي حول موضوع الوقاية من حرائق الغابات ومكافحتها، "أن القانون الجديد رقم المتعلق بالغابات والثروة الغابية، جاء لتعويض القانون 84/12 المتضمن النظام العام للغابات من أجل مواكبة التطورات التي عرفتها بلادنا والتكيف مع مختلف المتغيرات، فكان لزاما مراجعة أحكامه من أجل تحيينه وتدارك النقائص بالخصوص العقوبات التي فقدت مع الوقت قدرتها الردعية". شكل موضوع الوقاية من حرائق الغابات ومكافحتها ضمن القانون 23/21 الصادر سنة 2023، محور يوم دراسي تحسيسي نظّمه مجلس قضاء بومرداس، الخميس، بحضور عديد الفاعلين والمتدخلين من هيئات محلية ومجتمعية، بهدف شرح أهداف وأحكام القانون الجديد المعدل لقانون 84/12، خاصة ما تعلق بالوقاية وتفعيل آليات حماية الثروة الغابية من ظاهرة الحرائق التي شهدت في السنوات الأخيرة تصاعدا مخيفا، وتسبّبت في كوارث بيئية ومادية كبيرة على المستوى الوطني والمحلي، قدرت بأكثر من ألف هكتار ببومرداس خلال سنة 2023، وتمّ التطرق إلى الشق الأهم في القانون، وهو المتعلق بعملية الردع، والإجراءات الجزائية التي سنّها المشرع الجزائري بعقوبة قاسية تصل إلى السجن المؤبد. وأكّد النائب العام لمجلس قضاء بومرداس "أنّ اللقاء التحسيسي يهدف إلى تسليط الضوء على أهمية الموضوع، وما أراده المشرّع الجزائري من فحوى القانون 23/21، وأهدافه الرامية إلى شرح نظام تسيير قطاع الغابات، تفعيل آليات الحماية، والإجراءات الردعية والجزائية ومجهودات الدولة، وقطاع العدالة، لمواجهة ظاهرة الحرائق التي تزايدت في السنوات الأخيرة، بعضها بفعل إجرامي، والآخر بسبب العامل البشري نتيجة الإهمال واللامبالاة، كما تمّ التطرق إلى أهم الاحتياطات المتخذة للحيلولة دون تكرار هذه الكوارث. وكشف النائب العام بالمناسبة أنّ "التطورات التي عرفتها بلادنا وتغير النظرة المتعلقة بمساهمة قطاع الغابات في التنمية المستدامة كمورد اقتصادي، جعلت من الضرورة مراجعة أحكام القانون السابق، ليس فقط بسبب النقائص الموجودة، لكن بسبب صدور عدة نصوص تشريعية لها علاقة مباشرة بقانون الغابات لسنة 1990، وهو ما استوجب من دستور 2020 إعادة النظر في القوانين والتشريعات السارية المفعول من أجل معالجة الخلل وتجاوز القانون 84/12، وقصوره في حماية وتسيير الثروة الغابية من خلال ما تمّ تسجيله في السنوات الأخيرة من مساس بالأملاك الغابية وانتهاك لسلامتها، لا سيما الحرائق المسجلة كل سنة، على هذا الأساس، تمت المبادرة بهذا القانون الجديد وتكييفه مع المتطلبات الحالية المتعلقة بالمحافظة على التنوع البيولوجي والتغيرات المناخية ومكافحة التصحر". من جانبه، ركّز رئيس مجلس قضاء بومرداس، مختار بوشريط، في تدخله، على الجانب التشريعي ودور الاتفاقيات الدولية والوطنية في حماية البيئة والمحيط الغابي، وقال: "لما كانت السياسة الوقائية لا تكفي وحدها للحفاظ على الغابة والثروة الغابية، فقد تدخّل المشرّع الجزائري بموجب هذا القانون وجرّم الأفعال التي تؤدي إلى حرق الغابات، ورتّب عليها عقوبات صارمة تصل إلى حد المؤبد في حالة حدوث حرائق عمدا، في الأملاك الغابية، أو قصد الاعتداء على البيئة والمحيط، وإتلاف الثروة الغابية والحيوانية، لهذا جاء القانون الجديد لتحديد وضبط قواعد تسيير وحماية وتوسيع وتنمية الثروة الغابية الوطنية في إطار التنمية المستدامة، واستغلال الغابات والأراضي ذات الطابع الغابي وحمايتها من كل أشكال التعرية والاستنزاف ضمن استراتيجية وطنية للغابات". مخطّطات استباقية شهدت ظاهرة الحرائق بالجزائر توسّعا مخيفا في السنوات الماضية، أدت إلى إتلاف عشرات الهكتارات من المساحات الغابية والأحراش، تعدّت 28 ألف هكتار، وتسبّبت في خسائر مادية جسيمة قدّرها وزير الداخلية والجماعات المحلية ب 17 مليار دينار، وهو ما استدعى التحرك من قبل السلطات العمومية لمواجهة الآفة، حيث أخذ قطاع الغابات والبيئة الأولوية في برنامج عمل الحكومة، من أجل إعداد مخطط وطني للوقاية والتدخل الاستباقي لمواجهة هذه الأخطار المحتملة، والتقليل من آثارها السلبية التي تعدّت الجانب المادي إلى الأبعاد البيئية الخطيرة المهددة للغطاء النباتي والغابي والمساحات الخضراء والرطبة، والمحافظة على التوازن الايكولوجي وحماية عشرات الأنواع من الحيوانات البرية والطيور. ولمواجهة هذه التحديات، قامت وزارة الداخلية والجماعات المحلية بتنصيب اللجنة الوطنية لحماية الغابات لسنة 2023، التي أعطت الضوء الأخضر لتنصيب اللجان الولائية المشتركة على مستوى الولايات منها ولاية بومرداس، مع تسخير كل الإمكانات المادية والبشرية بالتنسيق مع جميع القطاعات الفاعلة والمتدخلة كالحماية المدنية، الفلاحة، محافظة الغابات، مصالح الدرك الوطني وغيرها لإعداد خطة عمل متكاملة ومنسقة، مع اعتماد وسائل وتقنيات حديثة ينتظر أن تدخل الخدمة خلال هذه الصائفة من طائرات قاذفة لإخماد الحرائق، ودعم محافظة الغابات والحماية بشاحنات لتدعيم الارتال المتنقلة المكلفة بمراقبة المساحات الغابية، وفتح المسالك الجبلية لتسهيل مهمة رجال الإطفاء. أما على المستوى المحلي، فلم تسلم ولاية بومرداس من أزمة الحرائق المتزايدة بالنظر إلى طابعها الجغرافي الغابي، حيث لا يزال السكان والفلاحون يحتفظون بتجارب مؤلمة، منها حرائق صائفة 2017 التي أتت على أزيد من ألف هكتار من المساحات الغابية والفلاحية، وإتلاف 3300 شجرة مثمرة و12 ألف شجرة زيتون، أغلبها تنتشر بالسفوح الجبلية على مساحة حوالي 140 هكتار، بالإضافة إلى حرائق سنة 2021 التي مست عدة بلديات وتسببت في خسائر كبيرة ل 221 مستثمرة فلاحية، وتضرر منازل 21 عائلة حسب تقرير اللجنة الولائية المختصة. وأمام هذه الظروف الصعبة، اتّخذت السلطات الولائية بالتنسيق مع محافظة الغابات ومصالح الحماية المدنية عدة إجراءات وقائية للحد من الحرائق وتكثيف حملات التحسيس والتوعية لشرح فحوى القرار الولائي رقم 952 المؤرخ في 30 مارس 2022 المتضمن عددا من الممنوعات والإرشادات الواجب اتباعها، مثل منع رمي النفايات، منع حرق النباتات والقش لرفع درجة الوعي والمسؤولية، وتجنب التبعات والغرامات المالية عن كل أشكال التجاوزات.